«المنحوس» الذي يعاني هو «الموظف» 1 - إذا حضر سباك إلي بيتك فأجره في الساعة خمسون جنيهاً، أما فني إصلاح السيارات والثلاجات والبوتاجاز فأجورهم فلكية، وكذلك النقاش والنجار والترزي والفران والسمكري وغيرهم. - «المنحوس» هو الموظف الذي «يتمرغ» في تراب الميري حتي لا يفوته، ويقتنع علي مضض بالفقر والذل وثلاثمائة جنيه راتباً في الشهر، يكسبها أي صنايعي في يوم أو يومين. - مع ذلك يتقدم لوظائف الحكومة عشرات الآلاف من الشباب، بينما تعاني السوق عجزاً رهيباً في العمالة الفنية والحرفية.. وهذا هو الخلل الرهيب في سوق العمل بمصر. 2 - الأجر في معظم بلدان العالم يتحدد علي أساس الإنتاجية، فالعامل الماهر المنتج يكسب ذهباً في أي مكان بما في ذلك مصر، وكلما جد واجتهد ارتفع مستوي معيشته. - أما الموظف فلا يمكن تقدير إنتاجيته، ولا يمكن قياس ذلك بعدد الأضابير التي يرصها أو الأختام التي يضعها علي الورق أو الإيصالات التي يكتبها ويمهرها بتوقيعه الكريم. - لهذا السبب، لا فرق بين موظف مجتهد وآخر كسلان.. «كله عند العرب صابون»، وهناك حكمة بليغة تقول: «تشتغل كتير..تغلط كتير» فلا تعمل حتي لا تخطئ. 3 - هذه هي مشكلة الأجور في مصر التي يعاني منها خمسة ملايين موظف، تضاعفت دخولهم في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 125%، ولكن أحوالهم لا تعجبهم. - دخولهم بالمقارنة للقطاع الخاص والعمل الحر ضعيفة وهزيلة، ومهما دخلت جيوبهم علاوات وإضافيات، فسوف يظل موظف الحكومة هو الأقل في سُلم الرواتب. - هناك بعض الخريجين يرفضون أن يبدأوا حياتهم برواتب خمسة أو سبعة آلاف جنيه في الشهر، لأنهم يحملون خبرات ومؤهلات تجعل الواحد منهم يفك ستة وكلاء وزارة. 4 - إذا كان من حق الموظفين أن يحسِّنوا أحوالهم المعيشية، فلن يكون الحل هو زيادة الحد الأدني للأجور إلي ألف جنيه أو (1200) لهذه الأسباب: - أولاً: سوف يؤدي رفع الحد الأدني إلي زيادة البطالة، فمن يوظف بواباً أو عامل زراعة وغيرهما من الأشغال التي لا تستحق هذا الأجر سوف يستغني عنه، أو يجعله يقبل بالأجر الأقل. - ثانياً: سوف تقفز الأسعار ضعفي زيادة الأجور وستكون السيطرة علي معدلات التضخم من الأمور الصعبة جداً، في ظل انفلات الأجور. 5 - ثالثاً: لن يقبل القطاع الخاص الذي يزاول أعمالاً بسيطة هذا الحد الأدني الكبير نسبياً.. وقد يلجأ إلي تقليص العمالة إلي أقصي درجة ممكنة. - رابعاً: سوف تجد الحكومة صعوبة كبيرة في تدبير مبالغ فلكية لمواجهة زيادة الرواتب، تؤدي في النهاية إلي زيادة العجز في الموازنة العامة ودخول دائرة الاستدانة السرطانية. - خامساً: لو تم رفع الحد الأدني للأجور بالنسبة للعمالة الجديدة، فماذا بالنسبة للعمالة القديمة وأصحاب المعاشات والعمالة العشوائية والأسر التي ليس لها مصادر دخل؟ 6 - إنها معادلة صعبة تحتاج إلي التعامل معها بمنتهي الحذر والهدوء، وأمامنا تجارب دول أوشكت أن تبيع أراضيها سداداً لديونها مثل اليونان التي كانت ميسورة الحال. - من حق الموظفين أن يحصلوا علي رواتب تحقق لهم حياة كريمة، ولكن دون الإضرار بالفئات الأخري، خصوصاً أن دولاب الحكومة أصبح مكتظاً بأنواع كثيرة من البطالة المقنعة. - قد يكون الحل بإطلاق الحوافز وتحسين مستوي الخدمات الحكومية، وتطوير وتدريب القوي البشرية وأن يتخلص الجهاز الإداري تدريجياً من الفشل والترهل، يعني تطوير وتحديث ما يمكن تطويره. 7 - المشكلة يجب أيضاً التعامل معها من المنبع، بفتح شرايين العمل الحر المنتج الذي يدر دخولاً كبيرة، وتوليد فرص العمل التي تحتاجها السوق وترفع مستويات العاملين فيها. - والحل بجذب كثير من الاستثمارات المحلية والأجنبية لتعود نسب النمو إلي 7%، وتخلق فرص عمل جديدة تمتص فائض البطالة وتحسن الظروف المعيشية. - الحل في تهيئة الأجواء لمشروعات التنمية الاقتصادية وإزالة المعوقات التي تواجهها، فملايين الناس يعملون في مشروعات خاصة، ودخولهم أفضل بكثير من الموظفين.