من وقت لآخر تنفجر قضية من قضايا دور النشر التي تتلاعب بشباب المبدعين، ماديا ومعنويا، وقد عالجنا هذا بالتفصيل في تحقيق سابق، ولكن يبدو أن المسلسل يأبي الانتهاء فلا المبدعون يتعظون بما يحدث لأقرانهم ويتحققون من سمعة ومكانة الدار التي يوكلونها بنشر إبداعهم، ولا دور النشر تتوقف عن تلاعبها. فجر الكاتب كمال القاضي مؤخرا قضيته مع دار "فكرة" عن كتابه "السينما شاهد إُثبات"، وقام باتخاذ إجراءات قانونية تجاهها لعدم التزامها بالشروط التي تم إبرامها في العقد، يتحدث القاضي عن مشكلته قائلا: حصل رأفت أبو عيسي علي كتابي قبل افتتاح الدار، ووعد بأنه سيكون مفتتح الدار، ولكنه لم يفعل، وقلت له إن كان العمل غير جيد أعده لي، فقال لا، فطالبته بإبرام عقد، فوافق وأبرم العقد، ومر ثلاثة معارض كتاب دون طبع، فقمت بإنذاره قانونيا لإعادة مسودة الكتاب، فإذا بي أفاجأ به يقول أنه طبع، وأنه شارك به في معرضي الإمارات والأردن، فتعجبت منه كيف يرسل كتابي للخارج دون أن أراه في الداخل، فبدأت أطالبه بنسخ الكتاب ال100 التي ينص عليها العقد، وقمت منذ حوالي ثلاثة أيام بتحريك إنذار ثان بضرورة توزيع النسخ وحصول المؤلف علي ال100 نسخة. وأكمل: لم ينته الأمر عند ذلك بل فوجئت به وقد حذف أجزاء من الكتاب، ومن بين المحذوفات فيلم مكاوي سعيد، لكنه ينكر ذلك أيضا، كما لم يلتزم بوعده بأن الكتاب سيكون "هارد كوفر"، ولم يصحح الخطأ الوارد في ظهر الكتاب، رغم أنه من عرض تعديله وليس أنا، فضلا عن تضارب أقواله، فمرة يقول أن طباعة الكتاب كلفته 28 ألف جنيه، ومرة يقول كلفني 18 ألف جنيه، وحتي بعد طبع الكتاب لم يعطيني بعد ال100 التي لي عنده. وواصل: حصل علي رقم إيداع للكتاب بتايخ 2008، رغم أنه طرحه بالأسواق في 2010، ولم يغير التاريخ فخرجت مكتوب عليها "الطبعة الاولي 2008"، ولم يعدل التاريخ، حتي السعر جعله 25 وليس 20 جنيها، مع غلافه العادي، وحين سألت عنه في المكتبات التي قال لي عليها وهي "سندباد" و"عمر بوك ستور" و"البلد"، وجدته أرسل لكل منهم خمسة نسخ فقط، بيع معظمها، كما أني لم أر منه شيئا من نسبة ال25٪ من الأرباح التي أقرها علي نفسه في العقد. وفي نهاية حديثه قال القاضي: سأتسامح في الجزء المحذوف، ما أريده هو ال100 نسخة نصيبي، وأن يتم طبع النسخ التي اتفقنا عليها وعددها ألف، وتوزيعها بصورة جيدة. وكشف القاضي أنه ليس الوحيد الذي له مشكلة مع الدار، وأن هناك قضية مرفوعة عليه من محمد عطية، الذي مزق تعاقده مع أبو عيسي، فطبع الأخير الكتاب، فاتهمه عطية بالسطو والسرقة، كما أن له مشكلة أيضا مع الدكتور مدحت طه الذي لم يطبع له ديوانه و لم يعد له الأصل، وإن كان هذا يدل علي شيء، فعلي أنه يتعامل مع المثقفين باستهانة. للدار مشكلة أخري مع الكاتب سيد سعد مؤلف كتاب "أساطير الليبرالية" وهو الآن مقيم بالسعودية، تحدثنا إلي محاميه الأستاذ أسامة حداد فقال: لقد أخلت الدار إخلالا جسيما بتعاقدها مع موكلي، فلم يحترموا التعاقد الذي ينص أن الكتاب كان من المفترض أن يصدر في موعد محدد، مع تسليم موكلي عددًا معينًا من النسخ، وتوزيعها، مع تسليمه نسبة، فالإيداع مخالف، وشكل الكتاب مخالف، ورغم أن رأفت أبو عيسي صديقي علي المستوي الشخصي، إلا أني لم أكن أتوقع منه أن يتعامل مع المثقفين بهذا الشكل، فاحترام العقود شيء أساسي. جرجس سعد، روائي عمره 35 عاما، عاني هو الآخر من مشكلة مع دار "فكرة" يقول عنها: اتفقت مع أصحاب الدار علي نشر رواية لي بعنوان "كتاب الوجه"، واتفقنا علي