مازلت مصرا علي أن الوثائق السرية التي كشف عنها موقع ويكليكس لا تحمل مفاجآت من ذات العيار الثقيل، اللهم إلا إذا اعتبرنا انهيار نظام سرية معلومات الخارجية الأمريكية هو في حد ذاته نوعًا من هذه المفاجآت الثقيلة. ومع ذلك فإن هذه الوثائق أو رسائل الدبلوماسيين الأمريكيين السرية من شتي بقاع الأرض إلي وزارة خارجيتها في واشنطن حملت ما يستحق التوقف أمامه قليلاً، ليس فقط لأنها أثارت بعض الغضب لدي من تناولتهم مثل بيرلسكوني الذي وصفته إحدي هذه الرسائل بأنه المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي بوتين في أوروبا أو مثل أردوغان الذي اتهمه دبلوماسي أمريكي بالاحتفاظ بأموال بشكل سري في بنوك سويسرا.. وإنما لأنها تخصنا وتتعلق بنا وتتحدث عن بعض مسئولينا. ولعل من بين هذه الوثائق تلك الوثيقة التي تكشف رأي أحد المسئولين الإسرائيليين في وزير خارجيتنا أحمد أبوالغيط، والذي رأي فيه شخصا معاديا لإسرائيل بسبب سعيه لفضح برنامجها النووي وكشف أسراره، وفرض رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي النشاطات النووية لإسرائيل، وهي النشاطات التي سمحت لها بترسانة من القنابل النووية. وهذه الوثيقة تستحق منا التوقف عندها لأن البعض منا علي غير معرفة انتقد أحمد أبوالغيط وبشدة أحياناً من قبل بسبب عباراته الهادئة التي يستخدمها في تصريحاته الصحفية وتغليبه الصياغات الأكثر دبلوماسية، وخلو هذه التصريحات من المخالب والخربشة السياسية التي تطرب السامعين.. بل إن وزير خارجيتنا تعرض أيضًا لانتقادات ظالمة من قبل البعض تقول إنه يفرط في المصالح المصرية وانه يتعامل بلين خاصة مع الإسرائيليين، الذين مازالوا حتي الآن ينظرون إلي مصر باعتبارها العدو الأساسي لهم. لكن ها هي تلك الوثيقة تكشف أن الإسرائيليين لا يروقهم ما يقوله وما يفعله أبوالغيط، وإن ارتدي ثوب الدبلوماسية أو تسلح بالهدوء.. بل إنهم غاضبون منه، ويرونه شخصا معاديا لهم.. وأعتقد أن هذه شهادة يجب أن يعتز بها أبوالغيط لأنها تأتي من الإسرائيليين. لقد تولي أحمد أبوالغيط مسئولية إدارة الخارجية المصرية قادمًا من نيويورك التي كان يتولي فيها مسئولية تمثيل مصر في الأممالمتحدة.. وكل من كان يتعامل معه عن قرب عرف أنه كان ملما بالخريطة الدولية لمجلس الأمن واتجاهات التصويت فيه بخصوص القضايا الدولية المختلفة، خاصة قضايانا المصرية والعربية. كما كشفت المذكرات التي يكتبها وزير الخارجية حاليا عن معركة الحرب ومعارك السلام التي أعقبتها حسه الوطني المرهف، وحرصه الشديد علي الحفاظ علي المصالح المصرية والعربية. وربما كان لا يعجب البعض نبرته الهادئة وهو يتحدث وحرصه علي المغالاة في استخدام وانتقاء العبارات الدبلوماسية في حديثه، بل والتمسك بالأعراف الدبلوماسية العريقة وهو يتعامل مع الذين يزورون مصر من المسئولين الأجانب، ومن بينهم مسئولون إسرائيليون.. ولكن كل ذلك يخفي تحته قوة في ممارسة مهامه في السياسية الخارجية المصرية، وحزما في الدفاع عن المصالح المصرية والعربية والأمن الوطني والعربي، ولذلك تراه إسرائيل معاديًا.