أمريكا الغاضبة والخائبة هي التي صوتت في الثاني من نوفمبر الجاري. صوتت ضد رئيس وضعت عليه آمالا كبيرة فاذا بها تفاجأ بشخص متردد يدخل البيت الابيض ليس لديه ما يقدمه سوي الكلام الجميل والخطب الفصيحة. خلف الكلام الجميل والخطب الفصيحة لم تكن هناك سياسة ناجحة في اي مجال من المجالات. كان يهم الأمريكيين قبل كل شيء تحسن الوضع الاقتصادي وتحقيق انجاز ما علي صعيد السياسة الخارجية. لم يتحقق شيء من ذلك. زاد الوضع الاقتصادي سوءا وبدت الولاياتالمتحدة، في مختلف انحاء العالم وفي مواجهة الازمات الدولية، بمثابة نمر من ورق فعلا. بكلام اوضح، بدت قوة عظمي لم يعد يهابها احد ! كانت الانتخابات النصفية للكونجرس بمثابة امتحان حقيقي للرئيس الامريكي باراك اوباما الذي استطاع بالكاد المحافظة علي الاكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ. لم تكن الانتخابات تشمل سوي ثلث اعضاء المجلس الذي كان الحزب الديمقراطي يتمتع فيه باكثرية مريحة. لو شملت الانتخابات كل الاعضاء من الشيوخ، لكان الامر تحول الي كارثة كبري شبيهة بتلك التي حلت بمجلس النواب الذي استولي عليه الحزب الجمهوري وبات قادرا علي منع ساكن البيت الابيض من تمرير مشاريع القوانين التي يعتقد انها جزء لا يتجزأ مما وعد به مواطنيه في اثناء الحملة الانتخابية. سقط باراك اوباما في الامتحان. لم يستطع السود دعمه باصواتهم التي ساعدت في ايصاله الي الرئاسة. تخلي عنه عدد لا بأس به من الليبيراليين الذين اعتبروه رمزا للتغيير. نسي الامريكيون ان من اسباب عجز اول رئيس اسود للبلاد عن تحقيق اي تقدم في اي مجال كان، التركة الثقيلة لجورج بوش الابن. في الواقع، كان اي رئيس امريكي في وضع اوباما سيواجه الصعوبات نفسها، فكيف برجل اسود، منفتح علي العالم، لا همّ له سوي تاكيد انه ليس جورج بوش الابن، بل يمثل كل ما هو نقيض له. ربما تكمن مشكلة باراك اوباما في انه لا يمتلك سياسة خاصة به. الانفتاح علي العالم ليس في حد ذاته سياسة. لا وجود لشيء اسمه انفتاح من اجل الانفتاح من دون الحصول علي مقابل. كذلك، لايمكن البناء علي سياسة اسمها الانسحاب من العراق لمجرد القول بان العراق صار جزءا من الماضي. لا يمكن بناء سياسة علي تقديم الوعود الي الفلسطينيين ثم التراجع عنها بعد اول مواجهة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بيبي نتانياهو. مثل هذا التصرف كفيل بتدمير اي سياسة امريكية في الشرق الاوسط. كان في استطاعة الناخب الامريكي تناسي كل هذا الفشل الذي لحق بالقوة العظمي الوحيدة في كل بقعة علي وجه الخليقة لو تمكن اوباما من تحقيق انجاز ما علي الصعيد الداخلي، خصوصا في مجال الاقتصاد. ففي خلال الحملة الانتخابية، كانت العناوين كلها ذات علاقة بمسائل داخلية. وقد ركز المحافظون الجدد وتيار "حفلة الشاي"، الذي يقف علي يمينهم، علي شخص الرئيس الامريكي الاسود ونشأته وافكاره "اليسارية" فحققوا انتصارات كبيرة في ولايات مهمة بما يسمح لهم بعرقلة اي توافق في الكونجرس في السنتين الباقيتين من الولاية الرئاسية لاوباما. باختصار شديد، تلقي باراك اوباما صفعة قوية. ما يدل علي قوة تلك الصفعة سقوط المرشح الديمقراطي لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية ايلينوي التي كان الرئيس الأمريكي يمثلها قبل وصوله الي البيت الابيض. انها المرة الاولي التي يسقط فيها المرشح الديمقراطي منذ اربعة عقود. هل من دليل اكبر من هذا الدليل علي مدي تضايق الناخب الامريكي من الرئيس الاسود وغضبه علي كل ما يمثله ؟ باراك اوباما ليس اول رئيس امريكي يواجه مثل هذه النكسة بعد عامين من دخوله البيت الابيض. ماذا يفعل الرؤساء في مثل هذه الحال؟ جرت العادة ان يهرب المقيم في البيت الابيض الي السياسة الخارجية ما دام كلّ مشروع قانون سيقدمه الي الكونجرس سيواجه عراقيل كبيرة. الذين يعرفون اوباما يقولون انه لن يكون استثناء وسيركز ابتداء من مطلع السنة المقبلة علي افغانستان والعراق والنزاع العربي- الاسرائيلي. سيسعي الي تاكيد ان الولاياتالمتحدة لا تزال قوة عظمي وانها قادرة علي اتخاذ مبادرات وفرض رأيها. سيكتشف باراك اوباما انه اول شخصية عالمية تحصل علي جائزة نوبل للسلام في الوقت الذي تخوض فيه حربا بل حروبا في مناطق عدة بينها افغانستان. هل هناك زعيم او رئيس دولة قادر علي التكيف مع هذه المعادلة ؟ الاكيد انه سيترتب علي باراك اوباما التخلي عن الاحلام الكبيرة من نوع اعادة صياغة المنطقة ونشر الديموقراطية فيها انطلاقا من العراق. ولكن مما لاشك فيه انه سيكون مضطرا لادارة الحروب التي لا تزال الولاياتالمتحدة متورطة فيها. سيكتشف انه لا يستطيع ادارة ظهره للعراق كما حاول في الاشهر الستة الاخيرة وانه لا يستطيع ترك "طالبان" تعيد سيطرتها علي افغانستان ولا يستطيع الاكتفاء بدعوة الايرانيين الي الحوار كي لا يعود هناك برنامج نووي ايراني او تدخل ايراني في الشئون الداخلية لعدد لا بأس به من دول المنطقة، خصوصا لبنان. سيكون باراك اوباما اكثر تشددا علي الصعيد الخارجي. سيكون هدفه تأكيد انه ليس بالميوعة التي يعتقدها خصومه وانه قادر علي عرض العضلات الأمريكية مرة اخري... عليه ان يفكر بكيفية محو صورة الرئيس الضعيف المتردد من اذهان الأمريكيين في حال كان مصمما علي السعي جديا الي الحصول علي ولاية رئاسية ثانية ! كاتب لبناني