منذ النجاح غير المسبوق الذى حققه مسلسل «الاختيار» فى جزئه الأول، جزء الشهيد أحمد منسى، والمطالبات لم تتوقف بأن تصبح المسلسلات التى تتناول بطولات الجيش والشرطة خلال العقد الأخير قاسماً مشتركاً على مائدة الدراما الرمضانية، تكرر النجاح مجددا حتى اكتملت ثلاثية الاختيار، بجانب عدة مسلسلات أخرى تناولت ملفات مختلفة بعيدًا عن ساحة المعارك الحربية، مثل: القاهرةكابول، هجمة مرتدة، العائدون، لكن بقى السؤال: إلى أى مدى ستستمر هذه الطفرة فى الدراما المصرية، وهل لدينا المزيد من المواقف والملفات التى تسمح بإنتاج أعمال جديدة، وانتظر الجميع ما الذى سيقدمه صناع الدراما الوطنية فى رمضان 2023 ليجيب مسلسل «الكتيبة 101» عن كل تلك الأسئلة عبر 20 حلقة تتناول عامين فقط من صمود رجال القوات المسلحة فى حربنا ضد الإرهاب وتحديدًا فى الفترة بين عامى 2014 و2016.
جاء مسلسل «الكتيبة 101» ليؤكد أن حكايات البطولة لا تنتهى، وأن كتاب السيناريو والمخرجين أمامهم ملفات عديدة يمكن أن ينسجوا منها حلقات درامية تزيد من ارتباط الجيل الجديد من الشباب ببطولات جيشهم من جهة، وتكمل الصورة أمام الجيل الذى تابع تلك البطولات فى حينها، لكن من خلال نشرة الأخبار، التى كانت ترصد حجم الخسائر التى كبدها الجيش المصرى للجماعات المسلحة التكفيرية فى سيناء، مع ذكر عدد الشهداء والمصابين من صفوف الجيش المصرى، هكذا فى سطور مهما طالت لن توف الأبطال حقهم، لكن الدراما جاءت بعد 10 سنوات لتؤدى بهذا الواجب من خلال مسلسل «الكتيبة 101» المعروض حاليًا فى رمضان والذى ستنتهى حلقاته يوم 20 ليبدأ مسلسل آخر هو «حرب» والذى سنتناوله بالتأكيد بعد انتهاء حلقاته العشرة نهاية الشهر الفضيل. سلسلة من عناصر القوة تميز مسلسل «الكتيبة 101» بالعديد من عناصر القوة والجذب الدرامى، وهو تحدٍ واجه صناعه بالتأكيد من أجل الهروب من المقارنة مع ثلاثية الاختيار، ورسم صورة مستقلة لعمل نجح فى الدخول دراميًا إلى عمق سيناء، حيث رأينا كواليس «بيزنس الأنفاق» والطرف الثالث أى تجار التهريب الذين لا يؤمنون بأى شىء سوى الأرباح حتى ولو على جثث الأبرياء، ليرسخ العمل أن سردية مواجهة الإرهاب فى سيناء متعددة الوجوه وأن الرواية يمكن أن نقدمها للجمهور من زاوية مختلفة كل عام، وهو ما ينطبق على أى حرب كبيرة من الصعب اختزالها فى فيلم أو مسلسل وحيد. تبدأ عناصر القوة فى المسلسل من الاستقرار على تقديمه فى 20 حلقة فقط، ما ساعد فى سرعة الإيقاع التى أحس بها الجمهور فى الحلقات الأولى، حيث العمليات اليومية التى يخوضها رجال القوات المسلحة، والشهداء الذين يفدون الوطن كل يوم بدمائهم والذين وثقت المسلسلات بطولاتهم فى نهاية كل حلقة فلم يعد الالتفاف حول شهيد بعينه أو مجموعة تعرضت للشهادة فى عملية حصدت انتشارًا، وإنما رأينا الضابط «نور صلاح العزب» يقترح على زميله أن يطلق اسم شهيد على كل عملية جديدة، وهى نفس الفلسفة التى قام عليها المسلسل، حيث تكريم أكبر عدد ممكن من الشهداء دون تفرقة بين عسكرى وضابط وصف ضابط. وجود النجمين آسر ياسين وعمرو يوسف على رأس فريق العمل من أبرز عناصر القوة، ويمكن القول إنه تكرار لنجاح ثنائية كريم عبدالعزيز وأحمد مكى فى «الاختيار2»، حيث يتمتع كلاهما بجاذبية كبيرة عند الجمهور، والعمل وإن كان يميل إلى الدراما الوثائقية لكن أداء النجوم الذين يجسدون الشخصيات الرئيسية عنصر أساسى فى جذب المشاهدين، وهو ما تحقق إلى حد كبير خصوصًا أن كليهما لم يقدم هذه الشخصية بتلك التفاصيل من قبل، عمرو يوسف مقاتل فى صفوف الصاعقة، وآسر ياسين ضابط مخابرات حربية.
