حتي تري الصورة واضحة كاملة التفاصيل، عليك جمع جميع جزئياتها المتناثرة في العالم، ففي ظل عولمة الأزمات والصراعات والتحديات، بات هناك أكثر من لاعب علي الساحة الدولية شريكاً في صناعة الحدث الواحد بشكل أو بآخر. فكيف نري أزمة تزايد الأخطار المهددة للمورد الرئيسي للمياه في مصر، مع تزايد مطالب دول حوض النيل بإعادة تقسيم حصص المياه بالتساوي والتهديد بتوقيع اتفاق إطاري بعيداً عن مصر والسودان؟ والأهم كيف نخرج بحلول لمواجهة الواقع الراهن؟ شهد عام 1800 بداية التعداد السكاني في مصر حيث بلغ تعداد سكان مصر 2.5 مليون وهو نفس العام الذي شهد بدء الاتفاقيات المنظمة لحصص المياه لدول حوض النيل، ومع ثبات حصة مصر عند 55.5 مليار متر مكعب توالت الزيادة السكانية من 15.9 مليون نسمة عام 1937 إلي 36 مليوناً عام 1976 وحتي 75 مليوناً في 2007 وتشير التقديرات إلي تزايد عدد سكان مصر اليوم علي 80 مليون نسمة. ووفقاً لخطط التوسع الزراعي تستهدف مصر استصلاح 3.5 مليون فدان حتي عام 2017 لملاحقة الفجوة الغذائية الناجمة عن الزيادة السكانية. ولتضح الصورة فإن احتياجات مصر من المياه المستخدمة في الزراعة وفقاً للاستهلاك الفعلي عامي 2007/2006 بلغت 59.3 مليار متر مكعب أي بما يفوق حصة مصر من مياه النيل بحوالي 3.8 مليار متر مكعب، دون أن نتجاهل الموارد الأخري للمياه والتي تصل إلي 6 مليارات من المياه الجوفية و1.3 مليار أمطار و12 مليار متر مكعب من الصرف الزراعي إلي جانب الموارد النابعة من تحلية مياه البحر. إذن الوضع خطير فنحن لا نحتاج الحفاظ علي ثبات حصة مصر من المياه فقط بل نحتاج إلي نمو في الموارد المائية المصرية فالقضية أمن قومي وغذائي بالدرجة الأولي قضية حياة أو موت. عولمة الغذاء والصراع جعلت التنافس علي منابع النيل غير قاصرة علي دول حوض النيل العشر وحدها، فمعظم تلك الدول لا يستهلك عشر الموارد التي يطالب بها في الأتفاقية الإطارية كون معظم دول حوض النيل تعتمد علي كثافة الأمطار، فالمدقق في جزئيات الصورة يكتشف أن إسرائيل وإيران والصين وأمريكا وغيرها من الدول التي تفصلها عن حوض النيل آلاف وملايين الأميال تتصارع اليوم علي مياهه وأسواق أنتاجه وثروات أفريقيا.. كيف؟ جزء من الاجابة يكمن في البحث الذي أجراه المعهد العالمي للمياه بأستوكهولم. عن طريق الفرع البريطاني من صندوق المياه البرية، والذي كشف أن فنجان القهوة يستهلك لانتاجه 140 لتر مياه باحتساب جميع المراحل بداية بالمياه المستهلكة في زراعة البن وحتي آخر مراحل الأنتاج وضعفها لأنتاج كيلو من اللحم باحتساب المياه المستهلكة في انتاج غذاء الحيوان وما يستهلكه الحيوان انتهاء بالمياه المستهلكة في الطهي. إذن تلك الدول تسعي إلي استيراد المياه في شكل منتجات بأقل تكلفة، عن طريق شراء واستئجار آلاف الأفدنة في أفريقيا لزراعتها بمياه النيل ثم تعبر المنتجات القارات للمستهلك الأوروبي، هذا ليس الهدف الوحيد. للحديث بقية