يبدو أن نغمة " وضاع العمر يا ولدي " لم تجد طريقا أمام بعض اللاعبين الذين استثمروا خبرتهم الواسعة ولياقتهم العالية لمواصلة مشوارهم رغم وصولهم إلي أواخر الثلاثينات من عمرهم وحتي أكثر من ذلك . فهناك العديد من الرموز الكروية الذين واصلوا تأديتهم للمهام الملقاة علي عاتقهم بامتياز رغم تجاوزهم سن التقاعد الكروي المتعارف عليه " سن اليأس " وهو ما جعلهم محط احترام المشجعين والمدربين وزملائهم علي حد سواء . فعندما نتطرق للحديث عن النجوم الذين تألقوا في سن اليأس يتبادر الي الأذهان مباشرة اسم اللاعب الايطالي العملاق "باولو مالديني " الذي نال النصيب الأكبر من عشق الجمهور الإيطالي، وقد أعلن اعتزاله نهاية الموسم الماضي بعد أن واصل مسيرته الكروية حتي تجاوز الحادية والأربعين من عمره . كذلك لا يمكن لأحد أن ينسي الكاميروني روجيه ميلا الذي أصبح أيقونة ورمزًا في ملاعب كرة القدم بعد تسجيله أربعة أهداف خلال كأس العالم بإيطاليا 1990، رغم أنه كان في الثامنة والثلاثين من عمره . والأمر المذهل هو عودة ميلا مجدداً إلي المسرح العالمي بمشاركته مع منتخب بلاده في الولاياتالمتحدة 1994 ونجح في تجاوز عائق التقدم بالعمر واللياقة البدنية وأصبح أكبر لاعب يسجل في نهائيات العرس الكروي العالمي بعدما وجد طريقه إلي الشباك الروسية . معمرون ذهبيون وتطول لائحة المعمرين الذهبيين حيث تضم تيدي شيرينجهام الذي أصبح في سن الثالثة والأربعين.. أكبر لاعب علي الإطلاق يشارك في الدرجات الأربع الأولي في انجلترا، وهو يستعد للعودة الي اللعبة من خلال انضمامه لفريق بيكينهام تاون الذي يشارك في دوري "كينت" المحلي. وسيعادل نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي سابقاً إنجاز المهاجم الكولومبي القصير القامة أنطوني دي أفيلا الذي عاد عن اعتزاله اللعب بعد 12 عاماً وارتدي حذاءه مجدداً للمشاركة مع فريق أمريكا دي كالي خلال الأشهر الماضية رغم وصوله إلي الخامسة والأربعين من عمره . وهناك أحد اللاعبين لا يزال يواصل مشواره الكروي بقوة وهو لاعب ومدرب ترينيداد وتوباجو راسل لاتابي البالغ من العمر 41 عاماً . وقد أظهر المهاجم المصري المخضرم حسام حسن أنه لا مستحيل في عالم كرة القدم بعدما شارك في بطولة الأمم الأفريقة عام 2006 وهو في الأربعين من عمره و قدم سيمفونية من العطاء و تفوق علي معظم زملائه الشبان في كأس الأمم الأفريقية التي أحرز لقبها المنتخب المصري . ولكن اللاعب الذي يتفوق علي الجميع في تحدي سن اليأس هو البرازيلي سقراط الذي سجّل عودة وجيزة إلي الملاعب في الخمسين من عمره عندما لعب مع فريق جارفورث تاون الإنجليزي عام 2004، ليثبت أنه في حال كنت تملك المتطلبات اللازمة فالعمر لن يكون عائقاً . حراس لا يعرفون اليأس من المتعارف عليه في الملاعب أن حراس المرمي يتمتعون بعمر كروي أطول من زملائهم اللاعبين، وهم غالباً ما يقدمون أفضل مستوياتهم بعد تجاوزهم الثلاثين من عمرهم . وهناك مثالان يعكسان هذا الواقع بطريقة مثالية هما الثنائي الإنجليزي بيتر شيلتون وديفيد سيمان ، فيما أظهر دينو زوف أن قدرته بين الخشبات الثلاث لم تتأثر علي الإطلاق بالعمر، إذ ساهم في قيادة إيطاليا للفوز بكأس العالم 1982 وهو في الحادية والأربعين من عمره . ولكن هناك