مازالت الأمور تزداد اشتعالا.. ومازالت حالة الانقسام هى سيدة الموقف.. رغم كل التوقعات والتنبؤات والآمال بأن انتخاب رئيس الجمهورية وتسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة سوف ينهى حالة الانقسام والاستقطاب والخلافات بين القوى السياسية داخل مصر بعد الثورة.. إلا أن الأمور لاتريد أن تهدأ.. ولا نريدها نحن أن تهدأ ونصر على أن تشتعل النار كلما انطفأت بأيدينا لا بيد عمرو. فليس هناك أحد على الإطلاق كان يتوقع ما حدث وأن يصدر رئيس الجمهورية قرارا بعودة مجلس الشعب المنحل.. فقد فعلها د.محمد مرسى بعد أسبوع واحد من توليه منصب رئيس الجمهورية رسميا وخالف قسمه ويمينه الدستورية، وفى الوقت نفسه بر بوعده غير القانونى والذى وعد به وجاء على لسانه فى حفل تنصيبه بجامعة القاهرة بعودة المؤسسات المنتخبة للقيام بدورها وعودة الجيش إلى ثكناته وممارسة مهامه الأساسية فى حماية الجبهة الخارجية.
جاء ذلك القرار المفاجئ الصدمة والصادم للجميع ليقلب الأمور رأسا على عقب وذلك بسحب قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية انتخاب مجلس الشعب وانعدامه وبالتالى حله وقرر الرئيس عودة المجلس التشريعى المنحل لممارسة اختصاصاته وصلاحياته كاملة وذلك لحين الانتهاء من كتابة الدستور وإقراره بالاستفتاء الشعبى ثم إجراء انتخابات تشريعية جديدة بعد 60 يوما من الموافقة على الدستور. القرار الذى أصدره محمد مرسى هو قرار بالطبع ذو شقين: الأول يتضمن سحب السلطة التشريعية من المجلس العسكرى والتى أوكلها إلى نفسه بعد حكم حل مجلس الشعب وهو بذلك يسحب كل الصلاحيات الموكولة للمجلس العسكرى عدا التى فى الإعلان الدستورى والتى تخص حالة الحرب. أما الشق الثانى أنه أكد واعترف ضمنيا بصحة وسلامة حكم المحكمة الدستورية العليا بانعدام البرلمان واعتباره كأن لم يكن وبالتالى حله وعدم بقائه وبهذا جعله يستمر فى مهامه حتى بعد كتابة الدستور بشهرين فقط، والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هل هذا القرار استباق لحكم قد يصدر عن الدستورية العليا بحل مجلس الشورى على طريق حكم حل مجلس الشعب.. وهل لو حكم بذلك سيظل الشورى أيضا فى موقعه ويمارس صلاحياته واختصاصاته لحين كتابة الدستور وإجراء انتخابات بعد البرلمان إذا تم الإبقاء عليه فى الدستور أم إنه سيلغى خاصة أنه ليس له دور فعلى ولا صلاحيات حقيقية. الحقيقة أن القرار الذى اتخذه مرسى وللأسف فيه من أوجه الصدام أكثر من أوجه التوافق والوفاق خاصة مع المؤسسات الدستورية الأخرى والسلطات الأخرى.. فهو يمثل صداما مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمنوط به إدارة البلاد فعليا خلال المرحلة الانتقالية والتى لم تنته بصورة عملية حتى الآن، لأنه ببساطة سحب سلطة تشريع كانت فى يده ولو بصفة مؤقتة لحين كتابة الدستور وانتخاب برلمان جديد لأن سلطة التشريع كانت ستعود للبرلمان إن آجلا أو عاجلا، وأيضا سحب من المجلس العسكرى سلطة من السلطات المخولة له فى الإعلان الدستورى والتى كانت توجده كمؤسسة شرعية حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وهو بذلك وبهذا القرار يعنى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصبح عمليا ليس له دور فى عملية التحول الديمقراطى والانتقال السلمى للسلطة، لأنه بذلك تكون مؤسسات الدولة المنتخبة موجودة فعلا على أرض الواقع ممثلة فى الرئيس المنتخب.. وممثلة فى مجلس الشعب المنتخب حتى ولو كان مؤقتا وكذلك مجلس الشورى المنتخب حتى إشعار آخر.. وبذا