عبد الله كمال... يحلل .. الخطاب المهم فى عيد العمال هجوم سياسي من مبارك: الشعب هو الحَكم من اللافت للغاية أن الرئيس مبارك كرر في خطاب الأمس فقرة كاملة علي الأقل من الكلمة التي ألقاها في الاحتفال بذكري تحرير سيناء قبل أيام، ما يعني أنه يريد من رسالته الأولي أن تكون قد بلغت الجميع.. وهي فقرة لفتت أنظار المحللين حين قيلت قبل ما يزيد علي عشرة أيام.. واعتبرها معلقون تحذيرا واعتبرتها من جانبي نصيحة.. كما أن الرئيس كرر تعهده بانتخابات نزيهة.. وهو ما كان قد أعلنه قبل أيام أيضا.. معبرا عن المنهج الذي يلتزم به. لقد قال الرئيس إنه يتابع ما تموج به مصر من تفاعل لقوي المجتمع، ويرحب به باعتباره ظاهرة صحية، «دليلا علي حيوية مجتمعنا».. إلا أنه كرر التحسب من أن ينزلق البعض بهذا التفاعل إلي «انفلات يعرض مصر وأبناءها لمخاطر الانتكاس». نفس المعني (التحسب من مخاطر الانتكاس) وهو يتكرر في كلمات الرئيس يعني أنه لابد من التوقف عنده.. إذ يعني علي الأقل أن الرئيس قد لاحظ أن الحراك يأخذ أبعادا تتجاوز التعبير عن الحيوية.. غير أنه وهو يؤكد «كلنا مصريين في خندق واحد».. فإنه أكد أنه لا مجال في هذه المرحلة الدقيقة «لمن يختلط عليه الفارق الشاسع بين التغيير والفوضي.. وبين التحرك المدروس والهرولة غير محسوبة العواقب». وبينما كان بهذا يؤكد علي السيطرة علي إيقاع عملية التطوير والتغيير، وفي حين كان يشير بوضوح إلي ارتضائه «حكم الشعب».. فإن الرئيس ألمح إلي عدم تقبله لما يتردد بخصوص المطالبة بتعديلات جديدة في الدستور قائلا: «لا مجال لمن يتجاهل ما اعتمده الشعب من تعديلات دستورية منذ عام 2005 وما يتعين من أن يتوافر للدساتير من ثبات ورسوخ». أسئلة مباشرة غير أن الإضافة، وإن كان التكرار في حد ذاته إضافة، كانت في أن الرئيس شن هجومًا سياسيًا علي أطراف (ترفع الشعارات وتكتفي بالمزايدة).. ومن ثم فإنه وضعهم في ركن محاصرين أمام الشعب الذي هو الحكم.. وبالتالي طرح عليهم تحديات لاشك أنهم غير قادرين علي التصدي لها.. لكن ما قاله الرئيس كان يعني أن ينقلهم إلي مواجهة الاختبار الحقيقي بدلاً من الكلام، وأسئلة الاختبار التي طرحها الرئيس عليهم هي: أن يجيبوا عن تساؤلات البسطاء من الناس.. ماذا لديهم ليقدموه لهم؟ ماهي سياساتهم لجذب الاستثمارات وإتاحة فرص العمل؟ ما هي برامجهم لرفع مستوي معيشة محدودي الدخل؟ كيف يرون التعامل مع مخاطر الارهاب علي بلدنا وشعبنا؟ ما هي مواقفهم من قضايا سياستنا الخارجية في منطقتنا والعالم من حولنا؟ وعلي الرغم من هذا الهجوم السياسي الساحق، ساحق لأنه في رأيي من طرحت عليهم التساؤلات ليست لديهم إجابات، فإن الرئيس دعا مجدداً إلي (كلمة سواء).. متعهدا بالاستمرار في (إصلاحات سياسية ترسخ دعائم الديموقراطية.. تدعم دور البرلمان والأحزاب وتعزز استقلال القضاء.. وتنأي بالدين عن السياسة). معني ورسالة وإذا كانت هذه الرسالة السياسية هي الأهم من تلك الناحية في هذا الخطاب، فإن فعالية عيد العمال وما قاله الرئيس مبارك فيها تضمنت معني مهما ورسالة أخري موجهة بشكل مباشر إلي العمال وإلي المجتمع الاقتصادي. المعني جاء إلي الرئيس من القاعة، ورد عليه هو بدوره في خطابه، كما لو أنه كان يتوقعه، إذ لقي الرئيس في قاعة خوفو في مركز المؤتمرات من ممثلي العمال، الذين احتشدوا لتحيته، لقي حفاوة بالغة.. ودعوات متكررة.. وتمنيات بدوام الصحة.. وتصفيقات متواصلة استدعت وقوف الحضور لدقائق طويلة