لم يعد لنا من خيار لإصلاح الحاضر ومواجهة تحديات المستقبل إلا بإحداث التغيير في كل الميادين والمجالات وعلي كل الجبهات والمستويات ومن خلال مشاركة جميع الفئات والطبقات والمؤسسات وابتداء بالجماهير ومرورا بالنخبة وانتهاء بالأحزاب والتجمعات المدنية ومن قبل ومن بعد من داخل الحزب الحاكم خاصة أن لدي قطاعاً كبيراً منه قناعة بضرورة إحداث التغيير وما قاله حسام بدراوي أحد القيادات الحزبية في الحزب الوطني وأمانة السياسات في اجتماع مجلسها الأعلي ولجانها المتخصصة يوم الخميس 2010/4/29 حول ضرورة التغيير إلا تعبير عن رغبة غالبية أعضاء الحزب في هذا الاتجاه. هذه حقيقة بات يفرضها الواقع بكل معطياته وشواهده ولا يقل عنها وضوحا وأهمية ضرورة أن يكون هذا التغيير بتوجهاته وآلياته هو بالدرجة الأولي صناعة مصرية خالصة وبأيد مصرية وطنية راسخة الولاء والانتماء للتراب الوطني متفاعلة مع الواقع المصري متفاعلة مع نبض الجماهير بكل أطيافها وفي القري والنجوع عاشت وتعيش همومها، طموحاتها وآمالها. باختصار التغيير بات ضرورة ولا خيار لنا فيه ولكنه التغيير وفق الإرادة المصرية وبالأيدي المصرية لا بتوجهات الخارج ووفق إرادة قوي الهيمنة والاستكبار وفي القلب منها «أمريكا». نقول هذا كتعقيب علي ما نشرته مختلف وسائل الإعلام علي لسان العالم المصري العالمي دكتور محمد البرادعي من قوله إنه لا يوجد أي مبرر لصمت واشنطن علي ما يحدث في مصر ومع التشكك منذ البداية في أن يصدر هذا من سيادته باعتباره الرمز الوطني والعالم العالمي وأنه لا يمكن أن يطلب من قوي الهيمنة والاستكبار ممثلة في أمريكا أن تتدخل في الشأن المصري أو علي تعبيره كما نشرت وسائل الإعلام لا يجد أي مبرر لصمت واشنطن عما يحدث في مصر أما آليات التخلي عن هذا الصمت غير المبرر فمفتوحة وتحتمل كل الخيارات وربما يدخل فيها توقيع العقوبات بمختلف أنواعها. وكنا ندعو بكل ما لدينا من مشاعر الاعتزاز تجاه هذا العالم الكبير ألا يكون قد صدر منه هذا الكلام وتكذيبه إلا أنه لم يحدث نفي من جانبه أو من جانب المحيطين به وهم في الغالب الأعم ممن يحملون عداء واضحا لأمريكا ولغيرها من القوي الاستعمارية مما يؤكد نسبة هذا الكلام لعالمنا المصري العالمي والموافقة الضمنية للمحيطين به علي ما قاله. وبعيداً عن مشاعر الصدمة التي أصابتنا وأصابت كل مصري بل كل عربي من أن يصدر مثل هذا الكلام من هذا العالم الجليل والذي يعتبره البعض رمزاً للتغيير وعدم احتجاج مرافقيه ممن في أغلبهم من الوطنيين الذين لهم موافقهم الوطنية التي لا يمكن ن انكارها نقول بعيداً عن هذا فإنه من الصعب بل ومن المحال أن يكون عالمنا المصري والمحيطون به علي غير دراية بالعقلية الأمريكية الاستعمارية الاستعلائية العنصرية وأنها المتربصة بنا وبالأمة العربية والإسلامية بل وبكل القوي المناضلة في العالم وتلك الكاشفة لوجهها القبيح خاصة في أمريكا اللاتينية. نقول من المحال أن يغيب عنه كل هذا خاصة أنه يعيش في أمريكا والخارج الشطر الأكبر من حياته وأيضا من المحال أن يغيب كل هذا عن المحيطين به وفي الغالب الأعم هم ممن يضمرون العداء لأمريكا كقوة استعمارية وكحاضنة طبيعية للكيان الصهيوني. فماذا حدث؟ هل حدث واقع جديد لا يعترف بالتوجهات والثوابت القومية؟ هل المصالح الخاصة وتصفية الحسابات مع النظام السياسي والقوي الأخري التي لها تحفظاتها علي تحركات البرادعي تبرر دعوة أمريكا للتخلي عن صمتها تجاه ما يحدث في مصر؟ والذي يحمل في طياته ضمنا دعوتها للتدخل في شئون مصر؟ هل هذا معقول؟ أليست هذه هي وليس غيرها الكارثة بعينها في حق بلدهم ووطنهم نقول هذا مع كل تقديرنا للدكتور البرادعي ولغالبية المحيطين به. علي أي حال ومن باب تنشيط الذاكرة لهؤلاء ولغيرهم نشير إلي بعض الحقائق التاريخية عن أمريكا الاستعلائية العنصرية ومواقفها مع العرب والمسلمين حيث لا يمكن تجاهل أو تناسي وقوف الرئيس الأمريكي ويلسون في أوائل القرن الماضي إلي جانب وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود علي أرض فلسطين العربية. مع أن هذا الرئيس نفسه هو الذي كان يرفع شعاراته بالحرية وحق تقرير المصير لكل الأمم والشعوب ومن ثم لم يكن غريبا أن تكون أمريكا الحاضنة للكيان الصهيوني وإقامة دولته عام 1948 ومن يومها أصبحت الداعمة له بكل أشكال وأنواع الدعم كما أنها أعلنت العداء للزعيم الخالد جمال عبدالناصر وتوجهاته القومية العربية ورفضه الإذعان لكل ضغوطها بل وإغراءاتها رافضا سياسة الأحلاف متبنيا سياسة الحياد الإيجابي وفي الداخل اعتمد علي تبني السياسة الاقتصادية والتنمية المستقلة وتحقيق العدل الاجتماعي وغيرها من الإنجازات في كل الميادين والمجالات التي باتت الآن محل هجوم من قبل المتأمركين الجدد بل ويتخذون من هذا الهجوم مبررات للمطالبة بالتغيير وتخلي أمريكا عن صمتها تجاه ما يحدث في مصر. ولم تقف أمريكا الاستعمارية العنصرية عند هذا الحد بل كان لها دورها في وقوع هزيمة 1967 واستمر التآمر بعد نصر أكتوبر العظيم حيث كرست كل جهودها للتطبيع مع الصهاينة بل أصبحت أمريكا العدو صديقا وشريكا. وجاء الرئيس مبارك للحكم والذي استطاع وبالرغم من كل الظروف والضغوط حماية مصر من التدخل الأمريكي وعدم الخضوع لمطالبها ورفضه الوطني القومي لإقامة قواعد علي أراضيها وهو الأمر الذي تحقق لها في الخليج العربي الذي ذهبت إليه لتعبث به وتحيك هناك المؤامرات فكانت حرب إيران والعراق ومن بعد حرب الكويت إلي أن تحقق لها تدمير قوة العراق وجاء احتلالها له نقطة انطلاق لإقامة القواعد العسكرية والهيمنة السياسية والاقتصادية علي أغلب البلدان العربية والإسلامية مع العمل في الوقت نفسه علي أن يكون الكيان الصهيوني هو القوة الأعظم باعتباره جسر عبور الأمريكان للهيمنة علي المنطقة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت وتقوم من خلال عملائها من المتأمركين الجدد في المنطقة علي إثارة الفتن في كل البلدان العربية، وفي القلب منها مصر عن طريق عملائها، والسائرين في ركابها بل والضرب علي كل الأوتار، والتعامل مع كل ما تري أن فيه ما يحقق مصالحها، خاصة أن هناك من لديه الاستعداد للقيام بهذا، استهدافا لتحقيق المصالح الشخصية والايديولوجية، علي حساب الثوابت الوطنية والقومية. وهنا نقول ونؤكد إنه من حق كل فرد في هذا البلد وعلي أرض هذا الوطن أن ينقد ما يشاء وينقد النظام القائم، وافقاده الأغلبية، وازاحته عن الحكم ،كل هذا مقبول ومشروع، بل ومطلوب من أجل مصر ومواجهة تحديات المستقبل لكن ينبغي أن يحدث هذا وكما سبق أن أشرنا من خلال معايشة الجماهير والالتحام بهم، واتارة وعيهم، والوقوف علي مطالبهم وطموحاتهم، من خلال الاقناع والاقتناع، وتشكيل الوعي الصحيح، لا بشعارات تزييف الوعي كما ينبغي أن يحدث التغيير بتحالف كل القوي الوطنية دون استثناء أو استبعاد، وبالإرادة والأيدي المصرية لا بفرضها من الخارج، أو بتدخل قوي الهيمنة والاستكبار، وفي القلب منها أمريكا. باختصار، إن ما يحدث من مثل هذه الدعوات لواشنطن بالتخلي عن صمتها غير المبرر، والذي يحمل دعوتها للتدخل، بكل ما يعنيه هذا التدخل من آليات وخيارات مفتوحة، إنما يعطي لأمريكا مبررات تحقيق مخططاتها في المنطقة، والتي لا تخدم سوي مصالحها، واستمرارية حضانتها للكيان الصهيوني. فلكل هؤلاء وأولئك نقول: نعم للتغيير، بل وضرورة احداثه في كل الميادين والمجالات، ولكن نقول لا وألف لا، لكل من يحاول استدعاء قوي الهيمنة والاستكبار للتدخل في احداث هذا التغيير، لأنه وليس غيره تدخل في شئون مصر وهذا ما لايمكن بقوله لمصر التاريخ والحضارة والله من وراء القصد.