هم المحترفون الذين لا يكتبون للساسة والمشاهير في العالم خطبهم وحدها، بل يكتبون سيرهم الذاتية وردود أفعالهم علي الأحداث السياسية وحتي الشخصية. وكانت تلك الظاهرة التي أصبحت الآن واقعًا مقبولاً تعد فيما مضي من قبيل الفضائح. فقد كان الجميع يظنون أن أشهر خطاب لجورج واشنطن -خطاب الوداع عام 1796 - الذي نشرته كل الصحف كتبه واشنطن بنفسه. ولكن الشائعات العامة والرسائل الخاصة كررت أن ألكسندر هاملتون هو الذي قام بالكتابة. فالجمهور باحترامه لواشنطن لم يكن يريد أن يعترف أثناء المناقشة التي بدأ صوتها يعلو أن الرئيس الأول للولايات المتحدة - حتي في مناسبة احتفال- يمكن أن يرتدي ثيابًا غير ثيابه. ولكن ذلك لم يمنع السياسيين الأمريكان من اللجوء إلي الكتاب الأشباح الذين ظلت أسماؤهم مجهولة. ولكن ذلك لم يكن بسبب خوف الفضيحة، بل من حقيقة أن عالم السياسة كان ينتج القليل جدًا من الكتابة المؤثرة والنثر الفني. وبدأ ذلك في التغير بانتخاب وارين هاردنج أول الرؤساء الذين يستخدمون كاتبًا شبحًا طيلة الوقت بشكل معلن. وكان آخر رئيس يستمر دون كاتب شبح في الولاياتالمتحدة هو كولدج. ولكن كتابة الأشباح أصبحت هي التيار الرئيسي. وبدأت الجامعات الأمريكية تدرس مقررات عن كتابة الشبح منذ 1952، ولم يصبح اسمه سرًا، فكاتب الرئيس جيمي كارتر الأساسي هو جيمي فالوتس، وكبير كتاب أوباما، رغم أنه يجيد الكتابة والخطابة، هو جون فافرو. وحتي الكتب "التاريخية" المهمة الحافلة بالتجارب الشخصية مثل كتاب أيزنهاور "حرب صليبية في أوروبا" عام 1948 وكتاب جولدواتر "ضمير محافظ" 1960، وكتاب"ست أزمات" لريتشارد نيكسون، 1962، اعتمدت علي كتاب أشباح بدرجات متفاوتة دون أن يعبأ أحد. وحينما كتب جيمي كارتر "لماذا لا نختار الأفضل" 1975 بنفسه لم يعبأ أحد أيضًا. فهناك تفرقة مريحة الآن بين كاتب العمل ومؤلفه، فالمؤلف هو الشخصية الشهيرة الحقيقية وراء العمل. ولم تشكر هيلاري كلينتون كاتبها الشبح في مذكراتها التي صدرت عام 1996. ولم يحدث ذلك إلا أزمة شديدة الصغر. أما سيرة حياة بلير "الرحلة" فقد أصرت دار النشر حينما ظهرت أنه كتبها دون مساعدة أحد، ولكن خليفته جوردن براون قد كتب كتابًا ذكر معقب عليه أنه وقع في أخطاء لم يكن من الممكن أن يقع فيها كاتب شبح. فالكاتب الشبح أصبح الآن يشبه الضرورة التي لا غني عنها للسياسيين والمشاهير في العالم. وهناك زعم بأن قوائم أكثر الكتب مبيعًا تحوي عددًا كبيرًا من أعمال كتاب أشباح لا يبوح أحد بأسمائهم. فهؤلاء الأشباح هم العاملون المحركون لبيزنس النشر جريا وراء الجديد والمثير والفاضح، وأحياناً لتصحيح اللغة أو تغيير الأسلوب أو إضافة وقائع وأفكار مثل العاملين غير المرئيين تحت عالم والت ديزني. هم يركضون في أنفاق وسراديب تحت الأرض يقفزون هنا وهناك في ملابس هذه الشخصية أو تلك محافظين علي الأوهام المحبوكة بإحكام لمملكة المشاهير المسحورة. فالكاتب الشبح بالنسبة للقادة أو المشاهير هو المهندس المغطي بالشحم في غرفة المراجل. رواية روبرت هاريس "الشبح" هي إحدي الروايات التي أثارت اهتمامًا كبيرًا لأنها توميء في إشارات قد تكون