ساعات قليلة ويسدل الستار علي العام الأول لثورة 25 يناير، وسط انقسام بين المطالبين بالاحتفال وآخرين ينادون بالخروج للتظاهر في الميادين للمطالبة باستكمال أهداف الثورة التي لم تكتمل بعد. غير أن ال365 يوماً الماضية شهدت 4 حكومات جاءت لإدارة شئون البلاد وتحملت جميعها نتيجة الاخفاقات والتعثر في تحقيق الحدود الدنيا من طموح الشعب المصري الثائر علي الفساد، وقمع الحريات، وتغييب مبدأ الكفاءة لحساب الوساطة والمحسوبية، واتساع الفجوة الاجتماعية، وطوابير البطالة والخبز ومصادر الوقود، ومشكلات الفئات المختلفة بداية بالفلاحين في القري والنجوع وانتهاءً بحملة الماجستير والدكتوراه. « لا تعيينات جديدة في الحكومة .. والانتحار ليس حلاً للأزمات» كان هذا التصريح الصادم للشباب المرهق في طوابير البطالة، يعكس تعطل قرون الاستشعار بحكومة الدكتور أحمد نظيف ونظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، فالتصريح الخاطئ سكب البنزين علي نار الغضب المشتعلة في الصدور خاصة ان «نظيف» أدلي به 24 يناير 2011، قبل 24 ساعة من انطلاق مظاهرات «الغضب الشعبي» التي دعا لها نشطاء علي موقع التواصل الاجتماعي « الفيس بوك». التصريح الأخير لنظيف جاء خاطئاً من حيث الزمان، والظرف السياسي فعكس استهانة الحكومة بمطالب الجماهير وعدم المبالاة في وقت تزايدت فيه محاولات الانتحار يأساً من الأوضاع المتردية واحتجاجاً علي الظلم الاجتماعي، فحاول أسامة عبدالشهيد عبود «48 سنة»، موظف بالوحدة الزراعية في المرج، الانتحار بقطع شرايين يده أمام دار القضاء العالي، بسبب عدم حصوله علي راتبه الشهري البالغ 60 جنيهاً فقط منذ 4 سنوات، ومنعه مواطنون من قطع رقبته بشفرة حلاقة. وفي بني سويف، ألقي أحمد محمد أحمد محمود «26 سنة»، عامل بناء، نفسه من أعلي مآخذ المياه التابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي في نهر النيل، إلا أن عدداً من أفراد قوة المسطحات المائية تمكنوا من إنقاذه، وكشفت التحريات أنه يمر بضائقة مالية. كما أقدم شاب يدعي أحمد الحداديطالب بتعيينه في منطقة الآثار بأسوان، علي الانتحار، فتوجه إلي مقر المنطقة، وشرع في إشعال النار في نفسه، قبل ان يحبط العاملون وأفراد الأمن محاولته. وفي السويس حاول سعيد محمد أحمد قاعود «56 سنة»، عامل سابق في شركة السويس للأسمنت، إشعال النار في نفسه أمام مقر الحزب الوطني المنحل . حال «نظيف» لم يكن أفضل من وزراء حكومتة « رجال الأعمال» فلم تتوقع الحكومة الالكترونية، ورئيسها الحاصل علي الدكتوراه في هندسة الحاسب الالي من جامعة مكفيل بكندا 1983 أن الانترنت الذي توسع في عهده سيتحول من شغل الشباب في دردشات وصداقات، إلي ساحة للنقاش السياسي ومناقشة قضايا الوطن والتنظيم والحشد ليوم الغضب لاسقاط النظام، فخرج المارد من خلف شاشات الحاسب الآلي ليطيح ب«النظام». حال رجال «نظيف» كان اكثر سوءاً حيث كشفت مصادر بوزارة الزراعة أن أمين اباظة وزير زراعة نظيف يستورد 61 الف طن من المبيدات المغشوشة سنوياً، فيما تقدم مواطنون ببلاغ حمل رقم 6311 لسنة 2011 يتهم أحمد المغربي وزير اسكانه بالاستيلاء علي 96 الف متر من أراضي الدولة