أزمة الكهرباء.. ونتائجها ملاحظات أبعد من الحديث عن «خناقة» وزارية قبل ما يزيد علي عام، دخل (المهندس) حسن يونس وزير الكهرباء علي اجتماع ضمه هو و(المهندس) سامح فهمي وزير البترول برئاسة (المهندس) الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء حاملاً ماسورة عامرة بالثقوب من إحدي محطات توليد الكهرباء.. شاكياً مستوي خام المازوت الذي تزوده به وزارة البترول.. وقتها.. وبعد نقاش فني غير معقد.. استقر الوزيران علي مكونات إضافية معالجة لنوع المازوت وبما يرضي متطلبات الكهرباء.. علماً بأن وزير البترول قد أكد أن هذا هو نوع الوقود المستخدم منذ سنوات.. وبالفعل كان أن تم تنفيذ عمليات الإضافة من قبل جهات الكهرباء بما يساوي مائة مليون جنيه في غضون العام الماضي. لكن النقاش حول مستوي المازوت، بما يخالف عملية التزويد التي تتم بالفعل وفقاً للمواصفات الإضافية، عاد من جديد قبل أيام من قبل بعض مسئولي وزارة الكهرباء.. وتوازي معه كذلك نقاش حول تدفقات الغاز للمحطات.. بحيث بدا كما لو أن هناك من يريد أن يقول: إن مشكلة الكهرباء تتعلق بتعثرات نابعة من وزارة البترول.. وقد انتبه الكثيرون إلي الاجتماع الذي عقده الرئيس في نهاية الأسبوع الماضي مع الوزيرين ورئيس الوزراء.. وحاول البعض أن يري الأمر علي أنه (خناقة صلاحيات) بين الوزارتين.. ولم يكن الأمر في الواقع كذلك. شخصياً، أدهشني أن التصريحات التي كانت تصدر عن جهات توزيع الكهرباء طيلة الشهرين الماضيين لم تكن تتطرق إلي هذه المسألة، كما أن أخبار الكواليس لم تشر إلي نقاش سبق التصريحات بين الوزارتين بشأن ضرورة إحداث تعديل ما في معدلات التدفق من الوقود ونوعيته إن كان غازاً أو «مازوت»، وقد كان مسئولو الكهرباء يركزون علي معدلات الاستهلاك وضغوط درجات الحرارة.. ويصبون جام انتقاداتهم علي المواطنين.. لدرجة دفعت أحد قيادات الوزارة إلي أن يلوم بعنف وسخرية المستهلكين الذين (يتمنجهون بالتكييفات).. كما لو أن سيادته يجلس في مكتب غير مكيف.. ولا توجد في بيته شخصياً مجموعة هائلة من أجهزة التكييف.. إلا إذا كان يريد أن يقول: إنه قادر علي الحياة بدون هذه الأجهزة التي (نتمنجه بها). وما يثير الدهشة الإضافية أنه بعد صدور تلك التصريحات لم تتقدم وزارة الكهرباء بطلبات إضافية ملموسة لتزويدها بكميات أكبر من الغاز، بل إن اجتماعاً أخيراً انتهي بين الوزارتين إلي أن الكهرباء لم تطلب سوي 25 مليون قدم مكعب من الغاز وهو ما يمثل 1% من معدلات الاستهلاك.. ما يعني أنه لا توجد مشكلة حقيقية في هذا الجانب، كما حاولت أن توحي تصريحات مسئولين أقل من الوزير في قطاع الكهرباء.. بل إن وزير الكهرباء قال بعد اجتماع مع وزير البترول: إن وزارته قد أجرت تجارب ناجحة علي إضافات المازوت.. ومن المثير أن البيان المشترك بين الوزارتين قال: إن درجة الحرارة قد أثرت بارتفاعها علي مستوي كفاءة المعدات.. وهو كلام له مغزي مهم جداً ويوجهنا إلي أبعاد أخري في الملف لا علاقة لها بنوعية الوقود وتدفقه. لا أريد أن أخوض في تفصيلات فنية معقدة، أو أن أناقش نوعيات وحجم الوقود الذي يستخدم في المحطات في مختلف دول العالم، خصوصاً أن مصر تعتمد علي الغاز في تموين المحطات بأكثر مما ينبغي وبدون أي تعطيل أو قصور في التدفق لمس من قبل، كما لا أريد أن أتوقف أمام ملاحظات بعينها قد تكون