ان فاتك الميري اتمرمغ في ترابه ، مثل مصري ، رسخته سنوات طويلة من استعباد البيروقراطية للمصريين ، لكن امرأة الاقصر قررت الا يفوت ابنها الميري ، ولو بتقبيل قدم المسئول الكبير الذي جاء في زيارة عمل تستغرق ساعات ، لم يكن عالم الآثار الكبير ، الذي نكن له احتراما كبيرا ، يقبل خلالها ان تقبل يده ولا قدمه ، لكن الدكتور زاهي حواس ، لم يقبل بهذا السلوك ، وسارع الي تبرير تصرف السيدة ، بانها وقعت في الزحام ، فساعدها علي الوقوف ، وليس لمنعها من ان تقبل حذاءه ، كي يعين ابنها في وظيفة بعقد سوف يحصل علي مبلغ لا يزيد في الاغلب علي 300 جنيه ، ثمن ثلاثين علبة سجائر مستوردة ، اومائتي باكو معسل يمكن لشاب صعيدي ان يقوم بتدخينها في وقت فراغه الممتد الي ما لا نهاية بسبب البطالة. هذه السيدة الاقصرية ان كانت فعلت ذلك، وانا اقرب الي التصديق انها لم تفعل ، فهي قد دخلت تاريخ المصريين من باب الصعايدة الجدد ، من حيث استحداث طريقة جديدة لالتحاق الناس في صعيد مصر بالوظائف الحكومية ، فبعد ان كانت الوظائف تباع في دكاكين أعضاء مجلس الشعب ، أو تقدم مقايضة لخدمات سياسية او اقتصادية لشخصيات نافذة في الجهاز الحكومي ، أو عن طريق الرشوة الصريحة أو المقنعة ، وأخيرا بمحاولة تقبيل أقدام المسئولين واحراجهم ، لأن ما نشر علي الانترنت والصحف بعد ذلك ، يدل علي أن الناس في مصر أميل للتصديق انها انحنت لتقبل قدم المسئول ، وليس لانها كانت ستقع من الزحام. لم يكن الغالبية العظمي من الصعايدة ، قبل هذه الحادثة التي تضايقوا من تضخيم الاعلام لها علي الانترنت خاصة ، يعتزون بشيء يملكونه ، ولم تستطع ظروف الحياة القاسية في صعيد مصر ان تقتلعه من داخلهم ، سواء بالسلطة الغاشمة ، او الفساد المستشري في اجهزة الادارة المحلية ، غير كبريائهم ، الذي يدفعون بسببه ثمنا باهظا ، لكن هذه السيدة الأقصرية ، ( قررت أو لم تقرر ) ، المهم أن ما نشر بالصحيح او بالباطل ، ضرب كبرياء الصعايدة ، في الصميم ، فها هي حريمهم ، صنو الشرف والكبرياء يقولون عنها انها تقبل اقدام المسئولين ، ولو حتي من باب التمثيل لثقتها بأن المسئول الكبير سوف يمنعها من ذلك ، حتي تضمن مستقبل ابنها ، فلذة كبدها. برغم انني اقدر عاطفة الامومة ، واعتبرها العاطفة الصادقة الوحيدة في حياة الناس في العصر الحديث ، لكني كصعيدي لا أقبل هذا السلوك من نسائنا ، حتي لو مات الأبناء جوعا. ليس لأنني شخص غير واقعي ، وأنني لم أتعرض لهذا الضغط الانساني ، الذي قد يقول البعض إنه فوق طاقة الناس ، لكن لأن ميل الناس الي تصديق ان نساء الصعيد بدأت في تقبيل أقدام المسئولين ، هو مؤشر خطير علي أن هناك من يتربص بالمنظومة القيمية، عن طريق ترويج اشاعات ، او تضخيم مواقف ، وهذه المنظومة القيمية هي التي تجعل من الصعيد مجتمعا مستقرا حتي الآن ، برغم كل ما يعانيه من تهميش ، وتجويع ، وأن مشاريع التنمية الحالية غير كافية، لرفع العبء عن كاهل الناس ، الذي يفوق ثقله جبال الصعيد. أنا أميل الي تصديق تبرير الدكتور حواس للحادثة، لانني علي ثقة من نساء الصعيد، واذا كان الدكتور حواس قد قدم هذا التبرير لكي يحفظ كرامة هذه المرأة، وهو مشكور علي ذلك ، الا ان هذه الحادثة لو كانت حقيقة قد حدثت، لكان الاولي أن تصل الي الناس في الجنوب والشمال كما هي ، ولا نخفيها ، لانها حادثة كاشفة ، لمنظومة قيمية مشينة منقلبة علي نفسها ، بدأت تستشري بين الناس في صعيد مصر ، هل فعلا وصل الامر لكي يضمن الصعايدة قوت يومهم ، ان يقبلو أقدام المسئولين ؟ هذه الحادثة، ألقت حجرا في بركة آسنة ، من الفساد المستشري في صعيد مصر ، ويعلمه جيدا من أوكلهم الصعايدة للجلوس في مقاعد النواب في مجلس الشعب، الذي يرأسه عالم جليل من علماء الصعيد ، وابن المنطقة التي جرت فيها الحادثة، ولن أقول إنهم جزء منه حتي لاتجني علي النزيه منهم ، الذي يدرك معني أمانة ما أؤتمن عليه ، وأولها نقل صورة حقيقية لما يحدث في الصعيد ، والضغط بقوة من أجل إحداث تغيير حقيقي في مستوي التنمية التي تسير بسرعة اقل من سرعة السلحفاة ، وانا علي يقين انه سوف تحدث طفرة تنموية في الصعيد، لو سارت التنمية بسرعة السلحفاة. وكنت أود من الدكتور حواس مع احترامي الشديد لشخصه ولمكانته العلمية ، ألا يقبل طلب المرأة في توظيف ابنها، سواء وقعت الحادثة او لم تقع ، حتي لا تتحول الي سنة في جنوب وشمال مصر علي السواء ، ولكي تصل الرسالة الي غيرهم بأن هذا سلوك مرفوض ، وان إحراج المسئولين بهذه الطريقة لا يجدي نفعا ، وان يقوم الدكتور سمير فرج محافظ الاقصر بتوظيف الابن من حر مال المحافظة ، واقول لهذه الأم القلقة علي مستوي ابنها ، ان وظيفة الحكومة لا تستحق منها ، هذا ان فعلت ، أن تقبل رأس أو يد أي مسئول في مصر، وليس قدمه ، واسألي الموظفين عن حالهم.