هو محمد أبو الحسن الوزان، كان في الرابعة عشرة من عمره عندما خطفه القراصنة من قريته علي الشاطئ المغربي، ففي ذلك الوقت من القرون الوسطي ، كان البحر الأبيض يعج بالقراصنة من كل الأجناس، وبعد أن خطفوه باعوه في إيطاليا فاشتراه كاهن إيطالي مستنير أعطاه اسمه وهو " ليو" واعتبره ابنا له فاشتهر باسم ليو أفريكانوس " الأسد الإفريقي" إنني أكاد أري هذا الكاهن المثقف وهو يمر بين الأطفال المخطوفين في سوق العبيد ويناقشهم لاختيار الطفل الأكثر ذكاء وقابلية للعلم والتحصيل، أكاد أجزم أيضا أنه كان يجيد اللغة العربية، ففي ذلك الوقت كان من المستحيل الاعتراف بالمثقف الذي لا يتقن العربية واللاتينية، وكان الطالب الانجليزي علي سبيل المثال، يستكمل دراسته العليا في جامعة قرطبة العربية في الأندلس، كان هذا هو حال المسلمين في ذلك الوقت قبل أن يفجر بعضهم محطات القطارات هناك بخمسمائة عام.. سبحان مغير الأحوال. قام الأسد الإيطالي بتعليم الأسد الإفريقي إلي أن بلغ من العلم والثقافة مستوي رفيعا أهله لأن يعمل سكرتيرا عاما لبلدية فينسيا وكان منصبا خطيرا في ذلك الوقت، ولكن شهرته الحقيقية في التاريخ جاءت من رحلاته الطويلة إلي البلاد البعيدة في العالم القديم وكتابته عنها. وفي كتابه «وصف إفريقيا» هناك فصل كامل عن زيارته لمصر عام 1526 أي بعد دخول الأتراك مصر ونهاية حكم المماليك بتسعة أعوام. يقال إنه كتب كتابه باللغة العربية والإيطالية، وأن النسخة العربية قد ضاعت، غير أنه قد تم العثور علي النسخة الإيطالية لحسن الحظ، التي ترجمت بعد ذلك إلي اللغة الانجليزية القديمة نسبيا، فكانت النتيجة أن تهجئة الكلمات فيها مختلفة تماما عن الانجليزية التي نعرفها اليوم، هكذا أصبحت قراءة الكتاب الذي عثرت علي نسخته في مكتبة جامعة ميتشجان تتسم بالطرافة والصعوبة، وكأنك تقرأ ألغازا أو شيفرة عليك أن تعرف مفاتيحها لكي تحلها. سأعطيك عينة منها، كلمة « Every» مثلا يكتبها المترجم «veriec» وكلمة «Not» يكتبها «Nought» ثم نأتي بعد ذلك إلي الأخطاء الناتجة من عدم التقاط ليو جيدا النطق العربي للكلمات كما ينطقها المصريون خصوصا أهل الإسكندرية، فكلمة "الثغر" مثلا سمعها " السجر" لاحظ أن عددا كبيرا من أهل الريف حتي الآن ينطقون الشين سينا ، فيقولون السجر والسمس، فكانت النتيجة أنه عندما تكلم عن برج الثغر في الإسكندرية، أسماه برج الأشجار. غير أنني علي كل الأحوال سعيد بما كتبه، فقد التقط صورة رائعة لمصر والمصريين سأحاول نقلها لك لكي تعرف الفرق بين المصريين اليوم وبين أجدادهم من 500 عام. يقول ليو أفريكانوس: سكان الريف سمر الوجوه، أما سكان المدن فهم بيض، وهم يرتدون صديري ضيق عند الصدر يتسع في الجزء الأسفل، والأكمام مستقيمة، ويغطون رؤوسهم بغطاء رأس يسميه الإيطاليون Duliban"وأحذيتهم مصنوعة علي الطراز القديم وهم في الصيف يرتدون الملابس القطنية وفي الشتاء يستخدمون الكتان بحواف قطنية ويسمونه " الحبر" غير أن الأعيان والتجار قريبون في ملابسهم من الأوروبيين. أهل البلاد يتسمون بالأمانة، أصحاب روح مرحة «cheerful» وهم يعيشون في حرية، وهم في طعامهم يأكلون نوعا من الجبن شديد الملوحة (يقصد المش) ولبن مخثر رايب.. (في طفولتي مازلت أذكر باعة اللبن الرايب، يضعونه في قربة ويمرون به في حواري منطقة سيدنا الحسين منادين.. اللبن السلطة، كنت أشتري كمية محترمة بمليم واحد أو مليمين، إنه الطبعة المصرية من اللبنة اللبنانية التي تقدم الآن في المطاعم الفخمة فقط ).