بعدما أمضي الرئيس باراك أوباما عامين في البيت الأبيض، يظهر أنّه لم يعد مفرّ من الاعتراف بأن الإدارة الأمريكية الحالية ضعيفة. هذا الضعف يمكن أن يكون عائدا إلي سببين رئيسيين أولهما التركة الثقيلة التي خلفتها إدارة جورج بوش الابن والآخر غياب السياسة الواضحة لدي الإدارة الحالية التي لم تقرن يوما كلامها بالأفعال. أكثر من ذلك، اعتقدت إدارة الرئيس باراك أوباما أنه يكفي اتباع سياسة تتعارض كليا مع سياسة الإدارة السابقة حتي تصبح لديها سياسة. فهم العالم من هذا السلوك أن لا سياسة لدي إدارة أوباما وأنها لا تزال في مرحلة البحث عن الذات. من استوعب باكرًا هذا التحول هم حلفاء أمريكا في المنطقة الذين وجدوا أن عليهم تدبر أمورهم بأنفسهم نظرا إلي انه لم يعد في استطاعتهم الاتكال علي واشنطن في أي شكل من الأشكال. ما الذي يمكن توقعه من إدارة فعلت، مثلا، كل ما تستطيع من أجل إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة السيد محمود عبّاس (أبو مازن)؟ من المستفيد من عجزها عن القيام بأي خطوة تصب في اتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بعد صدور التأكيد تلو الآخر عن اعتراضها علي الاستيطان؟ الجواب بكل بساطة وصراحة في آن، أن المستفيد الأوّل من هذا النوع من التصرفات العبثية هو قوي التطرف في المنطقة التي تبحث عن استمرار حال اللاحرب واللاسلم إلي ما لا نهاية كي تستفيد منها إلي أقصي حدود. يدخل العالم بعد أيام السنة 2011 تحت لافتة عريضة كتب عليها "أمريكا الضعيفة". أمريكا هذه لا تخدم سوي أعدائها. لذلك كان عليها التوصل إلي اتفاق ضمني مع إيران في العراق كي يتمكن السيد نوري المالكي من البقاء في موقع رئيس الوزراء ومنع وصول الدكتور إياد علاّوي اليه، علما ان لائحته حلت أولي في الانتخابات التي جرت في السابع من مارس الماضي. بعدما سقطت الإدارة الأمريكية في الامتحان الأوّل، أي في فلسطين، صار من السهل علي أي جهة متطرفة في المنطقة الاستخفاف بها. لذلك، استطاعت ايران الانتظار تسعة اشهر قبل أن تسمح بتشكيل حكومة جديدة في العراق برئاسة المالكي الذي توجب عليه التحالف مع "الصدريين" (جماعة مقتدي الصدر) الذين كانوا إلي الأمس القريب اعداء للمالكي وحكومته واعداء السياسة الأمريكية وكل ما تمثله بحسناتها وسيئاتها... دخلت أمريكا في شراكة مع ايران في العراق. صفق الرئيس أوباما لتشكيل حكومة جديدة، علي الرغم من كل الشوائب التي رافقت عملية اختيار الوزراء وعلي الرغم من ان الحكومة لا تزال ناقصة وعلي الرغم من أن معظم أعضائها محسوبين علي إيران. أرسلت واشنطن بالرسالة الخطأ إلي حلفائها في المنطقة. وهذا ما يفسّر إلي حد كبير التصعيد الإيراني تجاه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وذلك بلسان "المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية" السيد علي خامنئي. عندما تتبع الولاياتالمتحدة سياسة مترددة في المنطقة، يبدو أكثر من طبيعي ان تسعي جبهة التطرف التي تضم عربا وإسرائيليين وغير عرب إلي استغلال نقاط الضعف وملء أي فراغ ناجم عن تراجع قوي الاعتدال والتعقل. وهكذا نجد هجمة إسرائيلية علي فلسطين وهجمة إيرانية علي العراق ولبنان، علي سبيل المثال وليس الحصر! لن يعود امام العرب في السنة 2011 الاكتفاء بطرح أسئلة مرتبطة بمستقبل العراق وفلسطين والسودان ولبنان فحسب، بل سيكون عليهم ايضا مواجهة واقع جديد - قديم يتمثل في وجود إدارة أمريكية ضعيفة لا تعرف، إلي اشعار، ماذا تريد باستثناء التركيز علي كيفية الانسحاب عسكريا من العراق أواخر السنة 2011 مع كل ما سيترتب علي ذلك من نتائج علي صعيد مستقبل العراق نفسه الذي كلفت حربه عشرات مليارات الدولارات. الصورة في الشرق الاوسط تبدو قاتمة. صحيح انها ليست المرة الأولي التي توجد فيها إدارة أمريكية ضعيفة. فقد سبق أن فقدت واشنطن البوصلة في عهد جيمي كارتر وفي أواخر عهد ريتشارد نيكسون بعد انكشاف تورط الأخير في فضيحة ووترجيت. لكن الصحيح أيضا أنها المرة الأولي في التاريخ الأمريكي الحديث التي يظهر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي اقوي من ساكن البيت الابيض في واشنطن دي. سي نفسها. من هذا المنطلق، يبدو أن علي كل طرف عربي الاتكال علي نفسه أوّلا. ليس أمام الفلسطينيين سوي ترتيب بيتهم الداخلي في مواجهة إرهاب الدولة الذي يمارسه بيبي نتانياهو. ولم يعد لدي العراقيين سوي الصمود وإظهار أنهم شعب يرفض الاحزاب المذهبية والطائفية وقد عبّر عن ذلك في الانتخابات الأخيرة عندما استطاعت "القائمة العراقية" التي تضم مرشحين من كل الطوائف والمذاهب والمناطق التفوق علي "القوائم الإيرانية" بتسمياتها المختلفة. في النهاية، إن إيران ليست قدرًا والنظام فيها لا يستطيع ان يحافظ علي نفسه عبر سلسلة من الانقلابات الداخلية علي غرار ما جري في يونيو 2009 عندما انتخب محمود أحمدي نجاد رئيسا بقوة السلاح الذي يمتلكه "الحرس الثوري" وليس باصوات الناخبين الإيرانيين. نعم، الصورة ليست كلها قاتمة. ربما كان الدرس الوحيد المفيد من وجود إدارة ضعيفة في واشنطن، أنه بات علي العرب الاعتدال وتدبر امورهم بنفسهم وأن يظهروا أن المنطق والحق لا يرضخان للإرهاب والتطرف والفجور... وأن ثقافة الحياة لا يمكن إلا أن تنتصر علي ثقافة الموت!