أواصل ما حكاه ، الأسد الفريقي (ليو أفريكانوس) الذي زار مصر في عام 1526 بعد تسعة أعوام فقط من سقوط دولة المماليك واحتلال الأتراك لمصر، وهو هنا يصف القاهرة كما رآها وكما عايشها وليس كما سمع عنها، وأذكرك، الكلام عن القاهرة منذ خمسمائة عام. قال: تشتهر القاهرة بأنها واحدة من أعظم المدن في العالم كله، لقد قرأت عنها الكثير، ولكني سأصفها لك كما هي عليه الآن، هي تضم بين أسوارها ثمانية آلاف أسرة، لا أكثر من ذلك، ويسكنها النبلاء والأعيان والتجار الذين يتعاملون في البضائع القادمة من كل أنحاء الدنيا، وهي تقع علي وادٍ جميل قريب من جبل يسمي المقطم علي بعد حوالي ميلين من النيل.. وهي محاطة بأسوار قوية وبواباتها مقواة بالحديد، البوابة الرئيسية فيها هي باب النصر الذي يواجه الصحراء المؤدية إلي البحر الأحمر ثم باب زويلة وهو التالي من ناحية النيل، ثم باب الفتوح الذي يواجه البحيرة والحقول.. وبالرغم من أن القاهرة تعج بعدد كبير من كل أنواع التجار والصناع، ومع ذلك فالشارع الرئيسي فيها يمتد من باب النصر إلي باب زويلة وفيه بنيت القصور المدهشة والمدارس العليا والجوامع الضخمة الجميلة ومن بينها جامع الحاكم، وجوامع أخري أنا عاجز عن وصفها، وعدد كبير من الحمامات، يلي ذلك شارع بين القصرين وفيه حوالي ستين مطعما ودكاكين تبيع المياه والمشروبات وكل أنواع العصائر، وهم يحفظون هذه المشروبات والعصائر في أوان فخمة من الزجاج والمعدن ثم دكاكين تبيع السكر والعسل وكل أصناف الحلويات ثم دكاكين الفاكهة، وهناك دكاكين تبيع الفواكه القادمة من سوريا والتي لا تزرع في مصر ثم تلك التي تبيع البيض والجبن والفطير الذي يصنعونه بالزيت، يلي ذلك محلات وورش الصناع وأصحاب الحرف ثم مدرسة عليا (C0llege) بناها السلطان الغوري الذي قتل في المعركة ضد الأتراك، بعد هذه المدرسة توجد محلات عديدة ومتنوعة لبيع المفروشات والستائر والمنسوجات، في المحلات الراقية تباع الملابس الكتانية والقطن الفاخر المستورد، وقماش يسمي الموصلي ، مستورد من الموصل في العراق، وهو ذو عرض كبير جدا، وفي غاية الفخامة يشتريه النبلاء ويصنعون منه قمصانهم ، كما يصنعون منه إيشاربات يضعونها علي غطاء الرأس، إلي جانب ذلك توجد محلات الأقمشة المستوردة من إيطاليا ومنها الحرير والدمقس والقطن بالإضافة للملابس المشغولة بخيوط الذهب.. هذه البضائع لم أشاهدها في أسواق إيطاليا (!؟) ثم محلات الصوف المستورد من أوروبا، فلورنسا وفينيسيا، وبلاد أخري.. هذا الشارع يؤدي إلي باب زويلة حيث يوجد عدد كبير من الصناع وبالقرب منه يقع خان الخليلي حيث يقطن التجار الإيرانيون، وهو مبني علي طراز القصور الملكية هنا ستجد التجار الأثرياء، ومحلات تبيع كل أنواع الروائح والعطور وهي موجودة بكميات هائلة لدرجة أنك عندما تطلب رطلاً من المسك يعرضون عليك علي الفور مائة.. يأتي بعد ذلك تجار الورق الذين يبيعون أفخم وأنعم الأنواع، هنا أيضا تباع المجوهرات والأحجار الكريمة التي يحملها السماسرة من محل لآخر، وبعد الحدادين توجد ورش النجارة والمحلات التي تبيع الموبيليا للأثرياء وللمواطنين العاديين، كما يوجد مستشفي كبير بناه السلطان بيبرس، حيث يستطيع المريض أن يجد علاجا ويحصل علي كل ما هو في حاجة إليه، وإذا حدث أن مات مريض في المستشفي، آلت كل أملاكه إلي المستشفي . (هذا التقليد مازال ساريا، فاتورة المستشفي تكفل لها أن تحصل علي أملاكه وأملاك أبوه و اللي خلفوه..).