النكتة الشهيرة عن الطبيب الذي اضطر للتضحية بالأم والجنين من أجل نجاح العملية تنطبق تمام الانطباق على حكومة الدكتور نظيف ورجاله من الأكاديميين “التكنوقراط ” ورجال الأعمال على حد سواء ، فمعدل التنمية ارتفع لكن الفقر زاد ، ومناخ الاستثمار تحسن ، لكن طابور العاطلين انضم إليه زبائن جدد من أرباب المعاش المبكر الذين استغنت عنهم الشركات بعد الخصخصة .. والبنك الدولي يشيد بالأداء الاقتصادي وتغيير قوانين الضرائب وتسهيل إجراءات الجمارك ، لكن الحياة تتعقد أكثر وأكثر ..والشباب يفضل الغرق أمام السواحل الإيطالية واليونانية والتركية على الحياة في قرى مصرية ليس فيها فرص عمل ولا خدمات ولا وسائل ترفيه ولا شئ على الإطلاق سوى الأرض التي كره الفلاحون زراعتها ، لأن الدولة ترفض أن تشترى المحصول في النهاية منهم ، أو تشتريه برخص التراب ، وتعطيهم القروض لشراء التقاوي والسماد بفوائد مجحفة ثم تهددهم بالسجن إذا فسد المحصول وعجزوا عن الدفع .. وشباب المدينة ليسوا أفضل حالا .. فالقاهرة أصبحت مدينة العذاب ، وأصبح حتى أهالي أقاليم مصر يفرون منها فرار السليم من الأجرب ، ويلعنون الظروف التي تجبرهم أحيانا على السفر إليها لقضاء بعض المصالح وتخليص الأوراق الروتينية في دولة هي الأغبى على مستوى العالم من حيث قواعد البيروقراطية والروتين الجاثم على أنفاس أهلها منذ زمن طويل .. القاهرة التي رفض الرئيس مبارك نقل العاصمة منها إلى مكان آخر بعد أن تكدست بالسكان والزائرين وأصيب فيها المرور بالاختناق ، وتحولت كل ساعات الليل والنهار إلى ساعات ذروة ، لا فرق بين رمضان والأعياد والأجازات واى يوم عادى ..فالطرق كلها مزدحمة ، والإشارات غائبة أو مغيبة .. والمشوار الذي من المفترض أن يستغرق نصف ساعة يستغرق ثلاث ساعات وأحيانا خمسة ، والوقت لا قيمة له لأن الناس تقضى ربع عمرها على الأقل في وسائل المواصلات أو في سياراتهم من العمل إلى المنزل .. والحكومة تصر مع ذلك على أنها ناجحة ، وأن الناس ستشعر بالإنجاز الذي حققته على مهلها وبالتدريج ، وحبة وحبة .. أما الناس فقد ضجوا وهجوا وخرجوا عن صمتهم الحكيم ، وخلعوا عباءة السلبية التي حرصوا على ارتدائها قرونا طويلة ، ولم يتخلوا عنها سوى في أحلك الظروف ، والمقصود بها هنا حين يتعلق الوضع برغيف الخبز وطبق الأرز والخضار”الكحيتى ” بدون لحم ، كما حدث من قبل في 17 و 18 يناير 77 . والغريب والعجيب أن الموظف المصري المغلوب على أمره والمطيع لرؤسائه ، تغير هو الآخر وعرف طعم التظاهر والاعتصام ، وطبعا ليس بفضل الحراك السياسي أو زيادة الوعي الديمقراطي ، ولكن لأن الأمور وصلت أيضا إلى تهديد لقمة العيش وكسرة الخبز والهدمة البسيطة التي يبدو أنها لم تعد تستره هو وأولاده ، ولم يعد تراب الميري الذي يتمرغ فيه الموظفون منذ عصور الفراعنة يكفيهم مذلة السؤال ومد اليد بالحلال والحرام لكل من هب ودب .. والخلاصة أن الحكومة اضطرت كما طبيب النكتة للتضحية بالشعب من أجل أن تعيش هي وتستمر وتتوغل وتنتشر وتطلق التصريحات المتضاربة وتصدع رؤوسنا .. بأرقام الاستثمارات والانجازات والثلاث ورقات وعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي ، ويبدو فعلا أن العملية نجحت .. لكن الشعب مات!. مواضيع ذات صلة 1. محمد رفعت: أين شهداء الصحافة العربية؟! 2. محمد رفعت: جرب أن تفقد ذاكرتك! 3. محمد رفعت : عفوا كلية الإعلام .. نادم على دخولك 4. محمد صالح: لن نتفاوض مع رفعت السعيد بعد الخطأ الذي ارتكبه في حق الحزب 5. الكاشف للتليفزيون المصري .. العليا أكملت الاستعدادات لضمان سير العملية الانتخابية