حتي نهاية عقد الثمانينيات كان الحديث عن الفضاء كملعب للسياسة مقتصرا علي أمور تتعلق بالحرب الباردة وأخذت شكل السباق خلال الستينيات علي من سيصل إلي القمر أولا من السوفيت أو الأمريكيين وكأن ذلك هو الدليل الوحيد علي سلامة النظام السياسي والاقتصادي للمعسكرين المتنافسين علي الساحة العالمية. وبعد ذلك قيل خلال السبعينيات أن الفضاء سوف يصير مجالا للوفاق بين العملاقين, وبالفعل أنتجت السينما أفلاما يلتقي فيها رواد للفضاء من جميع الأجناس يقوم فيها أمريكي وروسي بإنقاذ العالم. وبعد أقل من عقد علي هذا الكلام الناعم, كانت مبادرة الدفاع الخاصة التي أطلقها الرئيس الأمريكي رونالد ريجان قد سميت حرب الكواكب بعد استعارة عنوان فيلم جورج لوكاس الذي كان الصراع فيه بين الخير والشر علي درجة عالية من الحدة. ولكن التسعينيات من القرن الماضي عرفت الاستخدام التجاري للفضاء علي نطاق واسع, وفجأة جرت ثورة اتصالية في الكون لم تعرف لها سابقة في تاريخ البشرية, وهي ثورة ما لبثت أن وصلت إلي شواطئنا وعواصمنا بعد أن أضيفت لها أبعاد سياسية لم تكن موجودة في البلدان الأخري. فبينما لا تزال الدول المتقدمة, وحتي النامية التي عرفت طريقها إلي الديمقراطية, تعطي وزنا كبيرا للمؤسسات مثل الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني, فإن الفضائيات مع غيبة أو ضعف هؤلاء ما لبثت أن أخذت دورا سياسيا متزايدا حتي حلت محل البرلمانات والأحزاب السياسية وبقية مؤسسات المجتمع وهو ما خلق فرصا كثيرة للديمقراطية لم تكن موجودة من قبل, ولكنها خلقت مخاطر أكثر حينما أصبحت المحطات التليفزيونية جزءا من اللعبة السياسية, وطرفا فيها. وهكذا أصبح الإعلام بكافة صوره لاعبا رئيسيا في الحياة السياسية المصرية. فهو أحد فواعل الحراك السياسي في مصر إلي جانب كل من الأحزاب والقوي السياسية المختلفة وجماعات المصالح. وكان الإعلام قد اكتسب أهمية خاصة في البلاد منذ عام1952, حيث تم تأسيس وزارة تختص بشئون الاتصال والإعلام تحت اسم وزارة الإرشاد القومي التي تغيرت إلي وزارة الثقافة والإرشاد القومي, قبل أن تعود مرة أخري إلي وزارة الإرشاد القومي, التي استمرت حتي عام1970 وظل الإعلام مرتبطا بالثقافة في وزارة واحدة حتي صدر القرار الجمهوري رقم43 لعام1982 ليتم تأسيس وزارة مستقلة للإعلام تحت مسمي وزارة الدولة للإعلام, والتي تحولت إلي وزارة كاملة الأركان في عام1986, حيث صدر القرار الجمهوري رقم310 بتحديد اختصاصات وزارة الإعلام, وهو القرار الذي ما زال يجري العمل به حتي وقتنا الحالي. وكانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تمتلك قمرا صناعيا خاصا بها أطلق عليه اسم نايل سات101 الذي تم إطلاقه في28 أبريل1998, وتم تشغيله رسميا في31 مايو1998 وكان بث أول قناة فضائية مصرية قد بدأ في12 ديسمبر عام1990 وهي القناة الفضائية المصرية, وبعد وقت آخر وتحديدا في نوفمبر2001 بدأ بث أول قناة فضائية خاصة وهي قناة دريم. وبصفة عامة, شهد عدد القنوات الفضائية العربية ازديادا مطردا, نتيجة للدور المهم الذي بات يلعبه الإعلام الفضائي, فحتي يونيو2009, وصل عدد هذه القنوات