أوروبا.. تحركي.. لا تتفرجي ماذا سيقول مبارك في إيطاليا وألمانيا؟ سوف يقضي الرئيس مبارك ساعات قليلة في العاصمة الألمانية برلين، حيث يقابل المستشارة ميركل، ويسافر بعدها مباشرة إلي إيطاليا حيث يقضي ليلته ويلتقي بعدها رئيس الوزراء بيرلسكوني، في رحلة تبدأ غدًا 22 سبتمبر وتنتهي بعد غد.. إن هدف هاتين الزيارتين بالأساس هو توجيه رسالة إلي أوروبا لكي تتدخل في عملية السلام وتمارس ما لديها من قدرة قبل أن تحدث مشكلة جوهرية ومعطلة للمفاوضات المباشرة بعد يومين فقط من عودة مبارك إلي القاهرة. جدول مواعيد الخطر معروف، ففي يوم 25 سبتمبر ينتظر الكثيرون القرار الذي يمكن أن يصدره رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو بشأن بناء المستوطنات، هذا القرار الذي سوف يحدد مصير المفاوضات المباشرة.. وإذا ما كان سلبيا.. أي يؤدي إلي فك تجميد البناء المقرر حتي يوم 26 سبتمبر.. فإن هذا سوف يؤدي إلي انهيار العملية التي بدأت منذ ثلاثة أسابيع في واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي أوباما. إذا ما عاد بناء المستوطنات فإنه سيكون من المتفهم جدًا أن ينسحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبومازن» من المفاوضات غير المباشرة.. بل إن قراره سيكون مبررا ومنطقيا.. وسيحظي بموافقة عربية ومساندة مصرية.. ولن يكون متجنيا فيه.. وسيكون هذا أقل ما يجب.. هذا موقف عربي معروف وموقف مصري معلن.. والكل يدرك ويعرف أن المفاوضات لا يمكن أن تتقاطع مع المستوطنات.. ولا يمكن لتفاوض أن يستمر بينما البناء يتم علي الأرض. التحرك في اتجاه أوروبا، خصوصًا في ملف السلام، ليس غريبًا علي الرئيس ولا علي السياسة الخارجية المصرية، بل إن العواصم الأوروبية الرئيسية هي أحد أهم المقاصد المتكررة في أجندة تحركات الرئيس الخارجية، وفي سياق عملية المفاوضات المباشرة فإن الرئيس بني موقفًا مصريا في اتجاه فرنسا قبل أن يسافر إلي واشنطن.. وقد جرت اتصالات مختلفة مع الأركان الأوروبية خلال الأيام الأخيرة.. يتم استكمالها باللقاء المباشر مع ميركل وبيرلسكوني.. حيث يكون للحوار الشخصي مميزات إضافية.. وحيث يمكن أن تستوعب أوروبا مضمون التحذيرات المصرية مما تقبل عليه المفاوضات المباشرة بين نتانياهو وأبي مازن. السيناريوهات المتاحة معروفة، ولا مفر- حلا للموقف- إلا اللجوء إلي المقترح المصري. السيناريوهات المحتملة منها أن نتانياهو سوف يستسلم إلي يمينيته، ويخضع لضغوط داخلية، ويقرر إنهاء تجميد الاستيطان.. وتعود عجلة البناء.. لتلتهم الأرض وبالتالي يكون التفاوض بلا جدوي.. بل إنه سوف ينتهي مباشرة وينسحب منه أبومازن. السيناريو الثاني أن يعلن نتانياهو فك التجميد.. علي ألا تعطي تصريحات بناء للمستوطنات.. أي أن يكون هذا تجميدًا إداريا يعتمد علي توقف البلديات عن منح تصريحات البناء.. وهذا سيكون موقفًا معنويا وملتفًا.. ينقصه الزخم السياسي اللازم لمنح أبي مازن ما هو مطلوب لكي يستمر في التفاوض.. خاصة أنه لا يمكن التأكد أصلاً من سلوك البلديات وقراراتها.. أو التحقق منها. السيناريو الثالث هو المقترح المصري الذي قال به الرئيس مبارك في شرم الشيخ.. والقاضي بتمديد تجميد بناء المستوطنات ثلاثة أشهر جديدة بعد التسعة أشهر الماضية.. وهي مدة