حكايتي مع جاكلين كيندي!! جاكلين كيندي.. كما هو واضح من اسمها ليست من بقية أهلي!.. ومع ذلك حزنت عليها!.. وجاكلين التي رحلت عن عالمنا إلي الشاطئ الآخر من الحياة.. سببت لي المتاعب بشكل خاص.. مع أنني لا أعرفها.. و لم أكن أنوي معرفتها.. وأنا مالي ومالها!! ولكن ما حدث قد حدث.. وأحكي لكم ما حدث! في يوم الجمعة 32 نوفمبر عام 3691 وفي الساعة التاسعة والثلث مساء بتوقيت مصر قطع الراديو ارساله.. وأعلن ان الرئيس كيندي اغتيل في ولاية دلاس بأمريكا! كنت في هذه اللحظة أجلس مع أهلي في »مندرة« دار أبويا في ريف الشرقية، وإذا بي أطلب حقيبتي الصغيرة.. لأنني قررت السفر فجأة.. والعودة إلي القاهرة! وكان من المفروض أن اقضي الليل في دارنا.. وأسافر صباح السبت كما تعودت!.. قررت ذلك.. لانه لابد من ذلك!!.. لماذا.. فأنا محرر شئون عربية.. ولابد أن أتواجد بأقصي سرعة في أخبار اليوم.. وكان رئيس التحرير هو الأستاذ أحمد بهاء الدين رحمه الله، وأعرف ان مثل هذا الحدث لابد ان يحتل جميع صفحات أخبار اليوم.. بالاضافة إلي ما تقوله وكالات الانباء عن اغتيال كيندي وتفاصيل ذلك دقيقة بدقيقة.. فلابد ان يتواجد محرر شئون الثقافة.. ليكتب عن كيندي والمثقفين.. وكيف كان كيندي يحيط نفسه بمجموعة كبيرة من أكابر العلماء والمثقفين.. ومن حين إلي حين يجتمع بهم.. ويستمع إليهم.. ويشاورهم في الأمر. كذلك لابد وأن تحضر محررة شئون المرأة للكتابة عن حكاية زواج كيندي من جاكلين ذات الأصل الفرنسي التي كانت تعمل مصورة صحفية. وكذلك لابد من حضوري شخصيا للكتابة عن كيندي والعرب والقضية العربية في فكر كيندي.. أو مدي اهتمام الحزب الديمقراطي الأمريكي الحاكم بقضايا العرب؟، وكذلك لابد من حضور المحررين.. جميع المحررين في هذه اللحظة لينفذوا تكليفات رئيس التحرير. علي بركة الله.. نويت السفر والعودة إلي القاهرة.. فصاحت أمي قائلة: ايه ده.. انت ماشي يا ابني.. هو ايه اللي جري.. والصباح رباح.. والنهار له عينين.. والدنيا ليل؟!.. فقلت وأنا أقبل يدي أمي.. معلهش ورايا شغل.. وموعد مهم في العمل وكنت قد نسيت.. كنت أقول ذلك.. لأن أمي الفلاحة البسيطة لا تعرف معني الأسباب.. ولا تعرف أصلا طبيعة عملي.. كل ما الأمر أن أمي وأبويا وإخوتي فخورون بي لأنني دخلت الجامعة الكبيرة في مصر.. وموظف كبير.. بيه أو أفندي.. وخلاص!! سألتني أمي: مالك.. وشك اتغير.. لما سمعت واحد مات في الراديو؟!.. هو مين يا إسماعيل؟!.. فقلت رئيس أمريكا!.. فسألتني أمي: كنت تعرفه؟!.. فقلت: الدنيا كلها كانت تعرفه! سألتني أمي: هي أمريكا دي أبعد من الحجاز؟!.. فقلت: بكتير قوي!.. سألتني أمي: هو رئيس أمريكا ده كان أعلي من جمال عبدالناصر!.. فقلت: لا يا أمي جمال عبدالناصر أعلي من كيندي! .. قلت ذلك خوفا.. أن تكون أمي في المخابرات!! وصلت أخبار اليوم.. وطوال الطريق.. وأنا اجمع في ذهني مادة المقال الذي سأكتبه عن كيندي والعرب، وإذا برئيس التحرير يطلب مني بأن أقوم بجولة في فنادق مصر الكبري.. وأصف رد فعل السياح الأمريكان في الفنادق.. وصورهم بجوار