وجود فيلم سينمائي يتناول السيرة الذاتية لشاعر بحجم أحمد فؤاد نجم كان دافعا قويا لعدم الصبر لمشاهدته في أي حفلة بعد الظهر وبالفعل شاهدته في حفلة الحادية عشرة صباحاً أول يوم عرض جماهيري له واكتشفت أنني الوحيدة الموجودة بالصالة، وقررت مشاهدته للمرة الثانية في حفلة السابعة لسببين الأول أن مشاهدة الفيلم وسط جمهور الصالة له مذاق خاص. وثانياً «الفاجومي» حياته مثيرة للغاية بداية من طفولتة وعلاقته بأشقائه وأمه وارتباطه الشديده بعزبة أبو نجم التي تبعد عن الزقازيق بضعة كيلو مترات عاصمة الشرقية التي ولد بها ثم استقراره في القاهرة والشخصيات التي مرت عليه خلال رحلته. أحداث كثيرة ومكثفة في السيرة الذاتية التي حملت توقيع أحمد فؤاد نجم توضح مو اقفه السياسية واصطدامه بحكام مصر المحروسة واعتقاله أكثر من مرة سواء كان بمفرده أو مع الشيخ إمام وعلاقتة بالمساجين والضباط الذين كون معهم صداقات ثم عثوره علي شقيقه «علي» الذي فُقد في طفولته واعتبرته عائلة نجم في عداد المفقودين وتعرفه علي الأسماء اللامعة في مجلة صباح الخير سواء كانوا أدباء أو شعراء أو رسامي كاريكاتير. نأتي فيما بعد لفيلم «الفاجومي» الذي حمل توقيع المُخرج والمؤلف عصام الشماع، الذي جعلنا نشاهد مصر والأحداث السياسية التي مرت بها بداية من نهاية الخمسينيات وحتي عصر الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته البلاد فترة حكم الرئيس السادات من خلال شاعر العامية العبقري أحمد فؤاد نجم، لذلك كان هم عصام الشماع الأول هو رصد أحداث الوطن في فترة الستينيات والسبعينيات وكان أهمها «نكسة 67» و«خطاب تنحي» جمال عبد الناصر، وكتب أحمد فؤاد نجم في هذين الحدثين قصيدتي ''بقرة حاحا'' و''الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا''، أما فترة حكم السادات فقد عبر عنها المخرج بمشاهد الإنفتاح الاقتصادي الذي ظهر علي أم أمال ''جيهان فاضل'' وزوجها ثم شاهدنا في النصف الثاني من السبعينيات أزمة أنابيب الغاز والمظاهرات التي قام الناس بها لتتحول إلي عمليات تخريب وتحطيم المحلات ونهبها من قبل البلطجية، وأضف لذلك مشاهد التيارات الإسلامية التي طفت علي السطح أيام حكم السادات والاشتباكات بين قوات الأمن المركزي والشعب، كل هذه المشاهد جعلتني أشعر أن الأحداث تُعيد نفسها بعد ثورة 25 يناير. طبعاً المخرج والمؤلف عصام الشماع نجح في رصد أحداث الوطن من خلال الشاعر أحمد فؤاد نجم من خلال شريط سينمائي مدته ساعتين شاهدنا فيهما أهم الشخصيات التي أثرت في حياة أحمد فؤاد نجم، وكان لها علاقة وثيقة بالأحداث السياسية بتلك الفترة مثل الشيخ إمام وحجازي، وإذا كان هدفه الرئيسي التأريخ لأحمد فؤاد نجم المؤكد أنه لم يكن سيحتاج لفيلم واحد فقط وربما كان فكر في مسلسل درامي علي غرار مسلسل «أم كلثوم» وطبعاً لا أنكر ذكاء عصام الشماع في اختياره أسماء مُختلفة وبعيدة عن الأسماء الحقيقية الموجودة في كتاب «الفاجومي» لأحمد فؤاد نجم بما فيها نجم نفسه واختار اسمين فقط ذُكرت أسمائهما الحقيقية وهما ابنته نوارة الثورجية حالياً ورسام الكاريكاتير حجازي، حتي يتجنب الدخول في قضايا قد تُعطله، وبصراحة له كل الحق إذا كان مٌسلسل «أم كلثوم» لم يسلم من الورثة هل كان سيخرج فيلم «الفاجومي» للنور في ظل تواجد الشخصيات الحقيقية بيننا، والمثير أن بعض هذه الشخصيات اعترضت علي الفيلم وأبدت إستياءها منه، وأدعي أن بعض أحداثه لاعلاقة لها بالواقع التي شاهدناها بالفيلم في حين أن أحمد فؤاد نجم أكد علي هذه الوقائع التي شاهدناها بالفيلم سواء بأحاديثه التليفزيونية أو في كتابه ''الفاجومي''. نأتي لأبطال الفيلم خالد الصاوي الذي جسد شخصية أحمد فؤاد نجم هو من الفنانين الذين لانتوقع أداءهم مُسبقا، فهو دائماً يفاجئك بما هو غير متوقع، وعندما أعلن عن نيته لتقديم ''الفاجومي'' علمت أنه كعادته سيعتمد علي إحساسه بروح الشخصية، ولن يضع عقبة اختلاف البنية الجسدية بينه وبين نجم في حساباته كم من فنانين جسدوا علي الشاشة السيرة الذاتية لمشاهير في جميع المجالات واقتربوا في الملامح لكنهم لم يستطيعوا الوصول لروح الشخصية والوحيد الذي نجح في الجمع بين روح الشخصية والشكل الخارجي لها هو أحمد زكي في فيلم «السادات»، أما عم صلاح عبدالله الذي جسد شخصية الشيخ إمام فهو جسد الشخصية في حدود المطلوب منه، وعندما قرأت السيرة الذاتية «للفاجومي» وجدت ثراء في شخصية يستحق صناعة عمل خصيصاً له، لكن مثلما قلت في البداية إن فيلم «الفاجومي» يرصد أحداث وطن من خلال شخصيات. جيهان فاضل قدمت شخصية غير موجودة في كتاب «الفاجومي» لكن المؤكد أن هذا الدور سيضيف لرصيدها الفني. زكي فطين عبد الوهاب أعطاني إحساس أنني أشاهد فعلاً فنان الكاريكاتير حجازي، ونستطيع القول أن مخرج الفيلم وفق بشكل كبير في اختياره لجميع أبطال فيلمه بما فيهم كندة علوش التي جسدت شخصية ماهيتاب قدري والدة نوارة نجم. وفرح يوسف التي جسدت شخصية عزة بلبع ومحمود مسعود السجين الشيوعي كذلك محمود قابيل وتامر هجرس. وأخيراً: قد يكون هناك بعض الملاحظات علي فيلم «الفاجومي» لكن المؤكد أنه من الأفلام الجادة والمهمة والتي قد يكون لها جمهور خاص، والدليل علي ذلك شباك التذاكر الذي يُخاصم هذه النوعية من الاعمال لصالح أفلام أخري خفيفة، اعتاد الجمهور علي مشاهدتها منذ أكثر من 15 سنة وهذا لايعني إلقاء العبء علي المنتج لأن من حقه المحافظة علي استمراريته كمنتج، وبالطبع هذا المنتج لن يتحمل أي سينمائي لديه رغبة في صناعة فيلم فني جاد وهنا يجب استعادة دور الدولة في دعم هذه النوعية من الأفلام التي ستضيف الكثير للسينما المصرية.