مازلت أتحدث مع ليو أفريكانوس الذي زار مصر سنة 1526 قال ليو: باب زويلة وطولون، حيان من أحياء القاهرة، غير أن ليو أفريكانوس تكلم عنهما بوصفهما ضاحيتين من ضواحي القاهرة منذ خمسمائة عام. هناك ضاحية أخري استلفتت نظري في حواري معه، هي ضاحية باب اللوق.. نعم يا عزيزي الأسد الأفريقي، كلمني عن باب اللوق. قال ليو: تبعد هذه الضاحية عن أسوار القاهرة بمسافة ميل واحد، وتضم ثلاثة آلاف أسرة تقريبا، ويسكنها التجار ومواطنون من أصحاب كل المهن تماما مثل الضواحي السابقة، ويوجد بها قصر منيف ومدرسة عليا بناهما الأمير أزبك الذي كان أحد مستشاري السلطان، وسمي القصر باسمه الأزبكية، ستجد هناك كل ما تتخيله من مصادر البهجة، أساتذة المبارزة يلعبون بكل أنواع الأسلحة وآخرون ينشدون أغاني عن المعارك التي دارت بين المصريين والعرب التي انتهت بانتصار العرب علي مصر، كما ستجد هؤلاء الذين يعلمون الجمال والحمير والكلاب الرقص، وممثلي مسرح، وكل أنواع السحرة والحواة، بعضهم يحتفظ بطيور صغيرة في قفص، هذه الطيور تطير وتحط علي رأس أحد الأشخاص الواقفين، إذا كان يريد أن يعرف بخته، يعطي للطائر نصف مليم فيأخذه بمنقاره ويطير عائدا ويضعه في صندوق، ثم يلتقط ورقة صغيرة ويعود بها للزبون، الورقة مكتوب فيها حظه، أنا شخصيا أخذت من الطائر ورقة مكتوب فيها حظي وكان سيئا للغاية، وبالرغم من أنني لا أثق بمثل هذه الأمور غير أنني تعرضت بالفعل لأوقات سيئة جدا. يا صديقي ليو.. وأنت تحدثني عن باب اللوق، ارتسمت في ذهني علي الفور، ساحة الفنا في مدينة مراكش المغربية، هي ساحة لكل النشاط البشري الذي يتعلق بالغرابة والبهجة، إنه نفس المولد، حواة وسحرة وأطباء شعبيون ومدربو ثعابين كوبرا مخيفة، ووعاظ.. مازلت أذكر سيدة في منتصف العمر وبها مسحة من جمال، تمسك ميكروفونا وتلقي بموعظة مستحيل أن تسمع كلمة واحدة منها ثم تمضي في طريقك، لأنها كانت تتكلم عن قضية تجذب كل البشر، عن المعاشرة الجنسية بين الزوج والزوجة، كانت تحذرهم من الاقتراب من الزوجة في غير ليلة الجمعة، ثم أوردت أقوالا تثبت أن شخصا ما ذهب إلي جهنم لأنه اقترب من زوجته ليلة السبت، كان الجمهور المسكين يستمع إليها وقد لف الجميع إحساس قوي بالذنب.. من الواضح أنهم جميعا لم يكونوا ملتزمين بهذه القاعدة.. أما في الليل فهذه الساحة تتحول إلي عشرات المطاعم، عشرات عربات اليد الصغيرة،مئات الدكك والموائد الخشبية، ويقدمون كل أنواع الأطعمة الرخيصة والغالية بحيث تناسب قدرة كل زبون.. البشر في حاجة حقيقية للبهجة، وهم عادة يتفننون في صنعها.. غير أنني مهتم في حديثك بنقطتين، الأولي هي أنك شاهدت ممثلين مسرحيين Stage players، في ذلك الوقت منذ خمسمائة عام، غير أنني عاتب عليك لأنك لم تهتم بموضوع العرض المسرحي الذي شاهدته، ولم تذكر أي ملمح من ملامحه، النقطة الثانية هي هؤلاء المغنون المنشدون الذين كانوا يحكون عن المعارك التي دارت بين المصريين والعرب بعد دخولهم مصر، هذه النقطة غامضة تماما في تاريخنا، لا أعرف عنها شيئا البتة.. كم كان جميلا منك لو توقفت قليلا عندهم وعرفت ماذا يقولون.. ومع ذلك أنا أشكرك وأطلب أن تكمل حكايتك الجميلة.. ماذا عن عادات المصريين وتقاليدهم في ذلك الوقت البعيد..؟ قال ليو: سكان القاهرة مرحون، فرحون مبتهجون. ( Merry, Jocund, Cheerful) هذه الصفات تعد بإنجاز كبير غير أن أداءهم محدود، هم يمارسون التجارة وفنون الصناعة غير أنهم لا يسافرون خارج بلادهم.