في بداية اللقاء.. وكذلك في مقاطعات شعرية وشعارية متوالية حاول فيها الحاضرون من العمال أن يعبروا عن محبتهم الأكيدة للرئيس. لقد رد مبارك علي هذه الحفاوة، التي توجز رسالة عاطفية شعبية موجودة بالفعل لدي كل فئات الشعب تجاه الرئيس، رد بأن قال في خطابه ( كواحد من أبناء مصر.. أجد نفسي اليوم وأكثر من أي وقت مضي.. أقوي عزما وأشد تصميما.. علي ألا يرتد مجتمعناً إلي الوراء.. لا بديل لنا عن المضي إلي الامام). واستخدم مبارك عبارات ذات دلالة: (واثقين من أنفسنا).. (موقنين برؤيتنا وسياستنا).. (مؤمنين بمستقبلنا وعزيمة شعبنا).. نافيا أيا من المعاني التي تخالج دعاة الفوضي.. قائلا: (لانتردد ولانتزعزع).. (نمضي في طريقنا نحو انطلاقة جديدة وغد جديد) . وقد كرر الرئيس حديثه عن (الانطلاقة الجديدة) في الخطاب أكثر من مرة.. بل انه افتتح بها الخطاب.. مؤكدا أنه أما وقد وضعنا أرجلنا علي الطريق الصحيح.. فإنه موجها كلامه لعمال مصر: «سوف تجدونني دائما إلي جانبكم.. حافظا لعهدي معكم.. منحازا لقضاياكم». أجور وإنتاجية وينقلنا هذا إلي الرسالة الرئيسية غير السياسية في الخطاب، إذ ربط الرئيس بين الأجور والإنتاجية، وأكد علي ملامح التطور الاقتصادي .. وكيف أنه ينتقل من مرحلة الي أخري.. وقال: «كما قمنا بتطوير وإصلاح الأصول المملوكة للدولة لدعم قدرة شركات قطاع الأعمال علي المنافسة».. ثم أضاف: «لاتزال الحاجة قائمة إلي مراجعة دقيقة للتشريعات الحاكمة بين أرباب الأعمال والعمال.. بما يحقق عدالة وتوازن هذه العلاقة.. وتفعيل الرقابة عليها.. والتزام الشركات بمسئوليتها الاجتماعية». لم يكتف الرئيس بتحديد الملامح، بل إنه وضع يده مباشرة علي لب الموضوع الحيوي الذي تثيره المواقف العمالية المختلفة الآن.. ودعا الحكومة والبرلمان إلي إنجاز القوانين ذات الصلة التي تحقق مايلي: زيادة مطلوبة في النشاط الاقتصادي . تحقيق المزيد من الاستثمار وفرص العمل. السماح بتخارج الشركات في حال اضطرارها إلي ذلك مع توفير الضمانات القانونية للمحافظة علي حقوق العمال.. بما في ذلك أولوية سداد مستحقاتهم المالية.. دون مماطلة.. أو إبطاء.. وعدم الإخلال بحقوق باقي الدائنين. وعلمت في هذا السياق أن ما قاله الرئيس علي هذا النحو إنما يتعلق بمجموعة قواعد إعلان الإفلاس، الإجباري أو الاختياري، الذي يؤكد علي أولوية سداد حقوق العاملين في آجال محددة.. لمن تخارج من السوق.. ويتعلق هذا الأمر بقواعد الإفلاس والصلح الواقي منه في قانون التجارة.. كما يتعلق بطرق سداد المديونية في حالة التخارج في قانون الشركات. وإذا كان الرئيس قد تطرق إلي هذا الأمر الذي أثيرت بسبب اختلال قواعده أو عدم تطورها مشكلات عمالية في الأيام الأخيرة.. فإنه كذلك طرح علي الحضور رؤيته لموضوع الأجور.. مشيراً إلي أنه قد حدثت زيادات في الأجور عاما بعد عام.. ليس من خلال قرارات إدارية تلتهمها زيادة الأسعار.. وإنما بجهود مستتره لرفع إنتاجية العمال وجهود موازية للسيطرة علي غلاء الأسعار. وقد ركز الرئيس علي القاعدة الاقتصادية المهمة.. التي قال حولها: (أي مراجعة لهياكل الأجور لابد أن تعي العلاقة الأساسية بين الأجور والإنتاجية.. وإلا فإن أي زيادة غير واقعية في الأجور لا تعكس مستوي الإنتاجية ستؤدي إلي تراجع قدرتنا التنافسية وانحسار فرص العمل وزيادة التضخم ).. وتساءل الرئيس: هل هذا ما نريده.. وهل هذا ما يعود بالنفع علي المجتمع متابعة شاملة بالصور ص تحقيقات وحوارات