التغيير سنة من سنن الطبيعة وركن أساسي في مسار الخليقة وضرورة من ضرورات الحياة.. ذلك لأن التغيير للأحسن هو الأرضية الأساسية للتطور.. والتطور هو المرحلة الناضجة الواعية المدركة لمنهج التغيير وآلياته والمهيئة لأرض الواقع لهذا التغيير المطلوب والمنتظر.. ولذا فليس التغيير نظرية بذاتها ولا منهج منفصل عن الواقع ومعطياته ولا بشر منفصلين عن هذا الواقع ومغيبين بعيدا عن هذا التغيير.. بل التغيير كل هذه العوامل مجتمعة ومتناسقة ومتكاملة.. وبغير ذلك يظل التغيير دعوة بلا داع.. وأرضًا بلا ماء ونظريات لا علاقة لها بواقع.. بل يظل هذا التغيير دعوة للتسلية وللعب دور مفقود ولظهور إعلامي مطلوب. وعلي ذلك فالحياة السياسية والحزبية المصرية ومنذ تجربة التعددية الشكلية والتي أقرت بالقانون 40 لسنة 77 وهي تعافر وتناطح مطالبة بهذا التغيير ومع هذا كانت البداية الحقيقية والنجاح المقدر عندما اجتمعت أحزاب المعارضة مجتمعة عام 1987 في مؤتمر المعارضة في ميدان عابدين.. وكان من نتائج ذلك المؤتمر طلب رئيس الجمهورية الاستفتاء علي حل مجلس الشعب لعدم دستورية قانون الانتخاب بالقائمة النسبية.. وظلت تلك المؤتمرات تعاد وتعاد ومنذ عام 1992 دون جدوي.. ذلك نتيجة لذلك المرض النرجسي الذي أصاب تلك الأحزاب والذي مازال يصيبها حتي الآن، ذلك المرض الذي يصور لكل حزب أنه الأول والأكثر نضالا وأنه قادر علي الزعامة والتغيير والذي يمتلك الحقيقة السياسية بمفرده.. ذلك المرض الذي وللأسف الشديد قد انتقل من الأحزاب إلي الأشخاص حيث إنه من الواضح أنه مرض فرعوني أصيل متأصل فينا جميعا وعلي كل المستويات.. ثم انتقلت عدوي المطالبة بالتغيير من الأحزاب إلي الأفراد وإلي بعض المنتديات وأن كان هؤلاء الأفراد وتلك المنتديات لم تكن بعيدة عن الأحزاب أيضا فالجميع هم شلة واحدة متغيرة الأماكن ولكن الأدوار كما هي.. إلي أن كان ما يسمي بالحراك السياسي والذي تواكب مع العام 2003، 2004، حيث إن هذا الحراك كانت له أسبابه الداخلية والخارجية.. مع العلم أن الأسباب الخارجية قد كان لها النصيب الأكبر للتأثير علي الأسباب الداخلية.. والأسباب الخارجية كانت المظاهرات المليونية للموالاة وللمعارضة والتي تمت في لبنان ثم كانت ما أطلق عليه الثورات البرتقالية في جورجيا ومثيلاتها.. وكان السبب الأهم هو سياسة بوش الأمريكية ووزيرة خارجيته في التشدق بنشر الديمقراطية في المنطقة هذه الأسباب وأهمها السبب الأخير قد حمس البعض فكانت حركة كفاية تلك الحركة التي كانت بداية حقيقية لشيء واحد هام ومهم وهو كسر شوكة النزول إلي الشارع في شكل حركات تظاهرية.. انتقلت تلك التظاهرات من سياسية إلي نقابية ومطلبية لكل قطاعات الشعب المصري مما أفقدها تراكمها السياسي الحقيقي لإحداث التغيير السلمي المطلوب.. ولكن وللأسف لوجود نفس الشخصيات الباحثة عن دور والمتطلعة للإعلام وفقط فقد انتقلت أمراض الأحزاب المصرية إلي كفاية وكان ما كان.. ولكن علي كل الأحوال ففي ظل كل هذا كانت هناك أجندات للإصلاح والتغيير من كل الأحزاب والمنظمات الشرعية وغير الشرعية جماعات وأفرادًا وتقريبا لم تختلف كل تلك الأجندات حول بنود الإصلاح وإن كانت قد تعددت الجماعات والتنظيمات دون داع.. وبلا سبب سياسي حقيقي يفعل هذا التغيير.. وعدم التفعيل هذا لأن كل تلك