لا بدّ من العودة مجددا إلي الانتخابات الامريكية التي جرت في الثاني من تشرين الثاني- نوفمبر الجاري. إضافة إلي أن نتائج الانتخابات عكست شعورا بالغضب لدي المواطن الامريكي العادي وعمق الخيبة بباراك أوباما، كان غياب القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية عن الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي مثيرا للانتباه. تبين للمرة بعد الألف أن كل ما يهم الناخب الامريكي هو الوضع الداخلي، أقله ظاهرا. لو حقق باراك أوباما في العامين الماضيين اللذين أمضاهما في البيت الابيض تقدما علي الصعيد الاقتصادي، لما كانت لحقت بحزبه وإدارته تلك الهزيمة الكبيرة التي توجت بفقدان الأكثرية في مجلس النواب. كاد الحزب الديمقراطي أن يفقد حتي الاكثرية المريحة التي كان يمتلكها في مجلس الشيوخ لو لم تقتصر الانتخابات علي التجديد لثلث أعضاء المجلس فقط. ولكن يبقي أن الانتخابات التي عكست استياء شعبيا عارما من الإدارة الأمريكية أدت عمليا إلي تكبيل باراك أوباما داخليا من جهة وصعود نجم تيارات محافظة تقف علي يمين المحافظين الجدد من جهة أخري. ويأتي علي رأس هذه التيارات ما يسمي "حفلة الشاي" الذي لا يشكل حزبا بمقدار ما أنه مجموعة محافظة تدعو إلي أقل تدخل للدولة المركزية في شئون المواطنين وحياتهم اليومية. لم يستطع باراك أوباما اقناع الأمريكيين بأن التغيير حصل بمجرد دخوله إلي البيت الابيض. وعلي الرغم من أن الناخب الأمريكي لم يعر في مرحلة ما قبل الانتخابات النصفية أي أهمية لما يدور علي الساحة الدولية، إلا أن ما لا بد من الاعتراف به أن ساكن البيت الابيض حصد في الداخل ما زرعه في الخارج. فقد زرع سياسة جديدة تقوم علي الهرب من مواجهة أي موضوع حساس أكان ذلك في أفغانستان أو في العراق أو في الشرق الأوسط عموما حيث تراجع الرئيس الأمريكي بعد أول مواجهة له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو متنكرا لكل وعوده التي قطعها لأطراف النزاع، خصوصا للفلسطينيين. ما الذي جعل سياسات باراك أوباما تبدو بالنسبة إلي المواطن الأمريكي العادي مجرد سياسات عقيمة؟ الجواب بكل بساطة أنه لا بدّ من العودة إلي العراق وإلي اضطرار الإدارة الأمريكية إلي تحويل فشلها إلي انتصار بالاسم فقط. لم تنطل هذه المناورة علي أحد. لم تنطل حتي علي المواطن العادي الذي يدرك أن حرب العراق كلفت الخزينة الأمريكية عشرات البلايين من الدولارات وأوصلته في العام 2008 الي الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا تزال نتائجها تتفاعل في الولاياتالمتحدة وأوروبا. لم يجد باراك أوباما ما يبرر به الفشل الامريكي في العراق سوي القرار الاعتباطي القاضي بالانسحاب عسكريا من البلد التزاما بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية. هل يكفي التزام الوعود الانتخابية لتغطية الفشل وترك إحدي أهم دول الشرق الأوسط فريسة الحروب الداخلية والتدخلات الاجنبية التي أخلت بالتوازن الاقليمي في الشرق الأوسط كله؟ نعم، إن الناخب الأمريكي يفكر أوّلا بالوضع الداخلي. انقلب علي باراك أوباما لأن الاقتصاد لم يتحسن ولأن نسبة البطالة تزداد. ولكن في حقيقة الأمر، سحب المواطن العادي ثقته من الرئيس الاسود لانه لم يحقق شيئا علي الصعيد الخارجي. في العام 2008، كانت هناك نقمة كبيرة علي جورج بوش الابن لأنه أخذ العراق إلي مغامرات عسكرية بحجة أنه يشن حربا علي الإرهاب. كان باراك أوباما يمثل الأمل، فإذا به بعد أقل من سنتين من دخوله البيت الابيض يمثل الفشل. هناك فشل في التعاطي مع أفغانستان وفشل في التعاطي مع الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب عموما. لعل الفشل الأمريكي الأخطر والأكبر في العراق حيث البلد من دون حكومة علي رغم مضي ثمانية أشهر واكثر علي إجراء الانتخابات النيابية. يتبين كل يوم أن أوباما علي استعداد للوقوف موقف المتفرج مما يدور في العراق ومن تعاظم النفوذ الإيراني في هذا البلد الذي كان الي ما قبل فترة قصيرة بلدا عربيا أساسيا، بل ركيزة من ركائز النظام الاقليمي. كان تصويت المواطن الامريكي بالطريقة التي صوت بها تعبيرا عن حالة من الهلع لا أكثر. يري هذا المواطن أن وضعه الاقتصادي يتدهور ويري أن بلاده التي توصف بالقوة العظمي الوحيدة في العالم، صارت بمثابة نمر من ورق لا أكثر، خصوصا في ضوء ما حصل في العراق وما يحصل في افغانستان. أمريكا التي انتصرت في الحرب الباردة علي الاتحاد السوفيتي وجبروته، تقف اليوم عاجزة في مواجهة الازمات العالمية. لا يشبه الوضع الامريكي في هذه المرحلة من عهد اوباما سوي ذلك الوضع الذي ساد في السنة الاخيرة من ولاية جيمي كارتر. في تلك السنة وبعد احتجاز الرهائن في السفارة الامريكية في طهران، رد الامريكيون علي ميوعة كارتر بأن أسقطوه امام رونالد ريجان. الرد علي أوباما بدأ باكرا. السؤال هل سيؤدي زلزال الانتخابات النصفية إلي حمل المقيم في البيت الابيض علي إعادة النظر في سياساته وحتي في تصرفاته الشخصية؟ الأكيد أن أوباما رجل ذكي. لكن مشكلته كانت دائما في أنه لم يحط نفسه بمستشارين من الوزن الثقيل. ومن كان يمتلك حدا ادني من المؤهلات فضل مغادرة السفينة باكراً، كما فعل رام إيمانويل رئيس أركان البيت الابيض. ولكن من يدري، ربما يلجأ الرجل إلي مفاجأة لتأكيد حضوره القوي. من كان يعتقد أن محاميا أسود سيكون يوما رئيسا للولايات المتحدة؟