إلي474 قناة بلغت نسبة القنوات الخاصة فيها72.4%, فيما بلغت نسبة القنوات الحكومية27.6%. لكن مع نهاية عام2009, ووفقا لما جاء في التقرير السنوي حول البث الفضائي العربي الذي تصدره اللجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية ووزعه اتحاد إذاعات الدول العربية ونشر في يناير2010, بلغ عدد الهيئات العربية التي تبث أو تعيد بث قنواتها الفضائية علي شبكاتها خلال عام2009 حوالي398 هيئة, منها26 هيئة حكومية, و372 هيئة خاصة, وهي تبث علي شبكاتها أو تعيد بث696 قناة متعددة الأهداف واللغات, وتستخدم في ذلك17 قمرا صناعيا منها عرب سات ونايل سات ونور سات, بالإضافة إلي الباقة العربية الموحدة, وتشتمل الشبكات الحكومية علي97 قناة بنسبة حوالي14%, منها49 عامة, و48 متخصصة, بينما تضم الشبكات الخاصة599 قناة بنسبة86%, منها161 قناة عامة, و438 قناة متخصصة. وقد حظيت القنوات الغنائية وقنوات المنوعات بأعلي نسبة من القنوات الفضائية المتخصصة, إذ بلغ عددها115 قناة بنسبة23.6%, يأتي بعدها قطاع الدراما ب67 قناة بنسبة13.8%, فيما وصل عدد القنوات الرياضية إلي56 قناة بنسبة11.4%, بينما بلغ عدد قنوات الأخبار34 قناة بنسبة7%, في حين بلغ عدد القنوات الدينية39 قناة بنسبة8%. وبعد إعلان مصر عن تأسيس منطقة إعلامية حرة, حقق الفضاء الإعلامي الخاص قفزة كبيرة, حيث بدأت تزداد أعداد القنوات الفضائية المملوكة لرجال أعمال, وتعددت الأسباب التي تدفعهم إلي ذلك, إذ يعتبرها بعض رجال الأعمال مكملا لمحافظهم الاستثمارية, بينما يستثمرها البعض الآخر في تكريس نفوذه السياسي والاقتصادي بما يجعلها أشبه بجماعات الضغط أو اللوبي الذي يسعي لفرض رؤاه وأطروحاته وحماية مصالحه من خلالها, فيما يحاول البعض الثالث عن طريقها استكمال الوجاهة الاجتماعية أو البرستيج, بالإضافة إلي أنها أداة مهمة من أدوات الدعاية والإعلان عن أنشطة ومجالات عمل رجال الأعمال, فضلا عن توفيرها نوعا من الأمان الإعلامي في مواجهة الخصوم الموجودين علي الساحة حيث تمثل آلية مهمة لتوصيل رؤي وأفكار رجل الأعمال إلي الجمهور, لكن هذا التفسير الأخير لا يحظي بأهمية كبيرة لأن معظم أصحاب القنوات الخاصة ليسوا علي خصومة مع الدولة, أو علي الأقل لا تتسم علاقاتهم مع الدولة بنوع من التوتر. وحسب بعض التقديرات, فقد وصل عدد القنوات المملوكة لرجال أعمال في مصر إلي أكثر من15 قناة, مثل قناتي دريم1 ودريم2 اللتين يمتلكهما رجل الأعمال أحمد بهجت, وقنوات الحياة للدكتور السيد البدوي, وقناة المحور لصاحبها حسن راتب, وقناة أو تي في التي يمتلكها نجيب ساويرس, وقناة مودرن لصاحبها نبيل دعبس. ولا تقل تكلفة إطلاق قناة فضائية عن مليون دولار, ويخصص25% من إنتاجها للإعلان عنها والترويج لها في وسائل الإعلام المختلفة. كما أنها تعتبر مغامرة محفوفة بالمخاطر, لأنها لا تدر ربحا قبل مرور فترة ما بين ثلاث إلي خمس سنوات علي الأقل من تأسيسها تستنزف خلالها قدرا كبيرا من الأموال. فضلا عن أن مدي نجاحها سيعتمد في المقام الأول علي طبيعة المحتوي الذي تقدمه والذي سيؤثر مباشرة علي الدخل الإعلاني الذي تعتمد عليه أساسا في التمويل. وقد