يقال في الغالب: "أن فضل اختراع اتي به توماس إديسون لم يكن اللمبة أو المسجل، بل فكرة العمل علي الابتكارات الصناعية وعمليات التطوير المستمرة". وكانت شركات جنرال إليكتريك، التي أسسها إديسون نفسه، وكورننج وكوداك، قد تلقفت تلك الفكرة، ثم طورتها، وبعدها مهدت الطريق لظهور أقسام الأبحاث والتطوير التي باتت جزءاً لا يتجزأ من أي مؤسسة عمل حديثة، وفي حين أن المخترعين المستقلين "اي الذين لايعملون في اي شركة او مؤسسة " كانوا يشكلون، في وقت من الأوقات، المصدر الرئيسي للاختراعات غدت مختبرات الشركات هي المعين الدائم للاختراعات، خاصة إبان حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانت هذه المختبرات، لعقود من الزمن، هي المحرك الذي يولد نمو الشركات والقوة الدافعة، للأمام، وكان لها الفضل الأول في تطوير العديد من الاختراعات المهمة، التي تدير دفة الحياة المعاصرة، فمختبرات، بل، هي التي اخترعت التليفزيون الملون. حان الآن وقت الأسئلة الصعبة: هل تأتي أقسام البحث والتطوير في الشركات، خصوصاً الكبري، بمفعولها حقا؟ وان كان الأمر كذلك، فلماذا يخفق عدد كبير من الشركات الراقية الناجحة في المنافسة أمام شركات أخري أقل منها حجماً وخبرة؟ الإجابة هي أن هذه الأقسام، في أفضل الأحوال، لا تعمل بالكفاءة المطلوبة، وربما لا تأتي بمفعولها علي الإطلاق في بعض الأحيان، لذا يتعين علي الشركات ومؤسسات العمل ان تدرس عن قرب مسألة الجدوي من اهتمامها بالأبحاث الداخلية، ان عالم اليوم بصدد الولوج الي عهد جديد من الاختراعات، وينبغي علي كبريات الشركات أن تبادر وتعمل وفق معادلة الاختراع، الثلاثية، الجديدة: الاحتفاظ بالافكار الناجحة، إصلاح ما يمكن إصلاحه، التخلي عما سواهما. أبل وزيروكس لننظر إلي ما يحدث في شركة " apple فرغم أن هذا العملاق هو الذي اخترع، لأول مرة عام 1977، كمبيوتر أبل الذي نال صيته من واجهة المستخدم الرسومية، وكان للشركة ريادة معترف بها في مجال البرمجيات، ثم انها اول شركة تصل مبيعاتها في سوق الكمبيوتر الشخصي إلي مليار دولار سنويا، لكن ما ان تضخمت الشركة، وازداد حجمها، وباتت بهذه العملقة، حتي أصيبت بنات أفكارها بالشلل،حاليا لا تحوز الشركة أكثر من 2 ٪ من سوق الكمبيوتر الشخصي التي يبلغ حجم مبيعاتها سنوياً 180 مليار دولار، وتنفق " أبل " قرابة 471 مليون دولار، سنوياً، علي الأبحاث والتطوير، وهذه الميزانية تبلغ وحدها 7.6 ٪ من اجمالي عائدات الشركة، ولا اعتقد ان هناك من يستطيع ذكر اسم شركة واحدة أخري قادرة علي المبادرة بالابتكارات مثلما كانت تفعل شركة " أبل " في الماضي. ثم ماذا عن " زيروكس "؟ باتت " زيروكس " مؤسسة عمل فاحشة الثراء، فهي لا تبيع أجهزة التصوير الضوئي فحسب، بل تجعلك تشتري وتستأجر كل هذه الاشياء التي تبتكرها وتجعلك تدفع من كل نسحخة ورقية تصورها بماكيناتها وآلاتها، في " زيروكس "، تمكن قادة الأبحاث من إقناع الإدارة بضرورة ضخ ملايين الدولارات للإنفاق علي الأبحاث، دون أن يقدموا ضمانا واحدا من جانبهم بما يمكن ان يعود من وراء تلك الأبحاث، بعدها، وظفت الشركة أذكي الخبراء والمهنيين، وأسست مركز أبحاث " زيروكس باولو التو " بعدها، اخترع الباحثون العاملون في هذا المركز نظم " إيثرنت " ، وطابعات الليزر. ومن بين كل عشرة اختراعات، مهمة، تظهر في عالم الكمبيوتر والحوسبة يكون نصيب مركز " أبحاث زيروكس باولو التو " النصف، علي أقل تقدير، من تلك الاختراعات. لكن كيف تمكنت الإدارة في " زيروكس " من التصدي لتلك الطاحونة؟ لقد نسفوها. خنقوها، بل جربوا عليها عملية " تقليص " قد تكون الأكبر من نوعها في تاريخ التقنية، صحيح أن اغلب شركات وادي السيليكون قد استفادت من ابتكارات مركز الأبحاث التابع ل " زيروكس " غير أن الابتكار الوحيد الذي عاد علي الشركة بالربحية لم يكن سوي طابعة الليزر. ورغم أن الطابعات تشكل رافدا مهما من روافد الشركة ونشاطها التجاري العام، فإن " هيليوت باكارد " تعد الفائز الأكثر بروزا في هذه المنطقة، وصحيح ايضاً أن " زيروكس " ما زالت تنفق حوالي 900 مليون دولار علي الأبحاث والتطوير، سنوياً أي حوالي 6 في المائة من إجمالي عائداتها، لكن هل لدي تلك الشركة أي منتجات خارقة تستطيع أن تبرزها للمستهلكين وتنزل بها إلي الأسواق؟ كلا إذن، ما المعيار الذي نحكم به علي كفاءة الميزانيات المخصصة لأعمال البحث والتطور؟ عدد براءات الأختراع؟ عدد براءات الاختراع لكل دولار ينفق علي الأبحاث؟ نصيب الشركة وحصتها من السوق؟ أم نصيب السوق من التقنية التي تطورها الشركة داخل مختبراتها؟ شركات قليلة تلك التي يمكنها ان تزعم النجاح في هذا المضمار،في كتابه " معضلة المبتكر " فصل لنا كلايتون كريستينسن، لأول مرة، وبطريقة بارعة، هذه الظاهرة، فمن شأن أي ابتكار جديد أن يهدد، فور ظهوره في الأسواق، بوقف هوامش الربح التي تدره المنتجات القائمة المهيمنة علي السوق. فما الذي يدفع " جنرال إليكتريك " أو " زيروكس " مثلاً، إلي التقدم بابتكارات أو تقنيات جديدة في حين أن الأرباح التي تحققها من منتجاتها الحالية تحقق ارقاماً فلكية؟