من أبرز مظاهر الكرم المصاحب لحلول شهر رمضان عند المسلمين، احياء فريضة التكافل الاجتماعي والترويج لها وتفعيلها سواء من باب أداء الزكاة المفروضة أو دفع الصدقات التطوعية للمستحقين لها والراغبين في الاستفادة منها. كلما تعقدت الحياة وازدادت الضغوط الاقتصادية في المجتمعات نتيجة زيادة السكان وندرة الموارد، زادت الحاجة الي اعتبار التكافل فريضة للمحافظة علي امن المجتمع وسلامته، الواضح لنا من تطور الأمور أن الحياة تتجه الي التعقيد وليس الي الانفراج، وهذا ليس مسألة يختص بها مجتمعنا في مصر دون بقية المجتمعات ولكنها ظاهرة عامة تشمل جميع بلاد العالم التي تجتهد لتقليل آثار تقلص الموارد خاصة الغذائية، علي الشعوب التي يتزايد أعدادها باستمرار. من هنا كانت رعاية العمل الخيري وتشجيع التكافل الاجتماعي من أولويات العمل العام في المجتمعات التي تستهدف احداث التوازن بين سكانها وتعويض غير القادرين علي استغلال الموارد المتاحة في المجتمع بنصيب في دخول ومكاسب القادرين علي الحصول علي الأموال. الاستخدام المباشر لأموال الزكاة والصدقات في أمور استهلاكية يقلل من الفوائد التي تعود علي المجتمع ولا تتيح فرصا كافية للتنمية، لذلك كان لزاما علي صفوة المجتمع واصحاب الفكر والقدرة علي توجيه الناس، أن يطرحوا باستمرار أفكارا لاستخدام الرغبة لدي القادرين علي افادة المجتمع من تبرعاتهم وصدقاتهم وزكاة اموالهم، في تنمية جوانب معينة في المجتمع مثل علاج غير القادرين وقضاء الدين عن المعسرين وإنشاء بعض المشروعات التي تتيح فرص عمل للعاطلين وغير ذلك من المجالات المشابهة. نظرا لأهمية هذا الجانب في حياتنا، اعتني الإسلام عناية بالغة بالعمل الخيري، والمراد به النفع المادي أو المعنوي الذي يقدمه الإنسان لغيره دون أن يأخذ عليه مقابلا ماديا، ولكن ليحقق هدفا خاصا له أكبر من المقابل المادي الذي قد يسعي اليه بعض الناس كالحصول علي الثناء والشهرة، أو غير ذلك من عرض الدنيا. أما المؤمن فيفعل ذلك لأغراض تتعلق بالآخرة رجاء الثواب عند الله، والدخول في جنات النعيم، فضلاً عما يناله في الحياة من بركة، وحياة طيبة، وسكينة نفسية، وسعادة روحية لا تقدر بثمن عند أهلها. اعتبرت التكافل الاجتماعي فريضة لأن الحق والخير قيمتان من القيم العليا التي تحرص عليها كل أمة راشدة، وكل ديانة سماوية أو فلسفة أرضية، بأن يعرف الناس الحق ويعتنقوه، وأن يحبوا الخير ويفعلوه. مما أذكره في هذا السياق أن الشيخ يوسف القرضاوي اعتبر العمل الخيري من المقاصد الأساسية لشريعة الإسلام، وإن لم يذكره الأصوليون القدامي - صراحة - في المقاصد أو الضروريات الأصلية التي حصروها في خمس أو ست وهي: المحافظة علي الدين، وعلي النفس، وعلي النسل، وعلي العقل، وعلي المال، وزاد بعضهم سادسة وهي المحافظة علي العرض. لم يذكر علماؤنا القدامي الخير وحبه وفعله والدعوة إليه ضمن الأشياء الأساسية التي جاءت الشريعة للمحافظة عليها لأنهم أدرجوها ضمن الضرورة الأولي والعظمي، وهي الدين، فالدين عندهم - وهو جوهرالشريعة - يشمل فيما يشمل معرفة الحق، وفيه تدخل العقائد التي هي أساس الدين، وحب الخير وفعله، وفيه تدخل الزكاة والصدقات وغيرها من دعائم الخير. الخير قد يذكر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية بلفظ (الخير) نفسه، وقد يذكر بألفاظ أخري تحمل مضمونه مثل البر، والإحسان، والرحمة، والصدقة، وتفريج الكربة، وإغاثة الملهوف، وغير ذلك، ويأتي العمل الخيري في القرآن والسنة بصيغ شتي، بعضها أمر به أو ترغيب فيه، وبعضها نهي عن ضده أو تحذير منه، بعضها مدح لفاعلي الخير، وبعضها ذم لمن لا يفعل فعلهم، بعضها يثني علي فعل الخير في ذاته، وبعضها يثني علي الدعوة إليه، أو التعاون عليه، أو التنافس فيه. وهنا نجد الإسلام يدعو إلي فعل الخير، وقول الخير والمسارعة إلي الخير، والتسابق علي الخير، والدعوة إلي الخير، والحض علي الخير، ومن أعظم دلائل الخير إطعام المسكين، حتي لا يهلك جوعا، والناس إلي جواره يطعمون ويشبعون، ومثل طعام المسكين كسوته، ونفقته، وعلاجه من المرض، ورعاية سائر ضرورياته وحاجاته. من أصول الخير في الإسلام وجوب التعاون عليه، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه وأعوانه، وما لا يستطيعه الفرد قد تستطيعه الجماعة.