صدمة الحرب الروسية الأوكرانية دفعت ألمانيا إلى تغيير ثوابت سياستها الخارجية والأمنية المعتمدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فالتاريخ الأسود لألمانيا دفعها لاتباع نهج سلمي، ومنذ انتهاء الحرب البادرة قلصت ألمانيا عدد قواتها من 500 ألف عسكرى إلى نحو مئتى ألف. لكن منتقدى هذا التوجه وصفوه بالساذج عندما تجاهلت ألمانيا مرارا مطالب كييف والحلفاء بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وبقيت مساعى أستونيا لتسليم كييف ثمانية مدافع هاون قديمة اشترتها من ألمانياالشرقية السابقة عالقة لأسابيع فى عراقيل بيروقراطية فى برلين إلى أن حظيت بالموافقة، وفى الفترة التى سبقت اندلاع النزاع الميدانى اقتصرت المساعدة العسكرية الألمانية لأوكرانيا على 500 خوذة، فى واقعة استدعت السخرية. واتهمت ألمانيا بأنها تعطى الأولوية لاقتصادها ومصالحها على صعيد الطاقة بتمسّكها بادئ الأمر بمشروع خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الذى يضخ الغاز الروسى إلى أوروبا. ومع دخول الحرب يومها التاسع وسط انتظارعقد جولة ثانية من المفاوضات بين الجانبين، كان اعلان المستشار الألمانى أولاف شولتز عن تحول كبير فى سياسة ألمانيا الخارجية والدفاعية بموجبه تتخلى أكبر قوة اقتصادية فى أوروبا عن نهج تتّبعه منذ عقود يقضى بالتريث فى تعزيز قدراتها العسكرية. فقد أعلن المستشار الألمانى فى خطاب تاريخى أمام البرلمان الألمانى «البوندستاغ»، عن خطوات تعد «تحول جوهرى»، إن بلاده ستقدم أسلحة لأوكرانيا، وستزودها «فى أسرع وقت» ب 2700 صاروخ مضاد للطائرات والدبابات وبألف قاذفة للصواريخ و500 صاروخ أرض-جو من طراز ستينغر. ووعد شولتز بأن تخصص ألمانيا مبلغ 100 مليار يورو فى الميزانية من أجل الاستثمارات العسكرية، وأن يصل حجم الإنفاق العسكرى 2 % من الناتج المحلى الإجمالى لألمانيا، يذكر أن ألمانيا من أكبر الدول المنتجة للسلاح وهى ثالث أكبر مصدر للأسلحة فى العالم بعد الولاياتالمتحدةوروسيا. تعتمد ألمانيا بشكل كبير على الغاز الروسى الذى يصلها عبر الأنابيب، وفى ظل الأحداث، أعلن شولتز عن العمل على بناء محطات لتخزين الغاز الطبيعى المسال، ويشكل هذا الإعلان تغيرا فى البنية التحتية الخاصة بالطاقة فى ألمانيا، والتى كانت حتى وقت قريب تعتمد على إمدادات الغاز والنفط الروسية بنسبة 65 %، كما لا تمتلك محطات لاستيراد الغاز المسال. وتستورد ألمانيا 35% من نفطها و55% من غازها الطبيعى و50% من فحمها من روسيا، وقد أثارت الحرب فى أوكرانيا نقاشًا حول العودة إلى استخدام الفحم والطاقة النووية على نطاق أوسع. كان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب قد وجّه انتقادات حادة للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل على خلفية عدم تقيّد ألمانيا بالنسبة التى يحدّدها حلف شمال الأطلسى للاستثمار فى القطاع الدفاعي. والتحوّل المعلن فى التوجّه لافت جدا نظرا إلى تشكيلة الحكومة الألمانية الحالية، فبعد 16 عاما على تولى المحافظين الحكم فى ألمانيا، انتقل الحكم إلى الاشتراكيين الديموقراطيين مع شولتس المنتمى إلى يسار الوسط، والذى يرأس حكومة ائتلافية مع الخضر والليبراليين. كما أعلنت أنها ستعزز قواتها المنتشرة شرقا فى إطار حلف شمال الأطلسي، لا سيّما فى سلوفاكيا، وفق شولتس الذى أبدى أيضا استعداد بلاده؛ للمشاركة فى الدفاع عن المجال الجوى للحلف بواسطة صواريخ مضادة للطائرات.