بعيدة عن التصديق إلي أنها عن ترجمة حياة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق. وكتب روبرت هاريس متفردة بأنها أكثر الكتب رواجًا علي النطاق العالمي، فقد ترجمت إلي سبع وثلاثين لغة. وروايات هاريس ابتداء من رواية "أرض الأسلاف" تصف عالمًا بديلاً. فألمانيا قد هزمت الاتحاد السوفييتي في عام 1942، وهتلر في عيد ميلاده الخامس والسبعين يقابل جون كينيدي رئيس الولاياتالمتحدة ليعالج الصراع بين القوتين العظميين ألمانيا النازية والولاياتالمتحدة، فهي رواية متخيلة عن عالم بديل؛ وكذلك الحال مع رواية "اللغز" عن صراع حول الشفرات، انتهاء برواية "بومبي" التي ترجع إلي انتشار الفساد في الامبراطورية الرومانية المنهارة، وانفجار بركان. فعوالمه متخيلة تمس الواقع في جوانب شديدة الهشاشة. وتبدأ رواية "الشبح" بالإشارة إلي الطبيعة الخفية وراء ظاهر الناس، فأنا لست أنا، وأنت لست أنت، وهم ليسوا هم. فمن بين أكبر المزايا الممنوحة للكاتب الشبح أن يقابل أشخاصًا يملكون ما يثير الاهتمام والفضول. وتوني بلير - أو آدم لانج كما تدعي الرواية تسميته - لم يكن في بداية تألقه مجرد رجل سياسي، بل كان حالة عامة من هوس الإعجاب يعبر عن مذهب جديد في السياسة صوت له معظم الناس. ويقول الكاتب الشبح معرفًا بطريقته في الكتابة "أسأل دائمًا الذين أكتب لهم تاريخ حياتهم ماذا كان الشعور إزاء الحدث أو الموقف وما تأثيره في النفس؟" فهو يستمتع بحرية قصيرة المدي تجعله شخصًا آخر. ويعتقد أن مهارته الحقيقية في مهنته هي ألا يكتفي بأن يستخلص من آخرين قصصًا عن حياتهم، بل أن يمنح لهذه الحياة كلها شكلاً محددًا، شكلاً يظل غير مرئي بالنسبة إليهم. فهو يعطيهم نوعًا من الحياة لم يتخيلوا قط أنها حياتهم. وهو يعتبر ذلك إبداعًا فنيا. وقبل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق كان يكتب مذكرات لنوع معين من الشخصيات المشهورة: لاعبو كرة قدم أو مغنين للروك، أو ممثلين بقيت أمامهم درجات قليلة العدد ليصعدوا عليها في سلم الشهرة، أو الذين اقتربوا من الإمساك بالقمة وصاروا مستيئسين في الإمساك بها. ولذلك كان مملوءًا بالدهشة من سخف فكرة أن يساعد في كتابة مذكرات رئيس وزراء صاحب شهرة عالمية. وجاءه العرض من دار نشر؛ وسيرسل السياسي محاميه وستكون النقود حسنة. وربما كان الناشر سيبحث عن آخرين أيضًا يساعدون في الكتابة. وماذا سيكون الاسم الجماعي لمجموعة من الأشباح؟ هل هو قافلة أو وكر؟ رئيس الوزراء الأسبق الآن في نيويورك يرفع ذراعيه كالمعتاد ويحيي الجمهور ويضع طزاجة علي كليشيهات السياسة بواسطة قوة أدائه، يحاضر في نيويورك ويتقاضي مائة ألف دولار عن كل رمية. والشبح يعتقد أن أمثاله الذين لا يملكون إلا معرفة أحد العوام بموضوعه مفيدون جدًا لأنهم قادرون علي سؤال الأسئلة نفسها التي سيسألها عامة القراء، وسيفتح ذلك إمكان إيجاد قراء للكتاب أوسع نطاقًا بكثير. إن بعض الكتاب الأشباح أقل حظًا، فهم مضطرون في سبيل المعيشة أن يهتموا بما يسمي الثقافة الشعبية، حياة نجوم الرياضة والممثلين الكوميديين الذين ينطقون بالبذاءات، وأن يدرسوا كل ما يتعلق بهم من