بينما يدعو الحزب الوطني المواطنين إلي المشاركة الايجابية في اختيار أعضاء مجلس الشوري الجدد، نجح حزب الوفد المعارض في احداث اختراق كبير في تطور هيكله التنظيمي بإجراء انتخابات هادئة ونظيفة علي رئاسة الحزب أسفرت عن فوز السيد البدوي السكرتير العام الأسبق للوفد برئاسة الوفد وهو منصب سياسي رفيع يمكن أن يشكل إضافة حقيقية للوفد وللحياة الحزبية بوجه عام. حجر الزاوية هو المشاركة الشعبية في التصويت، والخروج من حالة الاحباط التي خيمت علي الأحزاب الشرعية في مصر منذ وفاة فؤاد سراج الدين باشا، وابتعاد السيد خالد محيي الدين عن دائرة العمل السياسي المباشر. ربما يكون انتخاب رئيس جديد للوفد في حجم ومقدرة السيد البدوي سببا للتفاؤل بضخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية المصرية، الأمر لا يتعلق بالقدرات المالية والتواجد الاجتماعي الواسع للرجل، وانما يرجع من وجهة نظري الي ما فهمته من متابعتي لحملته الانتخابية، فقد بدا أنه يدرك معني المعارضة وأنها ليست مجرد مخالفة الحزب الحاكم ، كما أنه يرفض مبدأ الاقصاء لخصومه في الرأي وتلك مميزات لها اعتبار كبير. أما مفهوم المعارضة فهو لا يعني الاختلاف علي طول الخط مع الحزب الحاكم، ولكنه يعني التمييز بين السياسات ذات الطابع والصفة القومية وبين السياسات الأخري التي يمكن الاختلاف حول أساليب تطبيقها. ان مصرلاتزال مستهدفة من قبل مجموعات تعارض التزامها بإقامة دولة مدنية، وتعارض جهودها من أجل تسوية للنزاع العربي- الإسرائيلي عبر التفاوض ، وكذلك تعارض معاهدة السلام التي أبرمتها مع إسرائيل والسارية منذ أكثر من 30 عاما، بالاضافة الي النزعة الراديكالية لدي بعض الجماعات التي نجحت الدولة في احتوائها ولكن لا توجد ضمانات بعدم عودتها الي النشاط اذا وجدت مناخا مواتيا ومشجعا. لا بأس بالمعارضة، لكن الأساليب المستخدمة للمعارضة يجب أن تلتزم مصلحة الوطن والمواطنين، ربما يمثل الناشطون في تلك المعارضة، والناشطون في معارضة سياسات داخلية للحكومة، ظاهرة مستحدثة في الشارع المصري تكونت وظهرت وتنمو، لكن لابد في نفس الوقت أن يدرك هؤلاء أن سياسة الدولة هي التي سمحت بظهورها ولم تبد مقاومة لتواجدها علي الساحة السياسية، بل علي الأرجح تريد الدولة ترشيد تلك التحركات من خلال قيادات واعية. أن المجتمعات تتطور سياسيا، لكن التطور الآمن يتطلب اتفاق المفاهيم العامة بين قادة التنظيمات السياسية الشرعية حتي لا يشعر المواطن أنه يدخل في خناقة أو عصابة حين يحاول ممارسة حقه السياسي، لكن من الانصاف أيضا أن ندرك الحجم الحقيقي للقوي المعترضة والمحتجة والمشتاقة الي ممارسة بعض الفوضي السياسية، وأنها لا تمثل الا أقلية، وليست تيارا كاسحا بأية حال. يقول بعض المحللين إن البدوي استفاد خلال حملته الدعائية من تقارير كشفت صفقة أبرمها رئيس الحزب محمود أباظة مع الحزب الوطني الحاكم تقضي بمنح الحزب - خاصة المقربين من أباظة - مقاعد برلمانية في الانتخابات التشريعية المقبلة مقابل امتناع الوفد عن تقديم أي دعم للمرشح الرئاسي المحتمل محمد البرادعي. أعتقد أن هذا الكلام ينتقص من قدر رئيس الوفد الجديد ويصادر علي سياسته المستقبلية مع الحزب الوطني الحاكم لعدة أسباب لعل أهمها النموذج الفكري المتكامل والمنطقي الذي قدمه السيد البدوي في دعايته، بالتالي ليس من الانصاف اختزال ذلك كله في أنباء صفقة غير مؤكدة تناولتها وسائل إعلامية. السبب الآخر يأتي من تحليل صلب الصفقة المزعومة، فالحزب الوطني نفي عقد صفقات من ناحيته، كما أن دوائر الحزب علي قدر علمي تعرف الحجم الحقيقي لظهور الدكتور البرادعي في الساحة السياسية المصرية، وبالتالي فهي لا يمكن أن تعقد صفقات لمجرد عدم ترشيحه في أي حزب. أغلب الظن أن ظهور قيادة جديدة لحزب الوفد في حجم السيد البدوي هو في الواقع مصلحة للحزب الوطني الذي يسعي الي ارساء قواعد للعمل السياسي الحزبي لابد أن يعاونه عليها أحزاب أخري تؤمن بحتمية المحافظة علي الدولة المدنية في مصر!!