بجانب آسر ياسين وعمرو يوسف يتألق فى «الكتيبة 101» الفنان فتحى عبدالوهاب بشخصية «الدكتور وحيد»، حيث زاد من مساحة التشويق فى العمل بالدخول إلى كواليس عصابات التهريب والمفارقة بين شخصياتهم على الأرض فى سيناء وشخصياتهم التى يعيشونها فى حياتهم المرفهة بعيدًا عن الأعين، وهو ما منح المسلسل مستوى جديدًا فى السرد الدرامى، حيث لا يتوقف الأمر عند متابعة المداهمات العسكرية من جهة والحياة الاجتماعية للضباط من جهة أخرى، ولكن الفئة التى تعيث فى الأرض فسادًا، كيف تعمل وتخطط وتظن أنها فى مأمن من العقاب. مؤلف صاعد ومخرج متميز كذلك منح المسلسل فرصة للمؤلف الصاعد إياد صالح الذى شارك فى ورشة كتابة «الاختيار 3» مع المؤلف هانى سرحان، لتقدم هذه النوعية من المسلسلات جيلاً جديدًا فى مجال التأليف وأيضًا فى مجال الإخراج فبعد بيتر ميمى الذى عرف الجمهور اسمه بعد الجزء الأول من الاختيار، يتولى المخرج الشاب محمد سلامة مسئولية تقديم «الكتيبة 101» للجمهور ويؤكد تميزه الذى لم يتوقف عند حد الدراما الإجتماعية، ولاقت كادرات سلامة التى اهتم فيها بجماليات الإضاءة وحسن استغلال المساحات الشاسعة فى سيناء خصوصًا فى الليل إعجاب الجمهور. كذلك منح المسلسل الفرصة لعدد كبير من الفنانين الشباب سواء فى شخصيات الجنود والضباط أو التكفيريين وعناصر عصابات التهريب، مثل محمود ياسين، أحمد عنان، شريف نورالدين، أحمد عبدالله محمود، بجانب عناصر الخبرة مثل وليد فواز وبهاء ثروت وأحمد كشك. المداهمات والعمليات العسكرية عنصر قوة رئيسى فى مسلسل «الكتيبة 101» نراه على تتر البداية، حيث تنويه يؤكد أن القوات المسلحة هى من صممت مشاهد المعارك، وهو أمر بات متكررًا فى هذه النوعية من المسلسلات لتوفير الخبرة والتفاصيل الكافية لفريق العمل المتمكن فنيًا، لكن بالتأكيد حربيًا يحتاج لمن خاضوا تلك الحروب بالفعل خصوصًا أن معظمها أحداث سريعة لم توثق وتتاح للباحثين بعد عكس حرب أكتوبر مثلاً، بالتالى كان وجود الإشراف الكامل من القوات المسلحة ضروريًا، وهو ما انعكس على التنفيذ المتقن لتلك المشاهد لتحقق أولاً الأثر الإيجابى عند المشاهدين حيث يشعر كأنه يتابع ما حدث فعلاً على أرض سيناء فى هذا التاريخ قبل نحو 10 سنوات، وفى الوقت نفسه تفادى الوقوع فى أى خطأ أيًا كان حجمه عكس ما تعرضت له مسلسلات أخرى تناولت فترات تاريخية بعيدة، ورغم أن تفاصيلها موثقة ولها مراجع، لكن غاب الإتقان بعض الشىء ما أدى إلى تدوين الجمهور لتلك الملاحظات على منصات التواصل الاجتماعى، عكس «الكتيبة 101» حيث حظيت المشاهد الحربية بإعجاب كل من شاهد العمل ونجح المخرج محمد سلامة وفريق التصوير والإضاءة والديكور والمؤثرات البصرية فى إعادة خلق الأجواء التى عاشها الأبطال بين عامى 2014 و2016، وهو أمر ربما يشعر به أكثر الجنود والضباط الذين خاضوا تلك المواجهات.
تأكيد بطولات أهل سيناء يضاف لعناصر القوة بالمسلسل المساحة التى حصل عليها أهل سيناء ودورهم الوطنى فى التصدى للجماعات التكفيرية والوقوف فى ظهر الجيش المصرى، وقدم العمل شخصيتين أساسيتين، شيخ القبيلة وجسده الفنان خالد الصاوى، والسيدة البدوية المدركة لخطورة تلك الجماعات وقدمتها وفاء عامر، بجانب العديد من الشخصيات الأخرى والتى سقط من بينها شهداء أثناء عمليات المداهمة، حيث كان الجيش يستعين بخبرات أهل سيناء من أجل الوصول لأوكار الارهابيين، ورأينا المعاناة التى تعرضوا لها على يد قطاع الطرق من أجل عقابهم على التعاون مع جيش بلدهم وكيف صمدوا أمام تلك الظروف حتى انتهت الحرب على الإرهاب بانتصار المصريين. باختصار يمكن القول إن مسلسل «الكتيبة 101» جمع بين العديد من عناصر القوة، سواء القصة التى قدمت تضحيات الشهداء فى تلك الفترة الساخنة من تاريخ مصر المعاصر، أو الاحترافية فى اختيار الممثلين وفريق التنفيذ الفنى وكذلك الخبرات التى وفرت إعادة تجسيد مشاهد المداهمات وكأنها واقعية تحدث أمام أعيننا مباشرة، وفى انتظار مفاجآت عديدة كما وعد صناع العمل حتى الحلقة الأخيرة، ثم يبدأ بعدها حلقات «حرب» لمحمد فراج وأحمد السقا والمؤلف هانى سرحان والمخرج أحمد نادر جلال.