لرؤية أبعاد أزمة دول منابع حوض النيل المطالبة بإعادة تقسيم حصص مياه النهر ودولتي المصب مصر والسودان المتمسكتين بالحق التاريخي والاتفاقيات السابقة، علينا تجميع كامل أجزاء المشهد لتتضح الصورة والأجزاء متناثرة بين القوي العالمية المتصارعة فأصبحنا نعيش عولمة الصراعات والأزمات مما يستوجب عولمة المواجهة. أزمة المياه عالمية يعانيها الكثير من بلدان العالم ومنها في المنطقة إيران وإسرائيل والأردن وسوريا إلا أن الأزمة الأعم والاشمل هي أزمة الطاقة والغذاء التي دفعت دولا مثل أمريكا إلي إجراء أبحاث تحويل الحبوب النباتية إلي طاقة في الوقت الذي تضرب فيه المجاعات مناطق يقطنها مليار إنسان. بوضوح أكثر أفريقيا وخاصة دول حوض النيل باستثناء مصر ستتحول في السنوات المقبلة إلي ساحة للصراع العالمي، بل تحولت بالفعل. فعلي الأرض الافريقية الآن تتصارع إسرائيل وإيران، ففي حين تسعي إسرائيل إلي السيطرة الاقتصادية وتأمين احتياجاتها من الغذاء من خلال زراعة مئات الأفدنة بمياه النيل، تسعي إيران والصين وأمريكا لذات الهدف، لكن لاسرائيل أهدافاً أخري وهي حصار مصر ودول الجوار من خلال السيطرة علي شريان الحياة النيل بخلق مصالح مع دول المنبع. إسرائيل تشعل الحروب الاهلية في الدول الافريقية وتمول الميليشيات وتقدم لها السلاح بأبخس الأسعار لتحويلها إلي دويلات صغيرة ودعمها لانفصال.. جنوب السودان نموذج وفي حال الانفصال سيطالب الجنوب بتأمين حصة من مياه النيل التي ستختصم من حصة مصر. إيران تسعي للمواد الخام في دول أفريقيا مثل اليورانيوم والذهب والماس وإسرائيل تسابقها لتحقيق نفس الهدف إيران تستهدف المسلمين الافارقة بمشاريع التشيع وإسرائيل تري في بسط نفوذها المخابراتي وربط المصالح المشتركة بحكومات أفريقيا فرصة لامتلاك أوراق جديدة لدعم المواقف الاسرائيلية في المحافل الدولية وتحجيم المد الاصولي الاسلامي في أفريقيا والحيلولة دون استغلال جماعات التطرف مثل القاعدة لضعف القبضة الامنية في بعض دول أفريقيا لإنشاء معسكرات تدريب. الصين تستهدف أراضي أفريقيا الخصبة وكثافتها السكانية لخلق أسواق جديدة لتصريف الانتاج وهو نفس الهدف الأمريكي يضاف إليه تأمين مصادر المواد الخام والتي تعاد إلي السوق الأفريقية في شكل منتج، دون أن نغفل حملات التبشير الديني لخلق تبعية دينية. ولكي يتحقق العامل الأمني وتتحول أفريقيا لسوق لتصريف الانتاج فلابد من الارتقاء بالمستوي الاقتصادي للفرد الافريقي وهو ما تسعي له قوي الصراع العالمي من خلال دعم الحكومات الافريقية الخاضعة للسيطرة بإنشاء المشروعات التنموية واستيراد ثرواتها الحيوانية وإنشاء السدود التي ستخنق حصة مصر. خطورة الوضع لاتعني استحالة المواجهة بل تتطلب الدخول في تحالفات عالمية أي عولمة المواجهة فمن الاستخفاف بالعقول مقارنة بما يحدث اليوم بدور مصر في أفريقيا في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. فأفريقيا ليست محتلة اليوم عسكريا كي تدعم مصر حركات التحرر، بل اتخذت أشكالا جديدة في مقدمتها الاستعمار الاقتصادي وما تقدمه دولة مثل الصين وإسرائيل من أموال لدول حوض النيل يفوق أضعاف ما تقدمه مصر ولن تستطيع مصر بأي حال من الاحوال مجاراة تلك الدول في إنفاقها. وللحديث البقية