فى تطور نوعى على مستوى التفاعل الإفريقى مع القضايا والأزمات الدولية، بادر عدد من رؤساء الدول الإفريقية بتبنى مبادرة باسم القارة الإفريقية، تتولى العمل من أجل تسوية أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، القائمة منذ أكثر من عام، والقيام بدور وساطة بين طرفى الأزمة، روسيا وأوكرانيا، بهدف وقف أسوأ حرب تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وتُلقى بظلال تبعياتها على العالم كله وخاصة إفريقيا. وجاءت مبادرة السلام الإفريقية لحل الأزمة الأوكرانية، بناء على مقترح من قادة الدول فى القارة السمراء، والتى تم الإعلان عنها فى مايو الماضي، وتضم 6 من قادة الدول الإفريقية، وهم رؤساء كل من مصر وجنوب إفريقيا، والسنغال، وجزر القمر، وأوغندا، وزامبيا، وممثلاً عن جمهورية الكونغو. ما يميز تلك المبادرة أنها الأولى من نوعها التى تبادر بها الدول الإفريقية، فى حدث أو أزمة دولية، كالحرب الروسية الأوكرانية، خصوصا وأن الأزمات الإفريقية هى التى كانت محل تفاعل دولي، كما أنها تشير إلى تطور نوعى فى مستوى التفاعل الإفريقى مع القضايا الدولية، بحيث يكون للقارة الإفريقية دور على الساحة الدولية، والبعد الآخر يتعلق بالخسائر الإفريقية جراء الحرب الروسية الأوكرانية والمتمثلة فى توقف الصادرات الروسية والأوكرانية، مما أدى إلى نقص نحو 30 مليون طن من الغذاء فى إفريقيا، كذلك زيادة الأسعار بنسبة 40% فى القارة، هذا بجانب نقص شديد فى إمدادات الغذاء إلى دول القارة وانخفاض المساحة المحصولية بنسبة 25%، وانخفاض حجم الإنتاج بنسبة 37% كما فاقم أزمة الغذاء فى العديد من دول العالم. تفاعلا مع المبادرة الإفريقية، كل من الرئيس الروسى بوتين والرئيس الأوكرانى زيلينسكى على استقبال البعثة ورؤساء الدول الإفريقية فى كل من موسكو وكييف لبحث المبادرة، خصوصا فى ضوء سعى الجانبين لتعميق علاقاتهما بالقارة الإفريقية، حيث تخطط روسيا لعقد قمة إفريقية روسية فى يوليو المقبل، وتسعى كييف لتأمين الأعمال التجارية الأوكرانية الإفريقية، وهو ما يعطى أهمية لتلك المبادرة فى ضوء إخفاق مبادرات دولية سابقة فى وقف شرارة الحرب، كان أبرزها المبادرة الصينية. الموقف الإفريقى الموقف الإفريقى من مبادرة السلام لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، تحدث عنه القادة المشاركون فيها، حيث أشار رئيس جنوب أفريقيا سيريل راما فوزا، إلى أن من مصلحة الدول الإفريقية المشتركة هو إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وقال خلال جلسة المباحثات مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، «أنه يجب أن تنتهى الحرب بين روسيا وأوكرانيا بالمفاوضات، وجهودنا تؤكد أننا نريد المساهمة فى حل الأزمة وإنهاء الحرب». وأضاف أن القارة الإفريقية تتعرض لتأثيرات سلبية جراء الحرب المستمرة، وأن أى تصعيد لا يساعد فى اللجوء للحل، ودعا لفتح طرق نقل الحبوب عبر البحر الأسود، وضرورة رفع جميع العقوبات الموجودة حاليا وأن يستمر إصدار الحبوب والمواد الغذائية. تتضمن مبادرة الوساطة الإفريقية 10 بنود، كشف عنها رئيس جنوب أفريقيا وهي: تحقيق السلام عبر المفاوضات من خلال الطرق الدبلوماسية، وبدء مفاوضات السلام فى أسرع وقت ممكن، ووقف تصعيد النزاع من كلا الجانبين، وضمان سيادة الدول والشعوب وفق ميثاق الأممالمتحدة، وتوفير ضمانات أمنية لجميع البلدان، وضمان حركة تصدير الحبوب والأسمدة من الدولتين، وتوفير الدعم الإنسانى لمن وقعوا ضحايا الحرب، وتسوية موضوع تبادل أسرى الحرب وعودة الأطفال، وإعادة الإعمار بعد الحرب ومساعدة ضحايا الحرب، وتوفير تفاعل أوثق مع الدول الإفريقية. الحضور المصرى تشارك مصر منذ طرح مبادرة السلام الإفريقية، فى فعالياتها، حيث شارك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى بداية شهر يونيو فى اجتماع عدد من الرؤساء والقادة الأفارقة للتباحث حول المبادرة الإفريقية للوساطة فى الأزمة الروسية الأوكرانية، كما شارك الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء ووزير الخارجية سامح شكرى نيابة عن الرئيس السيسى فى فعاليات المبادرة ومباحثات رؤساء الدول الإفريقية المشاركة فى المبادرة خلال زيارتهما لموسكو وكييف. خلال مشاركة الرئيس السيسى فى اجتماع الرؤساء الأفارقة بحضور رؤساء جزر القُمُر وجنوب أفريقيا والسنغال وأوغندا وزامبيا، أشار إلى تطلع مصر لأن تسهم المبادرة الإفريقية فى تسوية النزاع الروسى الأوكراني، فى ضوء ما يربط دول القارة الإفريقية من علاقات ممتدة مع الدولتين، فضلاً عن الأبعاد المتعددة لتلك الأزمة، التى تجاوزت حدودها الجغرافية لتشمل مناطق مختلفة من العالم، لاسيما فى إفريقيا والشرق الأوسط وعلى صعيد الدول النامية، التى تعد الأكثر تضرراً من تداعيات الأزمة. وأوضح الرئيس السيسى أن مصر تبنت موقفاً متوازناً منذ اندلاع الأزمة، يستند إلى ضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، وتغليب لغة الحوار، وحشد الجهود الدولية للتوصل لحل يراعى شواغل جميع الأطراف، ضماناً لتحقيق الاستقرار والأمن الدوليين، موضحاً أن مصر لن تدخر جهداً من أجل المساهمة فى احتواء تلك الأزمة والتغلب على تداعياتها السياسية والإنسانية والاقتصادية، ومعرباً عن التطلع إلى مساهمة المبادرة الإفريقية كخطوة على طريق تحقيق التسوية السياسية المنشودة بين طرفى النزاع. وفى كلمته خلال المؤتمر الصحفى المشترك بعد لقاء رؤساء المبادرة الإفريقية مع الرئيس الأوكرانى فى كييف، عدد الدكتور مصطفى مدبولى أشكال وآثار أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، على الشعوب الإفريقية، وأهمها افتقاد الاحتياجات الأساسية المتعلقة بالأمن الغذائى مثل الحبوب والأسمدة، خصوصا أن صادرات كلٍ من روسيا وأوكرانيا من القمح تُمثل 23% من السوق العالمية، ومن ثم كان لزاماً على زعماءِ القارةِ الأفريقية أن يقوموا ببذل مساعيهم الحميدة؛ حقناً للدماء، وتداركاً لتلك الآثار السلبية وتداعياتها على حياة مواطنى طرفى النزاع، وحياة المواطن الإفريقى على حد سواء. وأوضح مدبولى أن وفد المبادرة الإفريقية استمع لرؤية الرئيس «زيلينسكي» للأزمة وتداعياتِها المتزايدة، وتناولت المباحثات شرحاً واضحاً ومُفصّلاً للمسعى الأفريقى الذى يأخذُ فى الاعتبار ما أفرزته هذه الأزمة من تداعيات، وما ولدته من تحديات تدفع باتجاه أهمية التحرك لتسوية الأزمة، بعيداً عن الجمود ونأياً عن لغة القوة، مع اللجوء إلى تبنى نهج أكثر تفاهمًا يؤكدُ ضرورة التحرك مع كافة الأطراف من أجل التوصل الى حلول سياسية وسلمية للمشكلات التى أدت إلى اندلاع هذه الحرب، ويعالج جذورها. وأشار إلى بعثة الرؤساء الأفارقة إلى روسيا وأوكرانيا، تأتى فى ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، ولعل فى ذلك دلالة واضحة على أن هذا الجهد جاد، ويهدف إلى التوصل لتسوية مستدامة للأزمة الجارية. الموقف الروسى التفاعل الروسى مع المبادرة الإفريقية كان دبلوماسيا، حيث أشار الرئيس الروسى بوتين، إلى أن بلاده تحترم مواقف الدول الإفريقية للحفاظ على الاستقرار الإقليمى والمحلي، مع السعى قدما لحل النزعات سلميا وصياغة العلاقات الدولية، وأن بلاده ترحب بالمواقف الإفريقية المتزنة تجاه الأزمة الأوكرانية، وأضاف أن بلاده تتطلع لحل قضية الحرب الأوكرانية، وأن ما لدى الدول الإفريقية أفكارا ونشيد باهتمامها لحل الأزمة. فى حين أشار المتحدث باسم الكرملين، دميترى بيسكوف، أنّ «المبادرة الإفريقية لتسوية الأزمة الأوكرانية صعبة التنفيذ، ولكن الرئيس بوتين أبدى اهتماماً بها». الرؤساء_الافارقة_في_اوكرانيا