تفاصيل، كأنهم أفراد من قبيلة منقرضة. وهو يعجب من هذه المهمة السلسية لأنه لا يقرأ المذكرات أو الكتب السياسية، ولكنها فرصة رئيس الوزراء الأسبق لأن يتكلم مباشرة إلي التاريخ للدفاع عن قضيته. وهو كتاب سيقرأه الكثيرون بحكم العادة، ولا يجب أن تنتهي قصة حياته الغنية في سلال المرتجع. فالاسم الكبير وحده لا يبيع كتابًا، إن ما يبيع كتابًا أو فيلمًا أو أغنية هو وجود أكثر المشاعر صدقًا، ما يصدر من القلب، من صميم الأعماق. فقد يكون الاسم الكبير تكرارًا للعرض المستهلك القديم، ويجب علي الكاتب الشبح أن يضع في كتابه بعض مشاعر القلب أكثر مما يضع حياة الصبي الذي بدأ من اللا مكان وانتهي بقيادة بلد. إنه يعتقد أن ما يحتاجه رئيس الوزراء منه هو ما يحتاجه نجم سينما أو لاعب كرة أو مغني روك، هو الحاجة إلي معاون خبير يسأله الأسئلة التي تجذب قلبه إلي البوح والإفضاء. ويتساءل الكاتب: ألا تختلف سيرة حياة الشخصية العالمية والتي ستكون حدثًا مهمًا من أحداث النشر وقطعة من التاريخ عن الموضوعات المثيرة في مجلات أخبار المشاهير فهذا الكتاب عن رئيس الوزراء الأسبق هو بمثابة وصيته. ولكن الكاتب الشبح بطل الرواية لم يكن أول من يكتب ترجمة حياة رئيس وزراء بريطانيا السابق. فقد سبقه إلي ذلك شبح آخر كتب مسودة كاملة مازالت تحتاج إلي كثير من العمل، ليس من قبيل كشف معلومات سرية محرجة من مصدر موثوق به، بل من قبيل إعادة النظر في منهج تناولها. لقد كانت تفاصيلها دقيقة جدًا ولكن مجموعها كان يقترب من أكذوبة، كما أنها كانت شقفة (قطعة فخار مكسورة) من اللغو. فلا يوجد كائن إنساني في الحقيقة يمر بمثل هذه الحياة الصاخبة ولا يشعر إلا بمثل هذه المشاعر الضئيلة الشاحبة، وخصوصًا هذا السياسي الذي كانت بضاعته التقمص العاطفي. لقد صار العمل المطلوب هو تحويل القصص المتناثرة الضبابية إلي شيء يشبه الحياة النابضة. والمشكلة الآن أنه فقد السلطة وتكتب وسائل الإعلام وتصور ما فعله وما لم يفعله؛ فهو مغروز في طين الماضي ولا يستطيع الانطلاق إلي أمام بسبب إجراءات حمايته من الإرهاب، ولوجهه لون برتقالي خفيف من تأثير الماكياج. وليس أمام الكاتب الشبح إلا أن يجري أحاديث معه ويحول إجاباته إلي نثر فني. وحينما تستدعي الضرورة وضع فقرات ربط سيحاول تقليد صوته بحيث لا يظن أبدًا أن الشبح يضع كلمات في فمه لا يريد استعمالها. أما مسودة الشبح الأسبق الذي "مات" في ظروف تدعو إلي الاشتباه فلا يوجد فيها شيء متميز أو شيء حميم. وقال رئيس الوزراء للشبح الثاني عن الشبح الأول "لا بد أن تقول شيئًا جميلا عنه في الكتاب، فأمه ستحب ذلك". ويغني أغنية الروك " ذات مرة ستريد أن تحصل علي كل شيء. ولكنك لن تعرف أنك حصلت علي كل شيء حتي تذهب وتخسره كله". كتاب سياسي يقول الحقيقة كان الكاتب الشبح يعتقد أن السياسي يعامله كصديق حينما يدعوه بيا رجل، ولكن مساعدته تكذب هذا الظن حينما تقول له يفعل ذلك دائمًا حينما لا يستطيع تذكر اسم من يحدثه. ويقول الشبح الثاني مصحح مسودة الشبح الأول الراحل "ليكن أول كتاب سياسي يقول الحقيقة، لنقل للناس ما الذي يشعر به الإنسان في الحقيقة حينما يكون رئيسًا