سحر دبي سببه أن أبراجها العالية لم تحجب أشعة الفن والإعلام، فمن علي هذه الأرض تم الاحتفال بمرور عام كامل علي إطلاق قناة أورينت وقد وجهت إلي الدعوة لحضور هذا الحدث الذي اعتبره خطوة مهمة. أولا: لأن قناة أورينت هي ثالث قناة فضائية خاصة يتم إطلاقها بعد أن سيطرت القنوات الرسمية السورية علي خريطة الإعلام في هذا البلد لمدة تصل إلي 50 عاما. والأهم من ذلك أن هذه القناة قد خرجت من تحت المظلة السورية واختارت امارة الفجيرة بالإمارات لكي تبث برامجها بعد أن اصطدمت لمدة عام كامل بالأجواء البيروقراطية في دمشق وأصبح استخراج التراخيص شيئا صعب المنال وخاصة أن القناة لا تنتمي لأي توجه سياسي سوري مما جعلها تتفوق علي القنوات الفضائية التي تنطلق من داخل سوريا نفسها وتنجح في جذب أكثر من عشرة ملايين مشاهد هناك وذلك لأن برامجها تمتاز بالحيوية كما أنها مكتفية بالايجابيات بل تطرح الرأي والرأي الآخر بحثا عن السلبيات. وهذا ما أكد عليه مالك القناة الإعلامي غسان عبود والذي أشار إلي أنه يعيب علي الإعلام العربي أنه إعلام متحزب يكون صدي لهذا الحزب أو ذاك الاتجاه أو يعتمد علي وكالات الأنباء الأجنبية في نقل المعلومات مؤكدا أن تجربته مع قناة أورينت تحاول أن تقدم مفهوما جديدا ولغة جديدة والهدف هو إكمال الطريق، أما عن غياب قطاع الأخبار عن القناة فأكد أن القناة كانت تمر بفترة تجريب وقد أدراك أن هناك شيئا ناقصا وقرر أن يعيد اللغة الأخبارية بأسلوب خاص وستقدم شخصيتها المستقلة بعيدا عن أية رهانات. الإعلامي غسان عبود ليس مجرد رجل أعمال سوري قد بدأ حياته المهنية في الإمارات وإنما هو حاصل علي ماجستير الإعلام من جامعة دمشق عام 1991، بما يعني أنه يحمل خطة طموح لترجمة أفكاره إلي مشروعات حيث أشار في المؤتمر الصحفي إلي أن القناة تمتلك بحرا من الأفكار وأن السواعد الشابة هي الأساس الذي يعتمد عليه في تحقيق نهضة إعلامية كبيرة، وأنا أعتقد أن وجود قناة أورينت بصفتها قناة سورية متخصصة سيكون حدثا مهما في كسر رتابة الإعلام السوري الرسمي الذي تحول إلي آلة جامدة لم تعد تنبض بالحياة، أولا لأنه يسعي إلي تسيس كل شيء بدءا من البرامج الخفيفة حتي برامج الفن والغناء، وثانيا لأنه لم يعد يواكب التطور الإعلامي ويفتح المجال لقدرات الشباب. وهذان الأمران هما حجر العثرة الذي تصطدم به أقدام الإعلام ولكن مع القنوات الخاصة تفتح نوافذ جديدة تحمل انطباعات أكثر رحابة حول مختلف مجالات الحياة. ويري غسان عبود أن قناة أورينت تقدم تجربتها الخاصة والمختلفة لأن ثلاثة أرباع الإعلام العربي يعاني من التحيز كما يعاني أيضا من عدم مواكبة روح الشباب. أكاديمية فرنسية أم أكاديمية الزعيم؟ الدخول في منافسة شرسة مع الإعلام الرسمي وخاصة في بلد محافظ مثل سوريا يعتبر مغامرة بكل المقاييس إلا أن غسان عبود مدير قناة أورينت ورئيس تحريرها قد أكد أنهم ليسوا متخوفين فقد آن الأوان لمنافسات حقيقية. الملاحظة المهمة في هذا السياق هي أن القناة تسعي لأن تحقق أكبر انتشار لها فعلي الرغم من تمتعها بجمهور كبير في سوريا ودول الخليج إلا أنها - علي حد قول غسان عبود - لا يمكن أن تواصل عملها دون الاهتمام بالمشاهد المصري فهو عامل إنجاح كبير لأية قناة فضائية. وعندما سألته عن أكاديمية الزعيم وإذا ما كانت هناك مفاوضات مع عادل إمام حول شراء البرنامج ليبث عبر