عبر تخصيصها بالامر المباشر لشركات صورية « بالم هيلز للتعمير» التي يملكها الوزير وشركاؤه المؤسسون. فيما كان أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم يتخبط مشترطاً علي أولياء أمور الطلاب المعتصمين التنازل عن دعاواهم القضائية ليتراجع عن قرارة بتحويل المدارس القومية إلي تجريبية، مما أشعل أزمة زلزلت أسر الطلاب خشية علي مستقبلهم العلمي. أما الدكتور حمدي زقزوق فكان هو الآخر في غيبوبة إدارية فأطلق تصريحات يوم 24 يناير قال فيها عن مستأجري أراضي الأوقاف من الفلاحين البسطاء: «مستأجرو الأوقاف يأكلون مال النبي».. بينما كان حاتم الجبلي وزير الصحة يطرح لائحة المستشفيات المؤجلة لاعتراض الاطباء عليها فزاد من ثورة الاطباء والعاملين في القطاع الصحي. في حين كان زاهي حواس قريباً من المشهد وازداد الحديث حول تهريب قطع أثرية، ليرد الامين العام للمجلس الاعلي للاثار بأن هذه الواقعة قديمة وتعود إلي العام 2008. «مبارك» بدوره تحدي الغضب الشعبي وقال في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب المزور والذي حصل فيه الحزب الوطني المنحل علي 97% ، معلقاً علي غضب المعارضة: « خليهم يتسلوا». البرلمان بدوره رد له الجميل بتصريحات رئيسه أحمد فتحي سرور القابع الان خلف القضبان بتهم فساد قائلاً: « البرلمان يرفض أي تدخل خارجي في الشأن المصري « رداً علي مطالبات بالكشف عن مرتكبي حادث تفجيرات كنيسة القديسين التي تناثرت خلالها أشلاء 24 مواطناً مصرياً مسيحي الديانة وكادت تثير أزمة طائفية. أما د. مفيد شهاب وزير مجلسي الشعب والشوري الناجي من ملاحقات الفساد بعد الثورة قال حينها: مصر لا تقبل أي تدخل خارجي في شئونها من أي كائن من كان». وفي الثانية من ظهر 25 يناير تمخضت مصر عن وليد الثورة حيث بدأت مظاهرات تحبو بجوار دار القضاء العالي ونقابتي الصحفيين والمحامين، ودار الحكمة وسرعان ما انفجرت في شوارع عدة بالقاهرة والمحافظات، وفشلت حكومة نظيف في المقاومة وتصريحاتها الاستباقية وخاصة ما أطلقته وزارة الداخلية من تحذيرات من التظاهر بدون إذن، وبدأت المصادمات وأشتعل الشارع وسط استخدام مفرط للقوة، فانهارت قوي حكومة «نظيف»، وانهزمت أمام إرادة الشعب. الرئيس المخلوع هو الآخر اختفي ليعاود الظهور كعادتة متأخراً بعد اشتعال الأوضاع، ليضحي بحكومة نظيف في أول خطاباتة منذ اندلاع الثورة ظناً منه أن الإطاحة بالحكومة وحل البرلمان وبعض وعود الإصلاح كافية لبقائه واحتواء موجة الغضب، فظهر يوم السبت 29 يناير ليعلن قبول استقالة حكومة نظيف وتكليف أحمد شفيق وزير الطيران بتشكيل الوزارة الجديدة، مضيفاً أنه عين اللواء عمر سليمان نائباً له، لكن حساباته جاءت خاطئة، ورحل نظيف غير مأسوف عليه وبقيت الثورة مشتعلة تطالب برحيله واسقاط نظامه. وجاء تشكيل حكومة «شفيق» محبطاً للجماهير، بالابقاء علي 17 وزيراً من حكومة نظيف أبرزهم مفيد شهاب، وسيد مشعل وزير الانتاج الحربي الاسبق وسامح فهمي وعلي المصيلحي وأحمد أبوالغيط وهاني هلال وعائشة عبدالهادي، فيما كانت أبرز التغييرات في وزارة الداخلية حيث تم استدعاء اللواء محمود وجدي وزيراً للداخلية خلفاً لحبيب العادلي