التليفزيون بالفندق.. وأرسم ملامح صورهم من قريب بعد الحادث. وقمت بالمهمة المطلوبة.. لأنني يا دوبك خطفت رجلي إلي فندق هيلتون، وبعده سميراميس وبعده فندق شبرد، وهم في مكان واحد!! وهات يا كلام لما شاهدت وسمعت من السياح الأمريكان.. وغيرهم من السياح الأجانب الآخرين ما يفي بالغرض والغريب في الأمر انني تصورت من خيالي أنه لابد وأن يكون اسم الدلع لجاكلين كيندي هو اسم »جاكي« مجرد خيال.. فصح ما تخيلت.. وقلت لنفسي: ايه الذكاء ده كله يا ولد!.. لأنني كنت لم أقم بزيارة أمريكا بعد.. ولم أسمع اسم الدلع لجاكلين.. ويا بركة دعاء الوالدين. وفي اليوم التالي شاهدت في التليفزيون وقائع ما جري من اغتيال.. دم.. وهيصة.. والإمساك بالقاتل أوزوالد وقتل القاتل.. وهو في طريقه إلي التحقيق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، حاجة كده أقرب إلي مسرح العبث أو اللامعقول! المهم أن صورة أو وقائع ما جري سالت له دموعي وهاجت له مشاعري، بعد ذلك رأيت الجنازة.. وتسير فيها جاكلين ومعها ولدها الصغير جون.. وابنتها كارولين. وأن جاكلين تسير في الجنازة بنفس الفستان الذي عليه دم زوجها القتيل.. وتضع شالا أسود من الحرير الشفاف »طرحة« علي رأسها! ويواري الجثمان التراب في المدافن القومية. مع اشعال »شمعة« تظل تضئ إلي آخر الزمان! وجدت نفسي أكتب هذا الكلام أصف فيه مشاعري بكلمات شاعرية وأقول فيها: يا صورة الأمل الجميل غدا يغطيها التراب، العين تذرف دمعة.. يا حسرة الإنسان ع الإنسان! قتلوه في وطن الحضارة.. في زحمة الأفراح والألوان.. قتلوه في وضح النهار.. الشمس غابت في الظهيرة.. وبكي الإنسان ع الإنسان! الرصاصات الثلاث اعصار نار يحرق الأرض.. والسماء.. وبات طائر السماء.. يعزف اللحن الحزين جاكلين.. كارولين.. وغصن زيتون أخضر.. يسير في بحر الدموع! النار تحرق الأحلام.. الرصاص يقتل السلام.. والإعصار يغتال الحمام.. وتوضع علي مرقد القتيل شمعة.. ليسود الظلام؟! ماهو الفرق بين جهاز فض المنازعات.. وجهاز العروسين؟! حوار.. بين الأهبل والحمار!! الأحد: لا حول ولاقوة إلا بالله.. فقدت صديقا.. وهو مازال بعد علي قيد الحياة! هذا الصديق »الهش«.. وكلماته تشبه »القش«.. أو العشب الجاف، أو الهشيم.. ومايزال متمسكا بهذه اللغة القبيحة في الكلام.. حتي في الغرام!.. هذا الذي كان صديقا لي وزميل دراستي الجامعية.. استهواه العمل السياسي.. والانضمام لمنظمة الشباب، ومن بعد الجهاز الطليعي.. لانه وجد في ذلك الأمل.. والطموح.. وتحقيق الذات في شغل مناصب قيادية، وهو من أصول متواضعة جدا في الريف.. وكانت ثقافته هو ما يقولونه له في اجتماعات الاتحاد الاشتراكي! وانتهي زمان الاتحاد الاشتراكي، ومفردات الشيوعيين.. وانتهي الحال به إلي وظيفة لايذهب إليها.. ولكنه يتقاضي راتبه من بيت المال وخلاص! التقيت بهذا الزميل صدفة.. هو مايزال يحدثني بانفعال.. وأنا أضحك!.. وهو يستغرب.. فأردت ان استدرجه إلي حديث حياتنا الخاصة.. وأحوال العيال.. فقال: أنا لم أتزوج.. وكان من الطبيعي ان أسأله لماذا.. من باب الدردشة.. فإذا