ليست هناك سلطة ما أو مبرر ما يبقى دورا للمجلس الأعلى سوى سلطة الموافقة على إعلان حالة الحرب أو قرار الحرب إذا ما اضطر الرئيس إلى اتخاذه والسلطة الأخرى هى سلطة الاعتراض على مادة أو بند من بنود الدستور الجديد. المشكلة أن الصدام المتوقع الأكثر قوة لن يكون بين الرئيس والمجلس العسكرى.. لأنه فى النهاية قاربت فترة التحول الديمقراطى على الانتهاء بكتابة الدستور ولكن الصدام الأقوى سيكون مع دولة القانون وسلطة القضاء والتى هى ثالث السلطات الثلاث التى تحكم الدولة وهى إحدى مؤسسات الدولة الفاعلة وهى التى تراقب أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية وتضمن سلامة دستورية القوانين وحجيتها.. فقرار عودة مجلس الشعب المنحل يضرب بعرض الحائط حكما قضائيا مهما مهما كانت الدعاوى أن الحكم معيب أو له شق سياسى فنحن أمام حكم قضائى يجب احترامه وتفعيله حتى ولو كان خاطئا وبالتالى نحن هنا نعلى دولة القانون ونضع الجميع سواسية أمامه.. والقضاء هنا ليس سلطة تنفيذية للأحكام.. فالقضاء يحكم.. وصاحب الإرادة التنفيذية وسلطة الإدارة ينفذ.. وبالتالى فإن الفرق بين الدول الكبرى والدول الصغرى.. والدول الديمقراطية والدول الديكتاتورية هو احترام دولة القانون وأحكام القضاء وهى المرجعية الأخيرة لمؤسسات الدولة الأخرى. ولذا فإذا كنا مع بداية طريقنا للديمقراطية برئيس منتخب جديد لا نحترم أحكام القضاء.. فإننا بذلك نكون قد أصبحنا فى غابة لايحكمها قانون وهو يعنى انهيار دولة القانون، وبالتالى انهيار الدولة بكاملها.. ولعلى أذكر حزب الحرية والعدالة.. ورئيس الجمهورية ذاته أن الذى جاء بالحزب ليكون أغلبية فى البرلمان.. وجاء بالرئيس على مقعد الرئاسة هو القانون وأحكام القضاء اللذين أكدا وضمنا إرادة الناخبين. إن قرار رئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب المنحل دون إبداء مبررات وأسانيد قانونية أو سياسية مقنعة هو تحد مباشر لسلطة القانون وهو بذلك يرسى قواعد جديدة فى حكم الدولة لم تكن موجودة من قبل حتى فى عهد المخلوع مبارك صاحب ديكتاتورية 30 سنة والذى لم يفعل مثلما فعل مرسى فى أسبوع وهو ما يؤكد كلامنا السابق ورؤيتنا حول الجماعة والحزب ومبدأ السمع والطاعة وإعلاء سلطة الجماعة على سلطة الدولة وعلى مؤسسات الدولة.. وأنهم هنا لايحتكمون إلى دستور أو قانون أو سلطة تنفيذية ما.. وإنما مجلس شورى الإخوان هو السلطة الأعلى فى البلاد وأن المرشد هو الحاكم الفعلى للبلاد.. وأن الرئيس من أجل مصلحة الحزب الذى استقال من قيادته يعليه على مؤسسات الدولة الأخرى وأهمها سلطة القضاء.. وهو هنا للأسف ليس يحكم بين السلطات ولكنه يتجاوز بالتأكيد لسلطة تخصه وتخص حزبه ضد سلطات أخرى ليست للجماعة ولاية عليها. إننا رغم إيماننا أن ردود الفعل لن تكون عنيفة من جميع الأطراف الأخرى وأن مصر أصبحت لاتحتمل أياً من ردود الفعل هذه.. إلا أننا فى الوقت نفسه نحذر من استمرار محاولات الصدام بين الجماعة والحزب ومجلس شورى الإخوان مع سلطات الدولة الرسمية والدستورية تحت أى مسمى أو أى أسلوب آخر.. فليس من المعقول أنه تحت بند الاستحواذ على السلطة والهيمنة على مؤسسات الدولة لحساب فصيل واحد فى الدولة تغتال الدولة وينقسم المجتمع بهذه الطريقة لأنه لو حدث ذلك ستكون العواقب وخيمة.. والشعب نفسه عرف طريق الثورة حتى ولو كانت الثورة ضد الفصيل السياسى المنظم الوحيد فى الشارع.. فللأسف إننا بعد سنة ونصف السنة من الثورة نجد أنفسنا قد أعدنا إنتاج حزب وطنى آخر.. ومبارك جديد.