في ضوء التطورات الاخيرة في افغانستان وما خرج به الجنرال ستانلي ماكريستال من كلام يسخر فيه من كبار رجالات الادارة الامريكية، تبدو هذه الادارة وكأنها في حال من العجز. حمل ذلك معلقين امريكيين الي تشبيه باراك اوباما بجيمي كارتر، الرئيس الذي لم يستطع في أواخر عام 1980 من الحصول علي ولاية ثانية بسبب ظهوره في مظهر الرئيس المتردد والضعيف في مواجهة الازمات الدولية. كان الرد الامريكي علي الغزو السوفياتي لافغانستان، والذي اتسم بالميوعة، من بين اسباب تضايق الامريكيين من كارتر وتفضيلهم رونالد ريجان عليه. قبل ذلك، كان تعاطي كارتر مع ايران- الثورة بطريقة اقل ما يمكن ان توصف به انها ساذجة سببا آخر يعتبر كافيا لدفعه في اتجاه الخروج من البيت الابيض بعد انتهاء ولايته الاولي. في الواقع، عكس قرار الرئيس باراك اوباما القاضي باستبدال الجنرال ديفيد بترايوس بالجنرال ستانلي ماكريستال في ادارة الحرب في افغانستان جانبا من جوانب الازمة التي تعاني منها الولاياتالمتحدة عموما والادارة الحالية بشكل خاص. لم يكن القرار بمثابة ترقية لبترايوس الذي كان قبل ازاحة ماكريستال عن الساحة الافغانية المسئول العسكري الاعلي عن تلك الجبهة التي تقع ضمن صلاحياته بصفته قائد القيادة المركزية. لكن الرئيس الامريكي لم يجد ما يطمئن به الطبقة السياسية والمؤسسة العسكرية سوي اللجوء الي بترايوس الذي عرف، اقله حتي الآن، كيف يتصرف في العراق ويحد من الخسائر الامريكية فيه. فضلا عن ذلك، يؤمن بترايوس بما يؤمن به ماكريستال بالنسبة الي ضرورة زيادة عديد القوات الامريكية في افغانستان وشن حرب لا هوادة فيها علي "طالبان". باتت حال التخبط السمة الاساسية للسياسة الامريكية في العالم وذلك منذ ارتكاب الرئيس السابق جورج بوش الابن خطيئة الاتجاه الي العراق قبل الانتهاء من افغانستان. من الواضح انه ما كان لضابط كبير معروف بانضباطه مثل ماكريستال الذهاب الي حد السخرية من الرئيس الامريكي ونائبه جو بايدن ومن مستشار الرئيس لشئون الامن القومي الجنرال جيمس جونز وحتي من السفير الامريكي في كابول كارل اكينبري لو لم تكن هناك ازمة عميقة ذات جانبين عسكري وسياسي. عبّر عن تلك الازمة في تصريحاته الي مجلة "رولينغ ستون" كأنه اراد ان يقول ان لا ثقة لديه بالقيادة السياسية الامريكية وبقدرتها علي متابعة تنفيذ استراتيجية معينة في افغانستان. يدرك العسكريون الاميركيون عمق ازمة السياسة في بلدهم. كان بترايوس نبه الي ذلك قبل اسابيع عدة عندما تحدث امام احدي لجان الكونجرس عن اخطار التعنت الاسرائيلي وبقاء القضية الفلسطينية من دون حل. اكد قائد القيادة المركزية في شهادته تلك ان هناك مخاطر علي العسكريين الامريكيين المنتشرين في مناطق مختلفة من العالم، خصوصا في افغانستان والعراق بسبب السياسة الاسرئيلية مشيرا بشكل صريح الي ان الحفاظ علي حياة الجنود الامريكيين يمثل اولوية بالنسبة اليه. اراد بترايوس توجيه رسالة معينة الي الادارة فحواها ان الجيش الامريكي غير قادر علي تحمل عجز اوباما والفريق الذي يحيط به عن اتخاذ قرارات حاسمة علي الصعيد الخارجي. ينتمي ماكريستال وبترايوس الي المدرسة نفسها. لدي الرجلين المخاوف ذاتها مع فارق ان الاول لم يذهب الي حد الخروج عن كل التقاليد المعمول بها في بلد ديمقراطي مثل الولاياتالمتحدة فيسخر من الرئيس ورجاله. ربما كان الفارق بين بترايوس وماكريستال ان الاخير فقد اي امل في اصلاح الوضع فقال كلمته ومشي مع ادراكه سلفا ان الرئيس لن يقبل باقلّ من اقالته واستبداله. خرج ماكريستال من افغانستان ودخلها بترايوس الذي بات المشرف المباشر علي الحرب. ما الذي سيتغير؟ لن يتغير شيء ما دام علي الرئيس الامريكي تمضية وقته في التعاطي مع مشكلة غير قابلة للعلاج لسببين علي الاقل. السبب الاول ان الجيش الامريكي ما زال في العراق وليس قادرا في الوقت الراهن علي التركيز علي حرب واحدة والانتصار فيها. اما السبب الاخر فهو عائد الي ان الوضع الافغاني غير قابل للعلاج بمعزل عن الوضع الباكستاني. الي اشعار آخر، ليس ما يشير الي وجود استعداد جدي لدي اوباما وفريقه للذهاب الي جذور المشكلة، اي الي باكستان التي تشكل القاعدة الخلفية ل"طالبان". لا يمثل اختيار بترايوس سوي حل موقت. عاجلا ام آجلا سيعود الي الواجهة السؤال الآتي: هل يمكن الانتصار في افغانستان من دون الاستسلام ل"طالبان" التي تبدو مصرة علي حماية تنظيم "القاعدة" الارهابي؟ يصعب الجواب عن هذا السؤال، لا لشيء سوي لأنّ الادارة الحالية تعاني من ذيول ذهاب بوش الابن الي العراق لاسباب لم تتضح بعد وربما لن تتضح يوما. ربما فهم الجنرال ماكريستال ذلك، فافتعل المشكلة مع اوباما. اراد ان يغسل يديه من هزيمة محققة في افغانستان خصوصا بعدما اكتشف ان الادارة لا تستقر علي راي وان هناك اكثر من مركز قرار فيها وانه غير قادر حتي علي التفاهم مع السفير الامريكي في كابول الذي سبق له واعترض علي طلبه ارسال خمسة واربعين الف جندي اضافي الي افغانستان بغية شن هجمات علي مواقع "طالبان" ومعاقلها واستعادة المبادرة العسكرية منها. هل فات اوان الانتصار في حرب افغانستان؟ ربما كانت هناك فرصة للانتصار قبل عام 2003. اضاع بوش الابن الفرصة وذهب الي العراق. ما قاله ماكريستال يعبر عن عمق المأزق الامريكي في افغانستانوباكستان والعراق لا اكثر ولا اقلّ.