لم أستغرب ما جري في الاسكندرية وإن كنت حزنت حزنا شديدا.. ربما أكثر من أي شخص.. لأنني وأنا ابن الاسكندرية التي كتبتني وشكلت احساسي بالدنيا ورأيتها وهي عروس البحر والدنيا ثم رأيتها وهي تفقد شبابها وفتنتها يوما بعد يوم علي مدي أكثر من ثلاثين سنة بفعل التأثيرات السلفية والوهابية والرجعية وما شئت من أوصاف والتي جعلت المدينة التي كانت عيونها إلي البحر المتوسط صارت عيونها مغلقة وكما يوجهها هؤلاء الذين ملأوا حياتنا حديثا عن الدين بلاين وكفروا كل من خالفهم إذا تكلم وإذا لبس وإذا دخل الحمام علي غير طريقتهم وكفروا أهل الديانات الآخري. هؤلاء الذين امتلأت بهم الشاشات والمدارس والمساجد والذين تعاونوا معهم من الفاسدين من المسئولين فردموا البحيرات والانهار وتركوا العشوائيات تصبح هي المدنية وغير ذلك مما جف قلمي في الكتابة عنه وجفت أقلام الكثيرين ممن يحبون هذا الوطن. هؤلاء الذين نسوا أن الإسكندرية كانت مدينة العالم وأنها هي التي حملت يوما ما الديانة المسيحية إلي العالم كله ودافعت عنها واستشهد من أهلها الآلاف أمام ظلم الرومان حتي اعترفت روما بالدين الجديد. وهي نفسها التي عاش فيها المسلمون من أهلها وغيرهم مئات السنين وحفلت أرضها بالعلماء الذين أناروا سماءها مثل الشاطبي وابو العباس المرسي والعدوي والقباري وأبوالدرداء وعشرات غيرهم لم يعرف عنهم ولا عن تلاميذهم ولا في كتبهم أي عداء لأقباط مصر الذين هم مصريون حتي النخاع ولا أقباط الاسكندرية الذين هم مصريون حتي الموت. كان هؤلاء العلماء وغيرهم من أعظم العقول الاسلامية وليس مثل هؤلاء الذين اختصروا الدين في المشي والكلام والزي واستعمال اليد اليمني وراحوا يسبون النصاري كل اسبوع في خطب الجمعة وجعلوا هوية المصري هي دينه وليست بلده وغير ذلك مما بح صوتنا في الكلام فيه.. الآن وقد جري ما جري وما أبشع ما جري فعلي الدولة والحكم والحكومة أن تنتهز فرصة التفاف الشعب كله حول إخوته من الأقباط وتعرف أن هذه قد تكون الفرصة الأخيرة للقضاء علي هذه العشوائية السقيمة في الفكر والعمل والحياة ومن ثم تبدأ في سلسلة من الإجراءات المهمة التي تبدأ بها هذه الأمة حياة جديدة كانت متوافرة لنا ذات يوم قبل هذا الوباء. وهذه الاجراءات التي شغلتني في كل ما كتبت من روايات أو مقالات وشغلت غيري كانت ايضا محور حديث مجموعة من المثقفين المحترمين الذين اجتمعوا في أتيليه القاهرة أمس الأول ومنهم الفنان محمد عبلة والمفكر نبيل عبد الفتاح والمخرج مجدي أحمد علي والشاعر سمير عبد الباقي والقاص سعيد نوح والقاصة عفاف السيد والكاتبة فاطمة المعدول وغيرهم من الفنانين والكتاب.. أقول هذه الإجراءات هي: 1- أن يصدر مجلس الشعب بسرعة قانون دور العبادة الموحد وهو القانون النائم في أدراجه منذ زمن. 2- أن تصدر القوانين التي تجرّم التمييز في الوظائف والاعمال وغيرها من نواحي الحياة وتحقق ما نص عليه الدستور من المساواة بين المواطنين. 3- أن تصدر وزارة الأوقاف لائحة عقاب لأي شيخ أو خطيب في مسجد يقوم بلعن أو سب اصحاب الديانات الأخري. 4- أن تحرم الفتوي من مفتي الديار المصرية وحده وتمنع جميع البرامج التي يقدم فيها الشيوخ أو الدعاة الفتاوي التي وصلت إلي حد كبير من الاستخفاف بالعقول فيفتي الواحد منهم في إلقاء تحية الصباح علي القبطي. 5- أن تلغي من البطاقة الشخصية خانة الدين فالناس في كل الدنيا يعرفون بأجناسهم فرنسيين أو إنجليز أو هنود وليس بأديانهم. 6- أن يجرم القانون استخدام الميكروفونات في دور العبادة علي اختلافها إلا في المناسبات العامة مثل الاعياد وأن يكون ذلك في المساجد الكبري فقط في هذه المناسبات. 7- أن يجرم القانون ويمنع منعا باتا الملصقات الدينية في المصالح والهيئات علي اختلافها وعلي جدران المباني والسيارات وغير ذلك مما ليس له أي معني فنحن لسنا شعبا من الكفار بل نحن أول أمة عرفت البعث والآلهة والتوحيد ولسنا في حاجة الي هذا الضجيج ولا أن يعلمنا أرباع وأخماس المتعلمين. 8- أن تقوم وزارة التعليم بدورها في تنقية المناهج العلمية مما يفسد العلاقة بين الأديان وما أكثره ولقد زحف حتي الي كتب العلوم التي راحت تنسب النظريات العلمية الي الكتب الدينية. 9- أن تقوم وزارة التربية والتعليم بإدخال الفنون المختلفة مثل المسرح والسينما إلي مناهجها. 10- أن تعود حدائق مصر إلي ما كانت عليه قبل الثورة.. أماكن تعزف فيها الفرق الموسيقية والأفلام السينمائية في الهواء الطلق لروادها وأن تقوم وزارة الثقافة بتقديم فنونها في هذه الحدائق في المناسبات المختلفة. هذا قليل من كثير ولكن هذا هو ما تدق الأجراس بالإسراع فيه وهذه المرة لا يجب أبدا علي الدولة أو الحكومة أن تتراخي فيه.. والشعب الذي برهن علي وحدته في هذه المصيبة الكبري لن يقاوم هذا ولا يجب علي الحكومة أن تضع خاطرا لأي قوة ترفض ذلك.. هذا بلاغ لأولي الأمر إذا كانوا حريصين علي هذه الأمة أن يشرعوا فيه فورا.. تلبية لهذا التكاتف من الأمة ضد الإرهاب.. ومن أجل صون هذا الوطن.