للوزراء، لا المادة السياسية فأي ممل يستطيع أن يكتب عن ذلك، لكن التجربة اليومية لقيادة بلد. ما الذي يشعر به كل صباح، ما مسببات التوتر، ما تجربة الانقطاع عن الحياة العادية، وتجربة أن يكون المرء مكروهًا". فقالت المساعدة بجفاء وسخرية "مذكرات سياسية مختلفة لعصر مختلف". ونسمع صوت رئيس وزراء بريطانيا يتخيل قصة حياته كما يحب أن يراها الآخرون. فهو لم يكن لديه أي اهتمام بالسياسة في صباه، وكان يعتبر المشتغلين بالسياسة من الشباب غريبي الأطوار. وكان يحب لعب كرة القدم وتمثيل المسرحيات في الجامعة، ثم الخروج مع البنات. ولم يحلم قط أنه سيكون سياسيا. وسيبرز السؤال المنطقي: ما الذي يقوله عن تغييره؟ ويذكر الكاتب الشبح أنه سيقول الكلمات نفسها، ويستعمل الحركات نفسها المعدة من قبل والتي قام بتجارب تمثيلها مرارًا. إنه يقلد صوت طرقات علي باب، فهو ممثل يبذل جهدًا ليقدم عرضًا جيدًا سواء كان النظارة لا يزيدون علي واحد أو كانوا مليونًا، ويواصل تمثيله. كان يلعن قليلا، وخرج من الفراش، ودخل في رداء منزلي وفتح الباب وكانت هناك الفتاة الرائعة، زوجة المستقبل مغمورة بماء المطر، وبدأت خطابها عن الانتخابات المحلية، ولم يكن يعرف شيئًا عن وجود انتخابات محلية، لكنه تظاهر أنه مهتم جدًا ودعاها للدخول وصنع لها كوبًا من الشاي. لقد دخل السياسة من باب عشق فتاة، وتلك هي الصيغة المعتمدة عنده. ولكن لا بد من إدخال بعض التفسيرات التنميقية علي هذه الحكاية. فماذا إذا كانت الفتاة عضوًا في حزب سياسي آخر؟ الرد جاهز، كان سيتبعها بالمثل ولكنه لم يكن سيستمر فيه. لقد كانت معرفته بها بداية يقظة سياسية طويلة بالنسبة إليه. ويعني ذلك في هذا التفسير المنقح أنها أخرجت من داخله قيمًا ومعتقدات كانت حاضرة أصلاً، ولكنها كانت في غفوة حتي ذلك الوقت. لقد صار سياسيا بسبب الحب، لا حب حزب أو إيديولوجية، بل حب امرأة رائعة جادة. وحينما تكررت الحكاية دائمًا قبلت كحقيقة تكون مناقضتها أمرًا محيرًا. لقد ناسبت الحكاية الرجل السياسي لأنها تجعله يبدو أقل طموحًا وأطري زوجته لأنه يجعلها أكثر تأثيرًا والمتفرجون أحبوها. فالجميع سعداء. فما المفترض أن يفعل الشبح الثاني بها بعد أن حذفها الشبح الأول من مذكراته. فالحكاية لم يكن من الممكن أن تحدث لأن الفتاة لم تصل إلي لندن لتبدأ عملها حتي عام 1976، وفي هذه الأثناء كان السياسي قد صار عضوًا مرموقًا في الحزب. وتلك البداية السياسية المزعومة شيء اخترعه السياسي. وتقول الزوجة إن الشبح الأول قد أفسد قصة جميلة بواسطة بحث أكثر من اللازم. وتري أن رجلها السياسي كان يملك دائمًا ضميرًا اجتماعيا ورثه عن أمه. وتقول الزوجة إن لا شيء يبيع مذكرات مثل جرعة جيدة من التعاسة في الطفولة، اعتداء أو فقر طاحن. وتدعي ساخرة أنه ينبغي أن يكون هناك باب خاص في الكتابة عنوانه "تحقيق المتعة من تعاسة الآخرين". وتمضي في تحليل نشأة زوجها؛ لقد فقد أباه وأمه مبكرًا وحين تخرج من الجامعة كان لمعظم أصدقائه مناصرون ويحصلون علي عروض عمل، ولم يحصل هو علي شيء. وكان يشعر بالضياع فاتجه إلي النشاط السياسي، وهي تري أن كثيرًأ من الناس ينتهون إلي السياسة لأنهم لم يستطيعوا النجاح في فرصتهم الأولي لاختيار المهنة. لذلك فمقابلتها كانت لحظة شديدة الأهمية بالنسبة إليه لأن لها عاطفة سياسية حقيقية ومعرفة وصلات داخل الحزب مما جعل المستقبل أمامه ممكنًا. فزواجهما إذن نقطة تحول حقيقية في حياته. ويسأل الزوجة: "ألم تتمني أن تكوني سياسية بالمعني الدقيق للكلمة؟"