بعد أن غابت نحو ثلاث سنوات، تعود القضية السكانية إلى أولويات الحكومة اليوم، حيث حضر رئيس الوزراء حازم الببلاوى، وأغلب الوزراء والمحافظين، المؤتمر القومى حول القضية السكانية، للإعلان عن خطة الحكومة لسكان مصر، التى ظلت لسنوات مرتبطة بتنظيم الأسرة، كحل لمشكلات التنمية. مقررة المجلس القومى للسكان، الذى يعد لهذا المؤتمر، د.هالة يوسف، أستاذة الصحة العامة بقصر العينى، ظلت لسنوات طويلة تعمل مع العديد من المنظمات المصرية والدولية، فى مجالات بحثية وتنفيذية، فى قضايا السكان والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، والتثقيف الصحى، وخدمات رعاية الحوامل ورعاية حالات ما بعد الإجهاض، بما فيها الدعم النفسى.
كل هذه الخبرات، حملتها د.هالة إلى مكتبها قبل أسابيع قليلة فى أكتوبر الماضى، كمقررة للمجلس القومى للسكان، المسئول عن وضع السياسة السكانية لمصر. خلال السطور التالية سألناها عن رؤيتها للقضية السكانية، وأولويات العمل خلال المرحلة الحالية.
∎ ما الذى استفدته من عملك فى مجال البحث وتقديم الخدمات الصحية؟
كنت دائما أسأل نفسى، لماذا يحتفى متخذو القرار بالأبحاث العلمية التى نجريها، ثم يكون التطبيق شيئا آخر، وأردت أن أكتشف العوائق التى تحول دون تطبيق ما جاء بهذه الأبحاث، لتحسين الأوضاع الصحية، فشاركت فى العمل فى مشروعات لتحسين الصحة، مع وزارة الصحة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وتعلمت من خلال عملى المباشر مع الناس، أن المصريين، يتعلمون بسرعة، عندما تستجيب الخدمات الصحية لاحتياجاتهم، فتكون النتائج جيدة فى النهاية.. وعندما عملت فى مجال التقييم والمتابعة، للخدمات الصحية، أصبح لدى الصورة الأكبر للعمل الصحى المتكامل، وأدركت أهمية التقييم والمتابعة، لتحقيق الأهداف، وأصبحت المتابعة والتقييم أسلوب حياة بالنسبة لى.
المتابعة الجيدة هى التى تكشف العوائق التى تحول دون تحقيق جودة الخدمة، ففى مجال تحسين الخدمات الصحية، يجب التأكد من أن الأطباء وفريق التمريض مدربون على مناهج علمية موحدة، وأدلة للعمل، وفق نظام موحد للعمل مدعوم من وزارة الصحة، والتأكد من أن الإشراف على الطبيب، يجرى وفق طريقة لا تحرج الطبيب، بل تراعى كل ظروفه، وفى نفس الوقت توجهه الوجهة الصحيحة.
طريقة المتابعة نفسها هى التى يمكن أن تحسن الخدمة، أو العكس، فعندما أريد تحسين الخدمة فى الوحدات الصحية، لابد أن أتابع مدى تواجد الطبيب فى العيادة، وليس فقط هل يقيس الضغط للمريض أم لا، وما إذا كان هناك نظام لمتابعته ومكافأته أم لا وهكذا.
∎ وكيف ستفيد المتابعة بهذه الطريقة القضية السكانية؟
المتابعة الجيدة لأى قضية، لابد أن تعتمد على تحديد النتيجة والأهداف فى البداية، ثم الخطة والجدول الزمنى، الذى يحدد من سيؤدى ماذا، متى وأين، بالإضافة الى إمكانية تعديل الخطة وفق ما تقتضيه النتائج المرحلية.
وفى المجلس القومى للسكان لدينا خطط للعمل وضعت خلال العامين الماضيين، لكن التغييرات السياسية السريعة، التى حدثت منذ يناير 2011 وما تبعها من تغيير للمسئولين فى الحكومة وفى المجلس، أعاقت استمرار العمل بها، لدينا خطة للقضايا التنموية لهذا العام، لكن ينقصنا اعتماد استراتيجية طويلة لعشر سنوات، وفقا للامكانيات المتاحة والمشكلات الاقتصادية الحالية التى تمر بها البلاد.