حارسًا تفوق علي هذا الثلاثي وهم كارلوس مونتويا خليفة حارس مرموق آخر هو هيوجو جاتي . ودافع مونتويا عن شباك فريق بوكا جونيورز خلال التسعينيات وهو لم يعتزل إلا مؤخراً وتحديدا في يوليو من هذا العام وهو في الرابعة والأربعين من عمره . وخلال مسيرته الطويلة اختبر مونتويا واقعة غير مألوفة وهي أن شباكه اهتزت عبر نجله جونزالو حيث سجل في مرماه عام 1990 . وتحدث نافارو مونتويا عن مشواره الطويل قائلاً "عندما تصل الي عمر معين تعلم كيفية القيام بعملك ونقاط قوتك بشكل أفضل. ولكن صعوبة الوقوف تزداد تدريجياً في كل مرة تسقط فيها أرضاً خلال محاولة إنقاذ المرمي " . ونبقي في أمريكا الجنوبية وهذه المرة مع خوان كارلوس بازالار ونجله كارلوس ألونزو اللذين دخلا التاريخ عندما شاركا مع سيينسيانو البيروفي جنبا إلي جنب في المباراة التي فاز بها الأخير علي خوان أوريش 3-2 في الدوري المحلي في مايو 2008 . وبدا بازالار الأب الذي ارتدي شارة قيادة منتخب البيرو في كوبا أمريكا الأخيرة، متأثراً تماماً بهذا الأمر حيث قال "أنا فخور جداً باللعب بجوار ابني .. كل شيء حلمت به تحول إلي حقيقة " الآباء الشعبيون عندما برز بيليه علي الساحة الدولية سرعان ما أطلق عليه لقب الجوهرة السوداء. ولكن ما لا يعرفه الكثير من الأشخاص هو أن النجم البرازيلي لم يكن أول لاعب يطلق عليه هذا اللقب، إذ سبقه الي هذا الشرف الأسطورة المغربي " العربي بن مبارك". ولد بن مبارك في الدارالبيضاء عام 1917 وأصبح الهداف المميز من رموز فريقي أتلتيكو مدريد الإسباني وأولمبيك مارسيليا الفرنسي، وعندما وضع حداً لمسيرته الكروية كان في الأربعين من عمره، إلا أن هذا الأمر لم يمنعه من المحافظة علي فنياته الباهرة وغريزته القاتلة اللتين تمتع بهما في أوج عطائه الكروي . وكان هذا اللاعب في مكانة كروية جعلت حتي بيليه الموهوب جداً يتطلع اليه كقدوة ، وقال النجم الأسطوري البرازيلي صاحب الرقم 10 في أكثر من مناسبة عن بن مبارك: "إذا كنت أنا الملك فهو القيصر». ولم يكن الفرنسي ميشيل بلاتيني العضو الوحيد في عائلته الذي صنع اسماً لنفسه في عالم كرة القدم ، لأن والده ألدو لعب لفريق مسقط رأسه جوف حتي بعد تجاوزه الأربعين من عمره، وهو الأمر الذي أحرج في بعض الأحيان ابنه الأكثر موهبة منه. ويتحدث بلاتيني الإبن عن الماضي قائلاً "أتذكر عندما ذهبت مع والدتي في أحد الأيام لمشاهدته يلعب. كان يتحضر لتنفيذ ركلة حرة ثم بدأ قسم من الجمهور يسخر منه. كانوا يصرخون أشياء مثل -هل لا يزال هذا الرجل العجوز يلعب؟- شعرت بالإحراج قليلاً ولكن والدي نفذ الركلة الحرة وسجل هدفاً ثم احتفل وتوجه إلي المدرجات صارخاً: الآن تعلمون ما بإمكان هذا الرجل العجوز فعله!" وهناك عضو آخر من نادي الأربعين وهو المدافع الإسباني-البرازيلي المتعدد المواهب دوناتو الذي أصبح بمثابة "المؤسسة" خلال شيخوخته الكروية في ديبورتيفو لاكورونيا. وخاض دوناتو الذي عرف باسم "إل أبويلو" (أي الجد)" 466 مباراة مع أتلتيكو مدريد وديبورتيفو وسجل خلالها 49 هدفاً من بينها الهدف الذي جعله أكبر هداف علي الإطلاق في تاريخ الدوري الإسباني. وأصبح دوناتو عندما اعتزل في الحادية والأربعين من عمره تقريباً، أحد أكثر اللاعبين المحبوبين في تاريخ الكرة الإسبانية.