، فترد عليه: "ألم تتمن أبدًا أن تكون كاتبًا بالمعني الدقيق للكلمة؟". فكلاهما في القارب نفسه، فهي تفهم في السياسة أكثر من زوجها والشبح يعرف في الكتابة أكثر منه، ولكن السياسي هو النجم وكلاهما في خدمته، فاسمه هو الذي يبيع الكتاب. وفي السياسة هو صاحب الحضور الفعال والخطيب المفوه. والناس تحبه وهي "البطة الدميمة" قبل النضج. وكان الشبح الأول يقول لها: كل مرة فتحت فمها فيها كلفت رئيس الوزراء عشرة آلاف صوت؛ فالناس يبحثون دائمًا عن أحد ما يصبون عليه غضبهم وهذه هي فائدتها له. إنها مانعة صواعق يصبون عليها غضبهم بدلا منه. إيماءات تشويقية وهناك إيماءات تشويقية في الرواية قد لا تكون مقنعة وراء نهاية الشبح الأول توميء إلي أنه اكتشف أسرارًا مخزية خطيرة بعيدة التصديق مثل علاقة الزوجة ومن ثم علاقة السياسي بالمخابرات الأمريكية عن طريق أستاذها الأول الذي ينتمي إلي مؤسسة بحثية مشبوهة في الولاياتالمتحدة. وكأن ذلك يبرر سياسة بلير المناصرة دائمًا للسياسة الأمريكية في حرب العراق وأفغانستان وتسليم المتهمين بالإرهاب إلي المخابرات الأمريكية لتعذيبهم. فقد أصدر أمرًا باستخدام القوات الخاصة البريطانية في القبض علي أربعة من المشتبه في انتمائهم للقاعدة في باكستان بواسطة الخدمات الجوية الخاصة ثم تم تسليمهم إلي المخابرات الأمريكية لكي تحقق معهم. فالرجال الأربعة مواطنون بريطانيون نقلوا إلي موضع سري وعذبوا ومات أحدهم تحت "التحقيق" ورحل الآخرون إلي جوانتانامو لمدة سنوات. فهل صار التعذيب الآن مقبولاً؟ ويدعي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في الرواية أن التعذيب كان دائمًا جزءًا من النزاعات المسلحة. ولكن الفرق أنه في الماضي لم تكن هناك وسائل إعلام لعينة تكتب عنه التقارير. الإرهابيون الذين يقبض عليهم سيدعون طبعًا أنهم أبرياء. ويواصل قوله العجيب: ما قيمة ألم لبضع دقائق يعانيه عدد قليل من الأفراد بالنسبة للحصول علي معلومات تنقذ حياة ملايين من الأبرياء. فالتعذيب مبرر إذًا. فهل اختار ما يسمي نفسه العالم الحر التنزه في الجانب المظلم. وتنتهي الرواية علي خلاف مع الواقع باغتيال رئيس الوزراء الأسبق من جانب أحد الإرهابيين. أما الفيلم المأخوذ عن الرواية والذي عرض مؤخرًا فهو من إخراج رومان بولانسكي وهو يعرض لتلك الشخصية العامة السياسية التي لقيت فيما سبق إعجابًا ضخمًا ولكنه أصبح يتعرض لمهانات من محكمة العدل الدولية، يقيم فيما يشبه احتجازًا منزليا في منتجع للأثرياء في الولاياتالمتحدة. والفيلم يشبه أعمال هيتشكوك يثير إحساسًا من عدم الطمأنينة رغم أنه براق ومتألق. فمصوره هو مصور فيلم بولانسكي "عازف البيانو". وهو فيلم مثير سياسيا يقدم صورة عن الثراء والسلطة علي غير المتوقع كنمط حياة غير مريح.