الأجندات ومروجيها من أحزاب ديكورية ومنظمات احتجاجية وشخصيات باحثة عن دور طوال الوقت.. كلهم توقفوا عند الإعلان الإعلامي لأجنداتهم هذه دون الوصول بتلك الأجندات إلي الشارع السياسي ولا المواطن المصري صانع التغيير وهدف التغيير.. ولذا تحولت فكرة الإصلاح والتغيير بالرغم من خطورتها وأهميتها إلي سبوبة إعلامية لمجرد التواجد السياسي والإعلامي وكفي المؤمنين شر القتال.. وفي ضوء هذا الواقع النظري المظهري جاء البرادعي فالتف حوله نفس الأسماء والشخصيات التي لفت علي كل الأحزاب والمنظمات والتنظيمات والتي أزهقت البشر من أشكالهم في الفضائيات لدرجة أن المواطن يخاف أن يفتح البوتاجاز حتي لا يخرج أحدهم منه متحدثا عن الإصلاح والبنود الذي يناضل من أجله هذا المناضل.. لذا فوجئنا أن بيان البرادعي المنتظر هو نفس البيان والكلام نفس الكلام ولا جديد علي الإطلاق. يا سبحان الله نفس الأشخاص ونفس الأجندة فما الجديد إذن؟ هل الجديد في البرادعي ذاته وكأننا نعاني من حكم الفرد منذ الفراعنة فنسقط في نفس الفخ فنتوهم أن البرادعي هو الملاك المنقذ أو هو المسيح المخلص. مع ذلك ولأن البرادعي جاء بجديد وهو إنكاره للأحزاب وسخريته منها بل تجاهلها. وجدنا تلك المسة الحياتية التي انتابت الأحزاب الأربعة التي تقول عن نفسها أنها أكبر الأحزاب مع العلم أنه لا يوجد أحزاب بالمفهوم السياسي لا للأربعة ولا للأربعة والعشرين. وكانت مسة الحياة هي ذلك المؤتمر ثلاثي الأيام والذي دعي إليه نفس الأشخاص. ولا تغيير. ومنهم وعلي رأسهم اتباع البرادعي الذين لا يؤمنون بالأحزاب ويسفهونها ليل نهار. وكان حظي العاثر حضور الجلسة الأولي لهذا المؤتمر في إحدي الفضائيات. فالكلام هو هو والمطالب لا تتغير والأجندة لا تتغير. إذن ما العمل يا سادة يا مناضلين؟ بداية نحن بلا شك مع هذا التغيير وذلك الإصلاح بل إنني ضمن تلك الحركات والأحزاب وقد شاركت في معظم تلك المؤتمرات والجلسات التي ناقشت وطالبت بهذا التغيير. كما أنني بلاشك مع تعديل المواد 76، 77، 88. ومع نزاهة الانتخابات والإشراف القضائي وتداول السلطة إلي آخر تلك المطالب التي أصبح الحديث فيها وعنها مملاً ونظرياً ومخجلاً. ولذا فلم أستطع المواصلة لا مع المواقع الحزبية التي شغلتها في أكثر من حزب ولا في كفاية التي كنت أحد مؤسسيها ولا مع تلك الفورة البرادعية أو المسة الحياتية الحزبية. حيث إن كل هذا إذا لم يتحول إلي برامج سياسية وخطط عملية تترجم من خلال الارتباط بالشارع السياسي لكسب مصداقية المواطن أولاً وقبل أي شيء حيث إن الواقع يقول إنه بالرغم من خطورة وكارثية المشاكل التي يعيشها المواطن والتي لا تخفي علي أحد. بالرغم من ذلك فتلك المشاكل حاصرت المواطن وسلبته الإرادة وأفقدته القدرة علي المشاركة. ولذا وبدون مشاركة للمواطن بعد إقناعه من خلال الحركة معه وبه لن يكون هناك رأي عام ضاغط يقنع النظام بالتغيير السلمي والشرعي والقانوني. وهنا نقول للنظام وللحزب الحاكم. إن النظر لواقع المعارضة المترهل وغيابها المخجل فأنت أحد الأسباب لذلك. فلا تتصور أن الأمر سيظل كذلك. ولكن الحزب الواعي سياسياً هو الذي يلتحم بالجماهير ويمسي نبضها ويتبني مشاكلها ويحقق طموحاتها. وهذا وفي ظروف الوطن الآن يتطلب من الجميع نسيان كل شيء عدا مصر الوطن. مصر كل المصريين.