معبرة عن أن المعلومات لا تتدفق في قطاع الكهرباء بطريقة سلسة تساعد الوزير علي أداء مهمته وتشخيص الأمور بما ينبغي أن تكون عليه.. ولا أريد أن يمثل نقاشي هذا أي نوع من الانحيازات ولوم، هذا علي حساب ذاك أو العكس.. ولكنني أريد أن أقفز فوق الأمر إلي ما ينبغي أن نتدارسه من الموقف الحالي ونتائجه. إن تطوراً هائلاً وتاريخيا في البنية التحتية لشبكة الكهرباء وحجم الطاقة الذي توفره للمواطنين والإنارة التي تقدمها في جميع أنحاء البلد، يحسب بالتأكيد لعصر مبارك.. علي مستويات الاستهلاك المنزلي والخدمي والصناعي، قبل هذه السنوات التي نعيشها كانت مصر تعاني حقاً ليس فقط من انقطاعات مستمرة في الكهرباء، ولكن في عدم توافر الطاقة اللازمة لتلبية الاحتياجات.. وقد شهدت السنوات الماضية تضاعفات في حجم الطاقة المولدة ووسائل توزيعها.. وهو جهد يحسب للوزير الراحل ماهر أباظة كما يحسب للوزير حسن يونس. ومن واجبنا أن نحافظ علي هذا الإنجاز المهول، وأن نشكر الأزمة التي سببتها ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة لأنها كشفت لنا عن أوجه قصور يمكن مراجعتها، وإذا كنت أشدد علي الاتجاه التنسيقي الذي أقر بين الوزارتين.. وهو أمر مفترض.. فإن ما ينبغي علي وزارة الكهرباء أن تنتبه إليه هو ما يلي: إذا كنا قد تمكنا من بلوغ مستوي مهول من حجم تدفقات الطاقة الكهربائية المولدة «نحو 23 ألف ميجاوات»، فهل هذا الحجم تلاحقه شبكة توزيع بنفس الكفاءة.. وقادرة علي تلبية الاحتياجات المتزايدة؟ ما هي مستويات الصيانة وإعادة المراجعة وتقييم الأداء في قطاع الكهرباء؟ هل هي من الكفاءة بحيث إنها يمكنها أن تعبر أزمة مثيلة.. وهل هي قادرة علي أن تخوض موسما حاراً في الصيف المقبل بكل مواصفاته السياسية؟ هل الكفاءات البشرية في قطاع الكهرباء تحتاج إلي نظرة جديدة، خصوصًا علي مستوي القيادات التي تنفذ رؤي الوزير؟ أم أنها من الكفاءة بحيث إنه لا ينبغي علينا أن نسجل ملحوظة حولها بهذا الشأن؟ هل الوزير يعمل من خلال فريق أم أنه يحتاج إلي توسيع الفريق وتجديد دمائه؟ إلي أي مدي تستجيب نوعيات المحطات التي نستوردها لتوليد الكهرباء إلي الاحتياجات المتزايدة؟ هل هي تحتاج إلي إعادة نظر أم أنها من الكفاءة بحيث لا ينبغي أن نفتح هذا الملف؟ أين مصادر الطاقة البديلة؟ ولماذا نتحرك في اتجاه توليد الكهرباء من مزارع الرياح ببطء لا يقارن بارتفاع مستويات الطلب علي الكهرباء، رغم أن هناك توجهات حكومية معلنة بشأن هذا منذ سنوات؟ أن علي وزارة الكهرباء أن تجد في الأزمة جوانب إيجابية تفيدها في تجاوز ما يمكن توقعه من أزمات في الصيف المقبل وما بعده.. واعتقد أن عليها أن تنشغل بهذا أكثر من انشغالها واستغراقها في الجدل الدائر حول أرض الضبعة، وما إذا كانت سوف تكون مقراً للمحطة النووية الأولي التي سوف تبنيها مصر للأغراض السلمية.. ذلك أن مسئولي الكهرباء قد استغرقوا بتسريباتهم في هذا الملف أكثر من اهتمامهم بنواقص ونقاط قصور الشبكة.. علماً بأنه ليس في يدهم القرار الأخير.. وأنه ليس عليهم أن يحاصروا القرار بتلك التسريبات التي تحجب اختيارات أخري وبدائل متنوعة. لا داعي هنا لأن أشير إلي أن متابعة هذه الأمور تقتضي جهدا كان ينبغي توقعه من السيد رئيس الوزراء قبل تدخل الرئيس.. فهذه ملاحظة يدركها الجميع. [email protected] www.abkamal.net