ارتبطت ظاهرة القنوات الخاصة في مصر بعدد من السمات: الأولي, أنها في تزايد مستمر خلال الفترة الأخيرة ويتوقع أن تشهد مزيدا من التوسع في المستقبل القريب والدليل علي ذلك أنها زادت في عام2009 بنسبة حوالي40% عما كانت عليه في عامي2007 و2008 والثانية, أن بعضها شهد نوعا من التضخم الملحوظ وتحول إلي شبكات أو باقات تضم قنوات متخصصة في مجالات مختلفة بدلا من تركيز كل المجالات في قناة واحدة. فقد أصبح لباقة' الحياة' خمس قنوات, وهو ما سبقتها فيه كل من ميلودي وبانوراما, ومن المرجح أن يتبعها في ذلك عدد آخر من القنوات الفضائية. والثالثة, أنها تتسم بالترابط بين الملكية والإدارة, وهو ما يجعلها تتمايز عن مثيلاتها في الدول الغربية, حيث يتم الفصل بين الطرفين, بشكل يؤثر إيجابيا في النهاية علي نوعية البرامج المقدمة ودرجة الدقة والحرفية التي تتسم بها إلي جانب طبيعة الجمهور المرتبط بها. والرابعة, أنها تعاني من أزمة هوية وغياب المشروع أو الرؤية الحاكمة التي بدونها تفقد هذه القنوات البوصلة وتتجه إلي تقديم مادة تجارية سطحية. والخامسة, أنها تشهد حالة من التسييس غير المسبوقة, حيث تسعي معظم القنوات الفضائية إلي تكوين أكبر حشد جماهيري من خلال البحث دوما عن السبق الإعلامي عن طريق اللعب علي وتر المشكلات والأزمات التي تهم المواطنين أو تمس أنماط معيشتهم اليومية إلي جانب الإثارة والتضخيم, بعيدا عن المسئولية الاجتماعية التي يفرضها الموقع الإعلامي لهذه القنوات وخدمة المصلحة العامة التي ينبغي أن تحظي بالأولوية علي تحقيق الأرباح السريعة. وقد أصبحت برامج التوك شو أكثر البرامج التي تحظي باهتمام المشاهدين نتيجة لطرحها المشكلات الحياتية اليومية التي يواجهها المواطن, وتنقسم إلي برامج سياسية ومنوعات وترفيه. وبالطبع فإن هذه الظاهرة سوف تشهد ازديادا ملحوظا في المستقبل القريب, لاسيما أن مصر مقبلة علي استحقاقات سياسية عديدة سوف تكون مادة دسمة لهذه القنوات. من هنا تبدو الحاجة ملحة لتطوير نقد فضائي يهدف في المقام الأول إلي تقييم وتفعيل أداء هذه القنوات بالدرجة التي تتوافق مع المسئولية الاجتماعية التي تقع علي عاتقها, وتخدم المصلحة العامة للدولة. وتكتسب الحاجة إلي وجود نقد فضائي وجاهتها مع الوضع في الاعتبار أننا طورنا نقدا في كل المجالات تقريبا: الفنية والأدبية والرياضية وغيرها, ويبقي الإعلام الفضائي وحده دون نقد فضائي بناء يحاول أن يضع له معايير الجودة في إطار من المهنية الإعلامية التي تركز علي كشف الحقائق أمام الجماهير وليس الحكم عليها أو التدخل فيها بوسائل تحرم المواطن من الرؤية الموضوعية للوقائع والأحداث.. كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تمتلك قمرا صناعيا خاصا بها أطلق عليه اسم نايل سات101 الذي تم إطلاقه في28 أبريل1998, وتم تشغيله رسميا في31 مايو1998 بعد إعلان مصر عن تأسيس منطقة إعلامية حرة, حقق الفضاء الإعلامي الخاص قفزة كبيرة, حيث بدأت تزداد أعداد القنوات الفضائية المملوكة لرجال أعمال, وتعددت الأسباب التي تدفعهم إلي ذلك, إذ يعتبرها بعض رجال الأعمال مكملا لمحافظهم الاستثمارية [email protected]