اقتحم الروائي الكبير إبراهيم عبدالمجيد، عوالم جديدة في روايته الأخيرة "في كل أسبوع يوم جمعة" الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية"، والتي صدرت طبعتها الثانية منذ أيام، ونقل ساحة الحدث الروائي من الأرض إلي الواقع الافتراضي، حيث تدور أحداثها بين مجموعة من الشخصيات الذين التقوا علي أحد "الجروبات" علي موقع التعارف الشهير "الفيس بوك"، راصدا موازاة العالم الافتراضي للواقع بكل فطرته وجموحه وعشوائيته، مؤكدا قدرته علي تقديم أفكار جديدة واقتحام عوالم تكنولوجية لم يعرفها جيله ويطوع لغته لخدمة أفكاره، عن الرواية وغيرها من الموضوعات كان لنا هذا الحوار مع إبراهيم عبد المجيد. لاحظنا استخدامك في الرواية للغة جديدة مغايرة للغتك المعهودة، ما تعليقك؟ - لغة أي رواية تأتي من خلال شخصياتها وتفاصيلها وأحداثها، فلغة الكاتب تتطور من الوثائق والرسائل وحتي الخطابات والإيميلات، كما أنها ليست مجرد وعاء للأفكار، فاختلاف اللغات هو سمة من سمات كتاباتي، فنجد اختلافا كبيرا في اللغة ما بين رواية "صياد اليمام" ورواية "عتبات البهجة" والاثنتان مختلفتان عن "لا أحد ينام في الإسكندرية". والفضاء الإلكتروني له أدواته وخصائصه ومصطلحاته، وهذا ما جعلني أتطرق للغة عامية المستخدمة في "الشات" بين الشباب، باستثناء بعض الفقرات التي جاءت علي لسان الأستاذ "إبراهيم" إحدي شخصيات الرواية، الذي يعمل أستاذا للاقتصاد. كيف جاءتك فكرة الرواية؟ - عندما تلح فكرة رواية علي ذهني، تغمرني سعادة طاغية وعميقة، تجعلني أثق في قدرتي علي بناء الرواية، وبدأت في الكتابة فورا، وقد جاءتني فكرة الرواية أثناء متابعتي لبعض المواقع والمدونات ومواقع الدردشة التي اكتشفت من خلالها أن هناك عالما افتراضيا بديلا للمدن والعوالم المادية التي نعرفها، وهو عالم سهل يأتي بمجرد ضغطة صغيرة علي أحد الأزرار، واكتشفت أنه عالم مليء بالكذب والخداع والغش، لأنك لا تعلم حقيقة من يحادثك، أو حقيقة ما يقول، ورغم أنني كنت أكتب رواية أخري، فإنني تركتها وكتبت هذه الرواية التي استغرقتني لمدة عامين كاملين دون توقف، وجاء تفرغي من خوفي من أن يكتشف أحد غيري فكرتها، ويقدمها قبل أن أنتهي منها، وهكذا بدأ الجدل بيني وبين شخصيات الرواية، كما حدث تحديدا مع شخصية "مريم مراد" الصحفية الشابة بإحدي الجرائد، وأنا أحب كثيرا هذه الشخصية، التي تلعب دورا مهما في الترفيه عن أعضاء "الجروب" بالمرح والنكت، رغم أن وراءها مأساة كبيرة تحاول إخفاءها. هل خوفك علي الفكرة هو ما جعلك تعجل بالنشر؟ - خوفي علي الرواية وفكرتها جعلني بالفعل أتعجل النشر خاصة وأنني عرضتها علي دار "الشروق" فأخبروني أنهم سيصدرونها مع بداية معرض الكتاب المقبل، وكنت قد صرحت عن فكرتها في بعض الجرائد، فكان لابد من إيجاد دار نشر أخري لنشرها قبل هذا الموعد، بل في أقرب موعد، ولهذا قمت بنشرها في "الدار المصرية اللبنانية" التي أجادت نشرها وتوزيعها، وبالفعل نفدت الطبعة الأولي، وقدمنا طبعة ثانية. هل قصدت بالرواية جمهور ذلك العالم الافتراضي؟ - جمهور الأدب يكون غالبا ما بين سن 20 و35 عاما، لأن الدراسة في مصر تستهلك معظم الوقت، رغم أن جمهور كتب التسلية في مصر كبير جدا ويمثل أضعاف جمهور الأدب، والشريحة التي استهدفها من كتاباتي هي شريحة الشباب، وقد حققت ذلك من خلال هذه الرواية، خاصة أنهم قريبون جدا من تلك العوالم الافتراضية، التي يبوحون فيها بكل شيء دون تحفظ أو خجل، أما أنا شخصيا فعلي النقيض، أخشي كثيرا من هذا العالم الافتراضي لأنه يسرق الوقت، ويجمع كل المشاعر الزائف منها والحقيقي، لكنك لا تملك أن تميز بينها، لأنك طوال الوقت وراء ومضات اليكترونية، وليست نبضات قلب حقيقية. ماذا قصدت بشخصية المنغولي في الرواية؟ - قصدت الحالة الإنسانية البكر التي لم تلوثها الحياة، فالناس البسطاء يعتقدون أنهم مباركون، وأنا شخصيا أعتقد أن الله يضعهم أمامي وفي طريقي، مما يجعلني أشعر أنهم يحملون رسالة ما لي، وقد حل لي أحدهم مشكلة كانت تواجهني في إحدي رواياتي، فقد كنت متحيرا في اختيار اسم إحدي الشخصيات في رواية "عتبات البهجة" وجاءني أحدهم وكنت أجلس في مقهي أحتسي الشاي وقال لي إنه يبحث عن عمل، وأن اسمه "أبو صفيحة" ففرحت بالاسم، وكان هو ما أبحث عنه، فهم يعبرون عن البرهان الإنساني في الفطرة الإنسانية بعشوائيتها الأولي، وهم المقابل الحقيقي للعالم القبيح. هل تري أن الأديب يجب أن يكون مرآة لعصره؟ - نعم هذا هو الأفضل، ولكن ليس القاعدة، لأن الأدب الحقيقي هو الذي ينجح في تجاوز الزمان والمكان، وهذا هو دوره عبر العصور، ليعيش ويعبر جيله إلي الأجيال الجديدة. هل تري أن شباب الأدباء استطاعوا أن يكونوا مرآة لمجتمعهم؟ - الأدب ليس له سن محددة، فكلما نضج الأديب اقترب أكثر من أماكن ومناطق إنسانية عالية، وربما يحدث العكس، فليس هناك قاعدة، والقاعدة الحقيقية هي هل استطاع هؤلاء أن يقدموا جديدا كروايات حداثية؟ نعم أري أن البعض منهم قد قام بذلك بالفعل أمثال: منصورة عز الدين وإبراهيم فرغلي وطارق إمام وغيرهم. بماذا تصف علاقتك بالمبدعين الشباب وبالجماعات الأدبية؟ - علاقتي بهم جيدة والجماعات الأدبية أري أنها جيدة ولكنها ليست قوية وأعتبر هذا الجيل محظوظا لأنه معفي من السياسة، فسابقا كانت الجماعات الأدبية لها اتجاهات سياسية محددة، ولذا كان بعضهم مطاردين، والبعض الآخر معتقلا، لمجرد تفكيرهم في تنظيم وقفة احتجاجية في معرض الكتاب، ورغم هذا فالجماعات الآن رغم حريتها فإنها ليست قوية، وكذلك أدباؤها، فنلاحظ عليهم الفردية والاعتكاف والانغلاق السيئ، ولا أري لهم مجهودا واضحا حتي الآن. ماذا تمثل لك الجوائز؟ - الجوائز بشكل عام دافع أساسي مهم، سواء كانت تعود علي الكاتب بالشهرة أو بالنفع المادي، ولكن أنا شخصيا أسير بمبدأ تجاه الجوائز، فأنا لا أقدم للحصول علي جائزة، فكل جوائزي التي حصلت عليها قد رشحت من قبل آخرين لها، ولم أقدم حتي أنالها.