ليس أمام الفلسطينيين سوي خيار واحد. اسم هذا الخيار التمسك بالقرار المستقل الذي استشهد ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني من أجله. كان انعقاد المؤتمر السادس لحركة "فتح" في بيت لحم، أي علي أرض فلسطين، تعبيرا عن الرغبة في أن تكون الحركة الفلسطينية الام وفية لياسر عرفات ولتاريخها وليس لأولئك الذين يعتبرون الشعب الفلسطيني مجرد وقود لمعاركهم الاقليمية الهادفة إلي عقد صفقات مع الأمريكي والإسرائيلي علي حساب كل ما هو عربي في المنطقة. نضج الشعب الفلسطيني. تعلم من تجارب الماضي القريب والبعيد. تعلّم خصوصا أن الطريق الأقرب إلي خسارة معركته من أجل الحرية والاستقلال هو طريق الشعارات والايمان بالانتصارات المزيفة من نوع انتصار "حماس" في حرب غزة الأخيرة. انتصرت الضفة الغربيةلغزة عندما حافظت علي رباطة الجأش فيها خلال حرب غزة الأخيرة. كان مطلوبا أن تنجر الضفة الغربية إلي تلك الحرب وأن تدخل لعبة المزايدات كي يسهل تدمير بنيتها التحتية ومؤسساتها علي غرار ما حصل في غزة حيث تبين أن الهدف الأوحد ل"حماس" تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني واخضاعه وتعويده علي العيش في إمارة إسلامية ذات طابع طالباني، نسبة إلي طالبان. قرر الفلسطينيون في الضفة الغربية مواجهة الاحتلال. لذلك، أعاد الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس إعادة تكليف الدكتور سلام فياض تشكيل الحكومة الفلسطينية. لدي هذه الحكومة برنامج مهم يستهدف بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة تمهيدا للإعلان عن قيام مثل هذه الدولة التي سيعترف بها المجتمع الدولي. لا شك أن ما تطرحه الحكومة في غاية الأهمية. لكن الأهم من هذا الطرح الأجواء السائدة في الضفة الغربية حيث نسبة النمو السنوية نحو سبعة في المائة. وهذا يدل علي تحسن القدرة علي مواجهة الاحتلال. لا مجال للسير إلي النهاية في خطة إعلان الدولة الفلسطينية في غضون عامين من دون توفير الأجواء الصالحة لذلك. الأمر لا يتعلق بنسبة النمو الاقتصادي فحسب، بل يتعلق أيضا بتوفير الأمن للمواطن عن طريق القضاء علي فوضي السلاح من جهة والتأكيد أن المجتمع الفلسطيني مجتمع مسئول وأن السلطة الوطنية قادرة علي التزام الاتفاقات التي توقعها مع أي طرف كان، بما في ذلك إسرائيل. ومن هذا المنطلق، ليس في استطاعة الحكومة الإسرائيلية التذرع بأن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه للتهرب من استحقاقات السلام. بكلام أوضح، عندما يؤدي الفلسطينيون التزاماتهم ويحترمون الاتفاقات الموقعة ويرتبون البيت الداخلي، فهم يخدمون بذلك قضيتهم ويعيدون وضعها علي الخريطة السياسة للشرق الأوسط تمهيدا لأن تكون فلسطين جزءا من جغرافيا المنطقة. تلك هي المقاومة الحقيقية للاحتلال وتلك هي الخطوة الأولي علي طريق اقامة الدولة وجعل فلسطين أرضا جاذبة للشعب بدل أن تكون طاردة له ولأهلها الأصليين... هناك في الوقت الراهن حكومة إسرائيلية لا همّ لها سوي التملص من السلام واستحقاقاته. هذه الحكومة تحاول استفزاز الجانب الفلسطيني عن طريق الاقدام علي كل ما من شأنه قطع الطريق علي قيام الدولة الفلسطينية. علي سبيل المثال ليس الحصر، أقدم بنيامين نتانياهو علي توقيع قرار بانشاء مزيد من الوحدات السكنية في المستوطنات الفلسطينية التي بنيت في الضفة الغربيةالمحتلة. يتمثّل ما سعي إليه نتانياهو عمليا في حمل الفلسطينيين علي ارتكاب حماقة ما من نوع تنفيذ عملية انتحارية أو إطلاق صاروخ، كما حصل ولا يزال يحصل في غزة، أو الحديث مجددا عن عسكرة الانتفاضة. أي ارتكاب الخطأ ذاته الذي ارتكبه ياسر عرفات في أواخر العام 2000 عندما ردّ علي فشل قمة كامب ديفيد بينه وبين الرئيس كلينتون وايهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، باللجوء إلي السلاح، غير مدرك أنه اللعبة المفضلة لدي إسرائيل التي تمارس إرهاب الدولة بشكل يومي... كان رد "أبو مازن" علي الاستفزاز الإسرائيلي في غاية الحذاقة. أنه رد من بات يعرف الإسرائيلي جيدا ويرفض السقوط في لعبته. فضل الأنصراف إلي القيام بجولة عربية وأوروبية تسبق الخطاب الذي سيلقيه الرئيس باراك أوباما في الرابع والعشرين من أيلول - سبتمبر الجاري في الأممالمتحدة. سيؤكد الرئيس الأمريكي مرة أخري التزام حل الدولتين الذي لا سلام في الشرق الأوسط من دونه. وسيؤكد موقف إدارته الداعي إلي تجميد الاستيطان. في النهاية، بات الفلسطينيون يدركون أن لا أمل في إعادة قضيتهم إلي الواجهة من دون الدعم الأمريكي ومن دون علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة، وذلك مهما كانت هذه القضية عادلة ومحقة. استعاد الفلسطينيون المبادرة بفضل السلطة الوطنية والحكومة والقيادة الجديدة ل"فتح" التي عرفت كيف توفر دعما للقرار السياسي وكيف يكون العمل من أجل القضاء علي فوضي السلاح في الضفة الغربية وتحسين الحال المعيشية للمواطن العادي بما يمكنه من مواجهة الاحتلال. كلما مر يوم من دون مشاكل علي الأرض، يزداد الامل في تحقيق حلم الدولة المستقلة. يفترض أن تبقي المبادرة في يد الفلسطيني الذي عليه أن يدرك أن الضفة الغربية هي الاساس. أما غزة، فلا يمكن إلا تنهار الإمارة الطالبانية فيها من داخل عاجلا أم آجلا. لماذا سيحصل ذلك؟ لسبب في غاية البساطة يكمن في أن "حماس" لا تمتلك مشروعا سياسيا قابلا للحياة. المشروع الوحيد المقبول من المجتمع الدولي هو مشروع الدولتين القائم علي مقولة "عش ودع غيرك يعيش" التي كان يرددها "ابو عمّار" في مجالسه الخاصة. خسر الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني رهاناته عندما تخلي عن تلك المقولة. هناك الآن من يعيد الحياة إليها. أنها عودة الحياة والروح للقضية الفلسطينية لا أكثر ولا أقل.