به.. يلعن الزمان الجاهل.. والناس الجهلة.. وأن الدنيا تسخر منه.. ولا تقدر مواهبه، ومضي هذا الزميل القديم يروي حكايته بجدية شديدة جدا.. وأنا مذهول جدا.. ومكسوف أن اضحك.. وكنت ألوم نفسي.. واقول لروحي: وأنا مالي.. أهو انا اللي جبته لروحي.. واستحمل ياسي إسماعيل! قال لي الرجل: تصور يا أخي أذهب إلي أسرة محترمة.. اطلب يد إنسانة مثقفة خريجة قسم الفلسفة.. يقوموا يرفضوني بطريقة مهينة جدا.. عن طريق واحد قريبهم.. الذي قال لي: بلاش تروح لهم مرة تانية!.. ليه.. لأنني كنت جادا معهم.. ولم أكن مثل شباب هذه الأيام ولد دلع وخليع في الكلام!.. أنا واحد واقعي.. وكنت صريحا مع العروسة وأهلها من الأول.. وأحب تحديد المواقف.. ولكن ذلك لم يعجبهم.. لانهم كما اكتشفت انهم من بقايا البرجوازية الرجعية المتعفنة.. المتعاونة مع الاستعمار!!.. وقال: مع العلم انني قبل ما أذهب إليهم تحريت عنهم.. وسألت.. وعرفت من خلال نشاط مكثف انهم ناس »طيبين«.. وكانت احاديثي في هذه الفترة عنهم مثمرة.. وبناءة.. ووجهات النظر كانت متطابقة فقلت في سري: يانهار اسود ومنيل.. هو فيه ناس لسه بتقول هذا الكلام؟!!.. ولما كنت أنا خبيثا ولا فخر.. فشعرت أنني في موقف كوميدي.. من ذلك النوع من الكوميديا التي تعتمد علي الموقف.. ولذلك جرجرته في الكلام.. مدعيا الاهتمام! وقال الرجل: أنا يا أخي مشغول بقضايا الوطن.. وهم ولا هنا، وأخيرا عرفت أن صديقي بعيد عن السامعين انهبل وهو لا يدري!.. لأنه راح يحدثهم بلغة لا يفهمونها، فمثلا أهل العروس يريدون الحديث عن جهاز العروسة، وهو يحدثهم عن أهمية جهاز فض المنازعات في أفريقيا، ويقول: لابد من انشاء آليات فض المنازعات ولابد من رفض التوقيع علي اتفاقية الجات!! ولابد من تحديد الأوضاع.. ولابد من تأمل المطروح علي الساحة من أجل وضوح الرؤية ومن أجل التحام الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في كل ما يجري علي أرضها وبعيدا عنها!! وبعيدا عن الاستعمار والرجعية المتحالفة مع الامبريالية تاريخيا!! إلي هذه الاطروحات التي نعرفها! ولما كنت أنا راجل كداب ومنافق.. رحت آخده علي قد عقله.. وأنا أقول له: مظبوط!! وفي النهاية لقيت الراجل قطع خبري في الكلام.. فقاطعته.. وقلت له: أنا لي وجهة نظر أيضا في المطروح علي الساحة!!.. وقلت: ان المطروح الآن هو مرسي مطروح!.. ولابد من التحام الجماهير من أجل الفطير.. و»نبوت الغفير«.. ويا غفير الصبايا خلي نومك خفيف.. وهذا الشعار هو شعار مناهض للاستعمار.. حتي لا يتسلل الاستعمار إلي الصبايا عندما ينام الغفير.. والغفير هنا هو الرمز لحراس الوطن! لاننا في هذه الظروف العصيبة.. يجب ألا نقع في المصيبة! ونمنع بالحل الحتمي للاشتراكية مصاهرة الرجعية مع الامبريالية.. حتي لا يكون الاستعمار!! ولا يكون البديل الموضوعي هو: العجوة أو الخيار!! فقال الرجل: كل كلامك مظبوط ولكني أختلف معك في جزئية! فقلت: جرئية إية يا راجل انت وأنا بخرف في الكلام فقال: لا.. لابد من استكمال جزئية الاستعمار!! فقلت: يا راجل.. انت اهبل وأنا حمار!!