ذهب صديقي إلي مدرسة ابنه التجريبية ليدفع المصاريف فوجد أهالي الطلاب متجمعين يتبادلون الحيرة ولا يعرفون هل يدفعون المصاريف أم لا، فلا أحد يعلم هل ستتم السنة الدراسية هذا العام أم سيتم إلغاؤها بسبب توقع انتشار وباء أنفلونزا الخنازير أم سيتم تأجيل بدئها وإذا تم تأجيلها هل ستخفض قيمة المصاريف أم لا. وطبعا التصريحات الرسمية سواء داخل المدرسة أو خارجها علي مستوي الوزارة تؤكد أن السنة الدراسية ستتم لكن قد يتأجل موعد بدايتها. وأهالي الطلاب لا يصدقون التصريحات الآتية من الداخل أو من الخارج ويرونها حيلة ليدفعوا المصاريف. وعندما سأل صديقي مدرسا يعرفه منذ زمن نصحه هامسا بألا يتعجل في دفع المصاريف وعليه انتظار ما سيتكشف عنه الموقف في الأيام القادمة. وتشكك صديقي بينه وبين نفسه في كلام المدرس فقد يكون مجرد اجتهاد منه لا أساس له من الصحة خصوصا مع كثرة من يسارعون في الإفتاء هذه الأيام ليلبوا رغبات الحائرين غير القادرين علي اتخاذ موقف. لكن رغم تشككه لم يدفع المصاريف وظل يضحك كلما استرجع تعبيرات وجه المدرس وهو ينصحه، فقد وجدها نفس التعبيرات التي ترتسم علي وجه المدرس وهو يخبر صديقي في نهاية كل سنة بنتيجة ابنه التي أحضرها له من الكنترول قبل إعلانها، فلم يكن يتخيل أنه سيأتي يوم وتكون فيه المصاريف التي هي دائما شيء بديهي لا شك فيه مثل نتائج الامتحانات سر يعد الإفصاح عنه خدمة ونصيحة غالية. وصديق آخر اضطر إلي دفع نصف مصاريف مدرسة ابنه الخاصة لأن الإدارة هددت أولياء الأمور بشطب تسجيل ابنهم في المدرسة إذا لم يدفعوا، وعندما تحدث هذا الصديق مع مدرس ابنه الخصوصي أعلن هذا المدرس اندهاشه من عدم تجمع أولياء الأمور في ساحة المدرسة ليطالبوا بتأجيل بدء الدراسة حتي تنزاح الغمة وأنه يجب عليهم ألا يبرحوا أماكنهم حتي تنصاع الإدارة إلي مطالبهم. وفي البداية أعجب صديقي بشجاعة المدرس الذي لم يعتدها منه لكن أثناء الحوار معه فهم الصديق أن المدرس يطالب بهذا لأنه خائف من انتقال العدوي إليه من الطلاب الذين بالتأكيد سيصابون بالأنفلونزا بسبب كثافة العدد في المدرسة وعدم تطبيق قواعد النظافة التي أمرت بها وزارة الصحة المدارس، بالإضافة إلي أن الدورات التي عقدت لتلقين المدرسين ما يجب أن يفعلوه لدرء الخطر عن مدارسهم وللتعامل مع الحالات المصابة التي سيتم كشفها في فصولهم، كل هذه الدورات لم يفهم معظم المدرسين ما قيل فيها وتغيب البعض الآخر لاقتناعهم بأن عليهم عدم تضييع أيام في إجازته لحضور دورة، وحتي الذين حضروا واستمعوا للكلام كله وفهموه ظلوا علي قناعتهم بأن عليهم الابتعاد أو الفرار من الطالب الموبوء وعدم الاقتراب منه فمن الذي سيضمن لهم عدم إصابتهم بالمرض إذا نفذوا ما تعلموه في هذه الدورة. وعندما وجد المدرس أن كلامه أزاد من قلق وحيرة صديقي كما كشف عن خوف المدرس نفسه من بدء الدراسة لأسباب شخصية، طمأن المدرس صديقي علي صواب دفعه لنصف المصاريف فهو بذلك ضمن مكان ابنه في المدرسة وفي نفس الوقت ليس عليه أن يرغم ابنه علي الذهاب إلي المدرسة ويكتفي بالدروس الخصوصية في المنزل بعيدا عن كل شر، ويجب عليه ألا يقلق من استنفاد ابنه لنسبة الغياب فمن المتوقع أن تتغافل المدارس التي قبضت المصاريف عن تغيب الطلاب بل وقد تشجعهم عليه بشكل غير مباشر. ورأي المدرس أن هذا أفضل الحلول التي ترضي جميع الأطراف: أولياء الأمور الذين لن يعرضوا أولادهم للخطر، وإدارات المداس التي ستحصل مصاريفها كاملة دون نقصان، والمدرسين الذين سيستمرون في قبض رواتبهم من مدارسهم الخاصة وطبعا - وإن لم يقل المدرس هذا - سيستمرون في إعطاء الدروس الخاصة التي بالتأكيد ستزيد. وعلق صديقي علي هذا الحل بأنه لا يعني سوي أن أولياء الأمور والطلاب هما من سيدفعان ثمن الفشل في إدارة هذه الأزمة وأن الخوف ليس علي الطلاب وصحتهم بل علي مصاريف المدارس الخاصة والتجريبية. واقتنع المدرس بكلام صديقي وسأله وهو يعطس " طب في رأيك إيه الحل؟ "ومازال البحث جاريا عن حل ومازالت الاجتماعات الرسمية علي أعلي مستوي تعقد للوصول إلي موعد مناسب لبدء الدراسة أو لاستمرار تأجيلها لكن في كل الأحوال سيتم دفع المصاريف.