ليست هذه هي المرة الأولي التي يعلن فيها وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس انه لا يفضل الخيار العسكري لحل مشكلة الملف النووي الايراني. فقد سبق أن اعلن ذلك عدة مرات، وقال انه يفضل الخيار الدبلوماسي. لكنها المرة الاولي التي يقول فيها مسئول امريكي، وليس اي مسئول انما وزير الدفاع الامريكي، ان الخيار العسكري غير مفيد ولا يجدي في اثناء ايران عن انتاج القنبلة الذرية ودخول النادي النووي لاصحاب الاسلحة النووية، وان العقوبات الاقتصادية هي الاجدي والافضل، لأن العمل العسكري سوف يؤخر ويؤجل فقط البرنامج النووي الايراني ولكن لن يلغيه أو يقضي عليه. هذا ما تفهمه ايران بوضوح، ولذلك هي تدرك أن لديها بذلك ورقة قوة تستخدمها في مواجهة الغرب، لأن الميدان الوحيد المتاح الآن لممارسة الصراع ضدها هو الميدان الدبلوماسي فقط لا الميدان العسكري، حتي وان ظل المسئولون الامريكيون، وفي مقدمتهم الرئيس اوباما ذاته، يؤكدون ان الخيار العسكري ضد ايران مازال مطروحا. لم يستبعد فقط وهذا يفسر الطريقة التي تتسم بالمماطلة وكسب الوقت التي تخوض بها ايران مفاوضاتها مع الغرب حول ملفها النووي. هي تعرف ان السلاح المتاح للغرب في مواجهتها الآن هو فقط سلاح فرض العقوبات، نظرا لأن العمل العسكري لن يثنيها عن ايقاف برنامجها النووي لغير الاغراض السلمية والذي يؤكد الغرب وجوده، فضلا عن ان مثل هذا العمل لن يدمر كل منشآتها النووية، فهي عديدة ومتناثرة وتتمتع بحماية ضد القنابل والصواريخ لوجودها تحت الارض علي اعماق كبيرة، والاهم فان بعضها سري لم يعلم الغرب عنه شيئا طبقا لاعتقاد الامريكيين ذاتهم. واظن ان هذا ما يفهمه الاسرئيليون ايضا، رغم صياحهم الذي لا يتوقف عن ضرورة العمل العسكري ضد ايران، ورغم تهديداتهم التي لا تتوقف ضد طهران بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية الاساسية وهي مركز تخصيب اليورانيوم في ناتانز ومفاعل بوشهر، ومفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل ويمكن استخدامه لانتاج البلوتنيوم المستخدم في انتاج القنبلة النووية، وان كان قد اضيف لها مؤخرا المركز الجديد لتخصيب اليورانيوم في قم والذي لا توجد معلومات كثيرة حوله سوي انه يضم نحو ثلاثة آلاف وحدة طرد، وسيكون جاهزا للعمل في وقت اقصر مما اعلنه الرئيس الايراني نجاد. بل ان الاسرائيليين يفهمون اكثر من ذلك.. يفهمون ان توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية ليس عملا سهلا ويحتاج قدرات خاصة، بالاضافة الي انه محفوف بالمخاطر، وستكون له خسائره الكبيرة التي قد لا يستطيع الجيش الاسرائيلي ان يتحملها، والأهم من ذلك كله يفهم الاسرائيليون انهم لا يستطيعون القيام بذلك بدون الحصول ليس فقط علي موافقة امريكية، لأن طائراتهم التي ستضرب المنشآت النووية الايرانية ستمر في سماء العراق التي تسيطر عليها القوات الامريكية، انما يحتاجون ايضا لمساعدات تقنية ولوجستية امريكية في هذا الشأن، لأن طائراتهم التي ستقوم بضرب ايران ستحتاج لبعد المسافة ان تتزود بالوقود في السماء، كما انهم سيحتاجون لمساندة امريكية في مواجهة الرد الايراني المتوقع علي ضرب المنشآت النووية الايرانية. فلماذا اذن كل هذه "الغاغة" او هذا الضجيج والصخب الاسرائيلي حول الضربة العسكرية للمنشآت النووية الايرانية الآن؟ الأغلب ان الاسرائيليين يريدون دفع امريكا وحلفائها الأوروبيين الي اتخاذ دفعة عقوبات اقتصادية كبيرة وصارمة ضد ايران.. أي انهم يبتزون الامريكيين ليتحركوا بنشاط في اتجاه فرض مزيد من العقوبات علي ايران الآن وقبل انتهاء المهلة الممنوحة للايرانيين بنهاية العام الحالي، وهذا هو ما يمكن ان نقرأه في تصريحات المسئولين الاسرائيليين الآن.