إن الناظر فيما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي حول قضايا الفكر الجنسي يجد عجبا، فمن جانب نجد شيوخ ودعاة الفضائيات والتيارات الدينية المختلفة لا يدخرون جهدا ولا يتركون ساعة من ليل أو نهار إلا وهم يصرخون وينذرون ويحذرون من خطر داهم وطوفان جارف ووباء فتاك سيفتك بشعوبنا وشبابنا ونساءنا وبكيان هذه الأمة ألا وهو: «الاختلاط بين الرجال والنساء، مصافحة النساء، صوت المرأة، التبرج وعدم الالتزام بالحجاب الشرعي، وقائمة غير منتهية من المحرمات والموبقات الجنسية التي تكاد تصل إلي تحريم تقبيل الرجل زوجته إلا من وراء الجدار». هذا من جانب ومن جانب آخر نجد فئة أخري من أهل الفن والإعلام في بلداننا العربية لا تدخر جهدا في تقديم كل ما هو مثير ومهيج لغرائز القوم الجنسية في الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، ويشنون أشرس الحملات الإعلامية ضد كل من تسول له نفسه أن يعارض ما يقدمونه من إثارة جنسية، بل ويصفون كل من يثار جنسيا بسبب المشاهد الساخنة والكليبات المبتذلة والصور العارية والكلام المثير جنسيا بأنه مريض نفسي، بل الأدهي والأمر أنهم يحاولون إضفاء الشرعية علي ما يقدمونه بادعائهم لحرية الابداع والفن، ومن المعلوم أن تذوق الإبداع وخاصة الإبداع الذي تحتوي بعض عناصره علي المظاهر الجنسية لا يكون إلا في مجتمعات لا تعاني حرمانا جنسيا كالمجتمعات الغربية مثلا، أما في مجتمعاتنا العربية المحرومة والجائعة جنسيا كيف لها أن تتذوق إبداعا في مشهد ساخن أو صورة عارية أو كلام مثير؟؟. والعجيب كذلك أنهم يضربون الأمثلة بأوضاع الشعوب والمجتمعات الغربية وكيف أنها شعوب حرة ومتحضرة ولا تثار جنسيا، ونسي هؤلاء القوم أن المجتمعات الغربية تعاني تخمة من الشبع الجنسي كان سببها الحرية شبه المطلقة في ممارسة الجنس بين الرجال والنساء، وكذلك نسي هؤلاء أننا في مجتمعاتنا العربية مازلنا إلي الآن نتصارع حول صوت المرأة هل هو عورة أم لا!!، ثم كيف بربكم لمجتمعاتنا العربية الجائعة جنسيا والتي قارب فتيانهم وفتياتهم سن الأربعين ولم يتزوجوا بعد أن يتذوقوا إبداعا أو فنا في مؤخرة ميريام فارس وهي تغني بها، أو تأوهات هيفاء وهبي وهي بتبوس الواوا، أو في الشذوذ الجنسي لغادة عبدالرازق وسمية الخشاب، أو في الليالي الحمراء لغرف نوم أفلام خالد يوسف؟. فمن هنا تقع الشعوب العربية وخاصة الشباب فريسة لذلك الصراع اللا متناهي بين التيارات الدينية من جهة وبعض أهل الفن والإعلام من جهة أخري، ومن هنا يعلم كل ناظر حصيف وكل ذي لب أن ما يحدث الآن من صراع جنسي ما هو إلا مباراة يتباري فيها فريق من الإعلاميين وأهل الفن مع فريق التيارات الدينية للايقاع بالشباب العربي التعيس فريسة في مصيدة حملات التحريم والتخويف والتحذير الديني من حرمة التفكير في الجنس وكل ما قرب إليه من قول أو عمل من جهة، وحملات الإثارة الجنسية الطاغية التي يقودها ويشعل نيرانها بعض القائمين علي الفن والإعلام من جهة أخري، والمقلق في الأمر أن هذا الصراع يصب في نهاية المطاف في صالح بقاء واستمرار الوضع علي ما هو عليه في الدول العربية لبضعة قرون قادمة. لقد أدير هذا الصراع بحرفية ودهاء بالغ لإلهاء الناس وخاصة الشباب المسكين الذي ينتظره مستقبل مجهول مظلم لا ملامح له في الأفق القريب بقصد إلهائه عن قضايا أمته وأوطانه وحاضره ومستقبله واستنزاف أوقاته وطاقاته وتفكيره وميوله، فتحريم كل ما هو جنسي بصورة دينية مقصودة ومبالغ فيها مع الإلحاح المغالي في الفصل بين الجنسين الذكر والأنثي من جانب التيارات الدينية، والإثارة الجنسية المقصودة والمبالغ فيها من الجانب الإعلامي جعل هذه الشعوب ينصرف جل تفكيرها وأوقاتها واهتمامها وتربصها وانفاقها وخاصة الشباب إلي كيفية الحصول علي متعة الجنس وكل ما يقرب إليها من قول أو عمل حلال أو حرام باتفاق أو اغتصاب مشروع أو ممنوع حتي انصرف القوم عن العلم والعمل والفكر والانجاز والتقدم واتخذوا شئون دنياهم وأوطانهم وراءهم ظهريا. «للحديث بقية»