فإذا أخذنا قضية الهجرة الداخلية كمثال، سنجد أن الخطة تعتمد على تنمية فى المحافظات الطاردة، وهذا حل يحتاج إلى موارد مالية، والمتاح الآن أن تقدم كل وزارة ما يمكن أن تنفذه لحل المشكلة.
المجلس ليس جهة تنفيذية، بل يضع استراتيجيات بمساندة الشركاء، ويقترح سياسات، وينسق بين الجهات، ويتابع العمل مع كل الوزارات لتحقيق أهدافه.
والمجلس فى حاجة الآن لإجراء أبحاث تستفيد منها الجهات المختلفة، لتوضح ما إذا كانت الزيادة السكانية التى حدثت منذ يناير 2011 التى تقول البيانات أنها كبيرة، هى زيادة عادية بسبب زيادة قاعدة الشباب، أم غير عادية لارتفاع الخصوبة، أم الاثنين معا، وبالمثل كل الأوضاع السكانية الأخرى، والمجلس لديه جزء من تمويل هذه الأبحاث بالفعل، وبعض المنظمات الدولية لديها استعداد لمساعدتنا فى هذا.
∎ البعض يرى أن الجهات المانحة هى التى تحدد المجالات التى تعمل فيها وليس العكس؟
كنت مستشارة لمنظمة الصحة العالمية، وصندوق الأممالمتحدة للسكان، وعادة ما تتم مناقشات بين الجهة المانحة والجهة التنفيذية، وتستطيع الجهة التنفيذية أن تقنع الجهات المانحة، بأن تساهم فى الاحتياجات الحقيقية للجهة التنفيذية، شريطة أن يكون لديها تقييم بالوضع الحقيقى للاحتياجات واضح وصريح وموثق، وليس آراء شخصية شفوية، وفى النهاية إذا رفضت إحدى الجهات المشاركة، ستوافق أخرى.
∎العدالة الاجتماعية
∎القضية السكانية انحصرت لسنوات فى تنظيم الأسرة.. فكيف ترينها؟
- القضية السكانية كما أراها الآن هى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتى لن تتحقق إلا بالتنمية البشرية، التى تساعد فى إعادة توزيع السكان، والإنفاق أكثر على خدمات التعليم والصحة، بالجودة المطلوبة، لأنهما حق لكل مواطن، والتوسع فى المناطق الصناعية الجديدة، لخلق فرص عمل للشباب، مع الأخذ فى الاعتبار نتائج الابحاث وتطوير مؤشرات المتابعة الميدانية.
ومع هذا لن نغفل أهمية تنظيم الأسرة، لأن الوضع الاقتصادى الآن لا يتحمل الزيادة الكبيرة فى أعداد السكان، لكن تنظيم الأسرة سيكون جزءا من القضية السكانية، وليس كلها.
لا نريد أن نعتمد فقط على مؤشرات تنظيم الأسرة، كما كان فى السابق، بل يجب أن نقيس الظواهر الأخرى مثل، أطفال الشوارع، زواج الاطفال قبل 18 سنة، والذى يشهد عليه كل أفراد المجتمع المحيط بالفتاة، ويترتب عليه عادة تسرب الفتاة من التعليم، وعدم تسجيل الابن إذا أنجبت، أو تسجيله باسم جده، لعدم وجود عقد زواج.
ونقيس مشكلة مثل تسرب الفتيات من التعليم الإعدادى، لكى نضع الحلول المناسبة، فقد لا تكون زيادة أعداد المدارس الإعدادية هى الحل، إذا علمنا أن عدم إرسال البنات للمدرسة، وراءه خوف الأهل عليهن، من بعد المدرسة عن القرية، وهنا سيكون الحل بجلوس المسئولين فى التعليم مع خبراء المجلس، لوضع الحلول المناسبة.
∎ هل تساعد عودة تبعية المجلس لرئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء إلى تحقيق مهمته مع الجهات المختلفة أكثر من تبعيته لوزير الصحة الآن؟
الدعم السياسى الذى يلقاه المجلس من وزير الصحة، أكثر تأثيرا من تبعية المجلس لرئاسة الجمهورية الآن، ففى العام الماضى كان هناك إهمال كامل للقضية السكانية، وكانت هناك نية من مجلس الشورى لإلغاء المجلس القومى للسكان، لكن الوضع تغير الآن، وهناك حاجة لدعم الاعلام لقضايا الأسرة والسكان، ومناقشتها بطريقة تقترب من مشكلات الناس على أرض الواقع.