القناة الفضائية الواعدة أكد أن هناك مفاوضات حول هذا الأمر وأن القناة رغم ذلك تمتلك قدرات كبيرة لإنتاج برامج علي نفس المتسوي، وكان حديث مدير البرامج محمد مشيش موضحا لسمات القناة الفضائية لأنه أكد أنهم يحاولون أن يستفيدوا من رواد الإعلام العربي ليبدأوا من حيث انتهي الآخرون، والهدف من وراء ذلك هو تقديم المعلومة السريعة معتمدين علي الشباب الإعلامي المتميز الذين يتم تدريبهم في أكاديمية باريس العليا للصحافة التي تقوم بتدريب المذيعات والمخرجين ومعدي البرامج وتمنحهم شهادات علمية موثقة، وذلك من خلال اتفاقية بين القناة والأكاديمية الفرنسية وكانت مفاجأة كبيرة أن يكون رئيس الأكاديمية غيوم جوبان حاضرا الاحتفال ليعلن بدء افتتاح مركز orient - esj.ae لتخرج دفعة جديدة من المواهب الإعلامية المتميزة في جميع المجالات. وتم عرض تقرير مصور عن استديوهات قناة أورينت خلال المؤتمر الصحفي تناول آراء العاملين بها من داخل القناة نفسها، حيث عبر كل فرد عن آماله وطموحاته، بينما عرضت أغنية كلمتنا التي غناها مجموعة من الشباب لتعبر عن اعتزاز القناة بجمهورها في مختلف الأقطار العربية وقد قام مانوليس إبراهيم مدير قسم الإبداع والترويج بتأليف كلماتها ولحنها هادي شرارة لتقدم خمس مواهب شابة.. رشا رزق من سوريا وأحمد سالم من مصر ووسام جمال من لبنان وأمل بوشوشة من الجزائر وفيصل الجاسم من الإمارات.. الأهم هو أن القناة تسعي لأن تكون البداية بمركز التدريب الإعلامي ما هو إلا انطلاقة نحو إنشاء كلية تقنيات الإعلام التليفزيوني والإذاعي المتخصص في دبي ويكون منهج الدراسة مطابقا لمنهج الأكاديمية الأم في باريس، والهدف هو تخريج كوادر إعلامية يتم تدعيمها وصقل موهبتها بأسلوب علمي صحيح. أجواء الرحلة ما بين نزولي من الطائرة وخروجي من مطار دبي وجدت في انتظاري صالح شلبي الذي سهل لي كل الصعاب واستقبلني بترحاب شديد يدل علي تميزه في مجال عمله لأنه كان لا يهدأ طوال أيام المؤتمر ويحاول أن يصل بالاحتفال إلي دائرة النجاح لذلك وضع كل الإمكانات اللازمة لديه تحت تصرف وراحة الضيوف من الإعلاميين من جميع الأقطار العربية الشقيقة، إلا أن الجدير بالذكر أن الزميل الصحفي أسامة ألفا كان هو العقل المفكر لإنجاح هذه التظاهرة الإعلامية وظل مرافقا لهم طوال أيام المؤتمر في دلالة واضحة علي دماثة خلقه وحب وإعجاب الجميع به، وما لفت نظري خلال الرحلة هو التعرف علي شخصيات كنت قد سمعت أصواتها كثيرا ولم ألتق بها ومنهم مديرة العلاقات العامة بالقناة نادين مسلم كانت تبذل قصاري جهدها للعمل علي راحة الوفود المشاركة ولا أنسي سرينا صاحبة الصوت الملائكي. ولم يكن بعيدا عن قلبي مشاغبات هذه الإنسانة الرائعة التي كنت أجلس دوما إلي جوارها وهي بتي رياشي منفذ التسويق والعلاقات العامة بالفندق الذي كنا نقيم فيه فهي نبع فياض بالأخلاق الكريمة والمشاعر الصادقة لدرجة أنك تشعر أنها قريبة جدا من القلب وأنك تعرفها منذ زمن، عندما وضعت قدمي علي سلم الطائرة تاركة دبي أدركت أن الإعلام العربي قد وصل إلي مرحلة ناضجة وأن التميز لا يتحقق من خلال قنوات SMS أو القنوات الدينية وإنما يتحقق من خلال القنوات التي تقدم تجربة إعلامية ناجحة ، وهذا ما أشار إليه غسان عبود، حيث أكد أن هناك 600 قناة عربية، ولكن عند الحديث عن التميز يمكن اختصار هذا العدد في 5 قنوات فقط.