لا يجادل أحد في أهمية الزيارات التي يقوم بها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، ومدير المخابرات العامة الوزير عمر سليمان إلي السودان، خاصة في هذا التوقيت، حيث يمثل السودان قضية بالغة الخطورة والحساسية علي الأمن القومي المصري لأسباب منها: بداية العام القادم سيكون السودان علي موعد استثنائي لاستفتاء أهل الجنوب لتقرير مصيرهم، سواء بالبقاء ضمن الدولة السودانية أو الانفصال عنها، وهو أمر لا يؤثر فقط علي الجغرافيا السودانية، والحدود السياسية، وإنما علي شكل هذا البلد، الذي يمثل أهم وأخطر وأقرب محاور الأمن القومي لمصر. في الخامس عشر من الشهر الجاري تعقد دول منابع حوض النيل الثماني اجتماعا في كمبالا للتوقيع علي الاتفاقية الإطارية لحوض النيل بشكل منفرد بعيدا عن دولتي المصب مصر والسودان، وهو أمر يشكل خطورة بالغة علي حصة مصر والسودان من مياه النيل، حتي وإن لم يحدث ذلك بشكل فوري، لكنه يظل مؤشر خطر يحتاج إلي تنسيق وتعاون كامل بين مصر والسودان للتعامل مع هذا الملف الحساس للغاية. من هنا تأتي الأهمية القصوي لزيارة أبو الغيط وسليمان للسودان، وبالتأكيد هناك موضوعات أخري ستكون علي جدول مباحثاتهما، لكن السؤال المهم هل زيارة الوزيرين أبوالغيط وسليمان كافية لمواجهة كل هذه التحديات التي تواجه مصر والسودان معا؟ بالتأكيد لم تعد تلك الزيارات تكفي رغم أهميتها وضرورتها، فنحن نحتاج إلي تحرك مختلف هذه الأيام، فليس معقولا أو مقبولا أن يبقي ملف السودان وحوض النيل تتحرك فيه الخارجية والمخابرات والري فقط، ففي القضايا التي تتعلق بالأمن القومي تصبح قضية أمن دولة تتحرك فيها كل مؤسسات الدولة دون استثناء. ومفهوم الدولة الحديثة لا يعني الحكومة فقط، وإنما يعتمد علي محاور متعددة منها الحكومة والأحزاب ومجتمع المال والأعمال، والمجتمع المدني الذي يتسع ليضم الجمعيات الأهلية والنقابات المهنية، والجامعات ومراكز البحوث والدراسات وحتي الفرق الرياضية والتجمعات الشبابية. لكن هذا التحرك لا يجب أن يكون بشكل منفرد، وإنما في إطار استراتيجية عامة تتوافق عليها الأطراف كافة وتحدد من خلالها دور كل طرف ومجالات حركته في السودان ودول حوض النيل، لخلق حالة عامة من المصالح المشتركة التي تجمع الشعب المصري مع شعوب حوض النيل كافة. وأتصور أنه ينبغي عقد مؤتمر عام لوضع استراتيجية قومية للتحرك المصري نحو دول حوض النيل يشارك فيه خبراء في الشئون الأفريقية والاقتصاد والصناعة والتجارة والري والشباب ورجال الأعمال والأحزاب، يرافقها تعيين وزير دولة للشئون الأفريقية، أو مستشار خاص للرئيس للشئون الأفريقة يكون علي رأس مهامه الإعداد لهذا المؤتمر وتجميع توصياته وصياغة استراتيجية التحرك والعمل علي وضعها موضع التنفيذ، بأسرع ما يكون..