ظلت إيران دومًا تلعب بمهارة لعبة شد الحبل مع الدول الغربية وأمريكا.. كلما بدأ الغضب ينتاب هذه الدول سارعت إيران بإبداء قدر من التساهل، حتي لا ينقطع هذا الحبل.. ولكن إيران فاجأت هذه الدول بالإعلان عن البدء في عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ في وقت يشتد غضب أمريكا وحلفائها من إيران واتجاههم إلي تشديد العقوبات عليها.. وهكذا لا ترخي إيران الحبل هذه المرة من جانبها حينما يقوم الغرب بشده وإنما تفعل العكس وتقوم هي الأخري من جانبها بشد الحبل.. فلماذا هذا التصرف المفاجئ من إيران، والذي يخالف سلوكها أو تكتيكها في التعامل مع الدول الغربية؟ التفسير الرسمي الإيراني يقول إن إيران مضطرة إلي تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ وصناعة الوقود النووي بنفسها، نظرا لأن مخزونها من هذا الوقود الذي يستخدمه مفاعل طهران النووي للأغراض الطبية يتناقص وبات يكفيها لمدة ثمانية أشهر فقط.. وهي حينما تبدأ في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ اليوم سوف تحتاج ستة أشهر حتي تحصل علي الوقود النووي الذي تحتاجه لمفاعل طهران، وبذلك تضمن أن تؤمن حاجاتها من هذا الوقود وتضمن ألا يتوقف مفاعل طهران عن العمل وهو الذي يخدم نحو مليون إيراني مصابين بالسرطان، خاصة أن احتمال حصولها علي الوقود النووي من الخارج الذي كانت تفضله لانخفاض تكلفته بات ضعيفا وتبين لها ذلك من لقاء وزير الخارجية الإيراني مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبغض النظر عن عدم قبول الدول الغربية هذا التفسير الرسمي الإيراني لبدء طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ إلا أن هذه الخطوة الإيرانية المفاجئة أثارت مزيدا من غضب أمريكا وحلفائها الأوروبيين، وزادت من شكوكهم في نوايا الإيرانيين، الذين أعلن رئيسهم قبل أيام فقط تمسك إيران بإعادة تخصيب اليورانيوم في الخارج!.. وكأن إيران بذلك تصب الزيت علي نار الغضب المشتعلة منها في نفوس الدول الغربية، ولا يقلل من ذلك أن الإيرانيين تركوا الباب مفتوحا أمام إعادة تخصيب كمية مما لديهم من اليورانيوم في الخارج. فهل قررت إيران الهروب إلي الأمام تجاه الضغوط التي تتعرض لها.. أم أنها تقوم بمغامرة محسوبة هذه المرة لتحسين شروط أي اتفاق قد تتوصل إليه مع الدول الست، في ظل الاعتراض الصيني علي فرض أي عقوبات جديدة عليها، وإصرار الصين علي استمرار الحوار والتفاوض مع إيران؟ حتي الآن.. لم يحدث تطور درامتيكي في رد الفعل الأمريكي والأوروبي.. باستثناء أن علت تصريحات المسئولين الأمريكيين والأوروبيين الغاضبة تجاه إيران والتي تثير الشكوك في نوايا الإيرانيين. ولكن في ذات الوقت مازالت أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون يتحدثون عن عزمهم فرض مزيد من العقوبات علي إيران لعدم استجابتها وقبولها لمشروع الوكالة الدولية لإعادة تخصيب اليورانيوم في الخارج وإن كانوا لم يغلقوا باب الحوار معها.. وربما كان هذا ما يراهن عليه الإيرانيون.. فهم سيتفاوضون الآن مع مجموعة الدول الستة من وضع أفضل.. ليس وضع المحتاج فقط للوقود النووي، ولكن وضع القادر علي صنعه لامتلاكه الإمكانيات التكنولوجية لذلك. لكن في ذات الوقت ما قام به الإيرانيون يمنح الولاياتالمتحدة وحلفاؤها مبررات جديدة لإقناع الصينيين بأنه يصعب الثقة في إيران ونواياها وأن إظهار العين الحمراء لها أمر ضروري، ولن يتأتي ذلك إلا بزيادة العقوبات عليها.. مما يعني أن قرار إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ داخلها قد يعجل وييسر فرض مزيد من العقوبات عليها.. فهل ترغب إيران في مزيد من العقوبات؟! هناك من يعتقد أن إيران ترغب بالفعل في مزيد من العقوبات ليس من باب الاستمتاع بإيذاء النفس، ولكن لأن تعرضها لمزيد من العقوبات وزيادة التوتر في علاقاتها مع أمريكا والدول الغربية سيتيح للنظام الإيراني استثمار هذه القضية في استعادة شعبيته التي تناقصت في أعقاب الانتخابات الرئاسية، وسيضع المعارضة الإيرانية في موقف صعب، حيث سيقال لها إنها تلحق الأذي بمصلحة إيران وتضعف جبهتها الداخلية في وقت تتعرض فيه إيران لتهديدات وأخطار خارجية.. أي أن النظام الإيراني اضطر لاتخاذ هذه الخطوة ليس فقط لتوفير وقود يحتاجه مفاعل طهران، وإنما لتوفير المبررات لكتم أنفاس المعارضين والتخلص من إزعاجهم.