مبلغ ألف وخمسمائة جنيه، أعطيته منها 1250 وأعطاني إيصالات باستلامه المبلغ، الذي تبقي منه 250 جنيها علي أن يكون موعد النشر في إبريل 2009، إلا أنه بدأ في المماطلة، فلم يطبع الكتاب، كما لم يعد لي المبلغ، وحين ذهبت له مع بعض الأصدقاء كشهود، لمطالبته بحقي عاملنا بطريقة سخيفة، وأمر العمال بأن يتعدوا علينا بالضرب وقال لي اذهب إلي النيابة، وقد ذهبت بالفعل، وحركت ضده دعوي منذ حوالي أربعة أو خمسة شهور، ولست وحدي من رفع عليه قضية، فهناك الشاعر أيمن عبد المعطي صاحب ديوان العامية "خيال ضل أم حسين"، والكاتب ياسر عبد الله. محمد مخلوف كاتب رواية "المدينة التائهة"، تعرض هو الآخر لمشكلة مع الدار، فيما يتعلق بشروط العقد التي وصفها بأنها غريبة، والتي نصت علي أن يتم النشر خلال ثلاثة شهور، ولكن النشر جاء بعد 11 شهرًا، دون دعاية، أو توزيع جيد، حتي أنه لم يحصل علي نسخه المجانية، بسبب خلافه مع الدار التي كان من المفترض أن يحصل منها علي 25 نسخة و15٪ من الأرباح، مقابل 1500 جنيه، مفترض أنهم يشكلون ثلث التكاليف. وأكمل: لم أتمكن من الوصول لاتحاد الناشرين، رغم تأكيد الجميع أن اتحاد الناشرين لن يأخد أي خطوة، ولجوئي للقضاء لن يكون إلا في آخر مرحلة، إذا لم يصلح الحل الودي في فسخ العقد أو تعديله أو توزيع الكتاب بصورة مرضية، وإنه لأمر صعب أن أري كتابي ملقي في المخازن لا أحد يعرفه. وأتمني علي اتحاد الناشرين، أن يتدخل لحل مثل تلك الأزمات، فالمبدعون ومنهم انا لا نحب المشاكل، لذا علي الاتحاد أن يقف بجانب الشباب الذي يتعرض لأقسي أنواع الابتزاز من دور النشر التي تعامله وكأنه يتسول، رغم أنه من يقوم بدفع الأموال، نريد آلية محددة لحماية الكتاب الشباب. عبد اللطيف عاشور نائب رئيس اتحاد الناشرين المصريين، وأمين عام اتحاد الناشرين العرب، أكد أن الاتحاد مسئول عن أعضائه فقط، وقال: الكثير من دور النشر لها مشاكل، يتقدموا للاتحاد بها ونحلها عبر لجان الملكية الفكرية، وفض المنازعات، وما إلي ذلك، طالما الدار عضو، أما ما نراه من مشاكل مع "فكرة" أو غيرها، فلا نستطيع التصرف بشانها لأن هؤلاء ليسو ناشرين، كما أنهم غير مسجلين بالاتحاد. وعن الدور غير المقيدة بالاتحاد قال: الكثير من دور النشر اليوم لها سجل تجاري، وشكل قانوني، ولكنها ليست عضوا في الاتحاد، وليسوا ناشرين أصلا، لأن كلمة ناشر لا تطلق قانونيا إلا علي ناشر مسجل في اتحاد الناشرين، أو علي مؤلف أو مبدع نشر عمله علي نفقته الخاصة، ورغم أن الاتحاد يملك آليات تصحيح تلك الأوضاع، إلا أنها ليست بالقوة المطلوبة، كما أننا لا نملك لا الطاقة ولا الآلية ولا الجهة المنفذة التي تمكنا من ذلك، حتي أننا حين نكتشف كتاب مزور، نجد القانون يحكم أحكاما بسيطة، دون تصرف حاسم من المخالفين. وطالب عاشور المبدعين بأن يستوثقوا من أن الدار التي يتعاملون معها مقيدة باتحاد الناشرين، وإلا فالاتحاد غير مسئول عن أفعال الدور غير الموثقة، وهي معلومة يمكنه أن يجدها بسهولة علي موقع الاتحاد علي الانترنت. وأكمل: نحن في حاجة لأن يخصص كبار الناشرين جزءا من إنتاجهم للشباب المبدع، كي تتاح الفرصة للجميع، كما أن جزءًا من الحل في يد الدولة عبر مؤسساتها الضخمة من هيئة عامة للكتاب، وهيئة عامة لقصور الثقافة، تلك الجهات أولي بتشجيع الشباب ونشر أعمالهم، لأن كبار الكتاب الذين تحرص علي نشر أعمالهم يستطيعون التعامل معه الناشرين الكبار، أما هؤلاء الشباب فهم في النهاية مواطنون، هي الأولي باحتضانهم عبر مخصصات الدولة.