زمنية معقولة.. تعطي زخمًا للتفاوض.. وتثبت حدا أدني من حسن النية.. فإن جرت المفاوضات في مسار يراه الطرفان مناسبًا جري التمديد مجددًا.. والبديل الآخر معروف. ولا شك أن نتانياهو، إن كان مخلصا للسلام، فإن عليه أن يصل إلي صيغ مبدعة، تراعي توازناته الداخلية ومشكلات ائتلافه الحكومي، بل والتهديدات التي تلاحق حزب الليكود نفسه، وتراعي في ذات الوقت استمرار المفاوضات التي دفعتها الولاياتالمتحدة بكل ما أوتيت من قوة وكل ما أمكنها من إرادة في مؤتمر واشنطن في مطلع الشهر الحالي. الرسالة الثانية التي أعتقد أن أوروبا سوف تستمع إليها في زيارة الرئيس خلال اليومين المقبلين تتعلق بأنه لا تفاوض علي حدود مؤقتة.. ولا يمكن القبول باتفاقات مؤقتة.. كما عادت إسرائيل ورددت في الأيام الأخيرة.. ببساطة الحدود المؤقتة سوف تصبح حلولا نهائية.. والحلول المؤقتة لا يمكن أبدا توقع أن تنتقل إلي مرحلة تالية دائمة. إن المفاوض الإسرائيلي حين يطرح هذه الرؤي المؤقتة ولو في الجرائد وليس علي موائد النقاش، إنما يمارس قدرًا من التذاكي الذي لا يمكن قبوله.. خصوصًا إذا كان في مضمون «التأقيت» أن يقبل الفلسطينيون بحلول أدني كثيرًا من مطالبهم وأبعد كثيرًا من حقوقهم علي أساس أنها- كما يقولون- مؤقتة!! وفي هذا السياق يتحدث الإسرائيليون عن المقارنة بما تم مع مصر.. وأنه في البداية كان هناك اتفاق إطاري تحول إلي اتفاق سلام دائم، الوضع مختلف والمقارنة غير جائزة. التفاوض بين مصر وإسرائيل كان يجري علي تحرير أرض محتلة وليس علي تأسيس دولة، وبين دولتين وليس بين دولة تمتلك جيشًا أقوي من بعض الجيوش الغربية، وعتادا مذهلا، وبين شعب لديه سلطة تعيش علي المعونات وتخضع للاحتلال. والتفاوض مع مصر كان مع دولة انتصرت في حرب تاريخية هي حرب أكتوبر.. غيرت بها الموازين وتبدلت بها المعادلات.. في حين أن الفلسطينيين يدخلون التفاوض وهم مقيدون. كما أتوقع أن تستمع أوروبا من مبارك إلي أن عليها ألا تتفرج علي عملية التفاوض دون أن تتدخل في المجريات وتشجع وتساند.. ذلك أن أوروبا لها مصالح حيوية في المنطقة.. ويهمها بالتأكيد أن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط.. وأن نصل إلي حل في الملف الفلسطيني الإسرائيلي.. رغم ما هو معروف عن المساندة التي تتلقاها إسرائيل من إدارة بيرلسكوني وإدارة ميركل. إن أوروبا يجب أن تعرف أن عليها أن تبذل جهدًا وتقدم عونا.. وأن الراعي الوحيد لعملية السلام.. أي واشنطن.. يحتاج إلي كل جهد إضافي.. حتي يحتشد الزخم.. ويمكن دفع المفاوضات إلي أفق أبعد من تلك الدائرة المتشائمة التي تحيط بها الآن ومن لحظة أن بدأت. هذه تحذيرات واجبة، في توقيت حرج، ومؤثر، ولا شك أن الجهد الذي سوف يبذله الرئيس خلال اليومين المقبلين في هذا السياق يمثل عملاً واجبًا وضروريا.. وله أهميته.. كما اعتدنا منه.. لا سيما أن القاهرة لا تأمل فقط أن ينجح مسار التفاوض الحالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأن ينتهي العام المحدد له لإعلان اتفاق يؤدي إلي إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وإلي إدخال الشرق الأوسط في مرحلة سلام تأخر كثيرًا.. كثيرا جدًا.. وإنما تبذل كل ما في وسعها من أجل ذلك. www.abkamal.net [email protected]