الذي ارتكب جرائم ضد الانسانية بقتل الثوار وقبلهم الكثيرين تحت وطأة التعذيب بعد أن حول سياسة وزارة الداخلية من «خدمة الشعب وحمايته» إلي «خدمة الملتصقين بكرسي الحكم وحماية بقائهم بالقمع والتزوير». حكومة «شفيق» لم تختلف كثيراً عن حكومة «شرف» فهي ذات الشخوص وذات الفكر ونفس الجرائم، فرغم ارتداء شفيق للبلوفر والتيشرت للتقرب ظاهرياً من الشباب فانة تمسك بفكر النظام البائد وانشغل بمطالبة المعتصمين بالميدان بدعوتهم للعودة لمنازلهم، ساخراً « سنحدد مكاناً للتظاهر وسنوزع بمبوني علي المعتصمين».. وفي عهده واصل نظام مبارك قتل الثوار في موقعة الجمل في محاولة لاجهاض الثورة بالقوة. ولم يشفع لحكومة «شفيق» اعتذارها للشعب المصري عن الأخطاء المتراكمة التي ارتكبت في حقه طوال السنوات الماضية، وقولها: إن تلك الأخطاء، التي ارتفعت أحياناً لمرتبة الخطايا، لا يتحملها الوزراء الحاليون. وتعهد مجلس الوزراء بمحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين أيًّا كانت مواقعهم والعمل علي بناء الثقة مع المواطنين مؤكدا أن تحقيق أهداف ثورة 25، يتطلب استقرار الأوضاع الداخلية وانتظام العملية الإنتاجية، فالأوضاع لم تستقر وطموح المواطنين لم يتحقق والمليونيات متواصلة والتحديات تزايدت. ورحل مبارك بإعلانه التنحي 11 فبراير الماضي، ليتسلم المجلس الاعلي للقوات المسلحة إدارة البلاد ويعيد شفيق تشكيل وزارتة الثانية ليحلف اليمين الدستورية من جديد، فأجري تعديلاً محدوداً بالوزارة حيث اختير محمد الصاوي وزيراً للثقافة خلفاً لجابر عصفور الذي استقال احتجاجاً علي استمرار سياسة نظام مبارك بعد رحيله، كما ضم للوزارة وزراء جدداً من أحزاب معارضة في عهد مبارك باختيار د. جودة عبدالخالق القيادي بحزب التجمع اليساري ليتولي حقيبة التضامن الاجتماعي ومنير فخري عبد النور من حزب الوفد الليبرالي لتولي حقيبة السياحة، ليكون أول وزير وفدي منذ 59 عاماً، لكن محاولات تحايل وزارة شفيق باءت بالفشل وانهارت أمام المليونيات المطالبة بإقالته، فتقدم شفيق باستقالة وزارته في 3مارس الماضي ليأتي الدكتور عصام شرف من الميدان. وفور الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة وزير النقل الأسبق عصام شرف بعد قبول استقالة الفريق أحمد شفيق، أنشأ عدد من الشباب علي موقع الفيس بوك صفحة تطالبه بأداء اليمين بميدان التحرير، فيما تناقل عدد من الشباب أنهم أجروا اتصالاً هاتفياً بشرف وأبدي موافقته. وفي الجمعة الأولي لتكليفه بالوزارة فاجأ «شرف» الجميع بحضوره عقب صلاة الجمعة مشددا علي أنه جاء من التحرير وسيعمل علي تحقيق اهداف الثورة واعدا بانه سيعود إلي صفوف المعتصمين في الميدان حال فشله في تحقيق مطالبهم لتتعالي الهتافات وبكاء البعض وتكبيرات اخرين ليخرج من الميدان محمولاً علي الأعناق، بعد أن تجاهل بلباقة مطالب البعض بأن يحلف اليمين أمام الثوار، حيث استشعر البعض أن ذلك سيسبب له حرجاً شديداً مع المجلس العسكري الذي كلفه بالوزارة. غير أن وزارة الدكتور عصام شرف وزير النقل في حكومة شفيق والذي أقيل قبل الثورة ببضع سنوات دون أن يظهر خلالها اي معارضة للنظام السابق، اتسمت بأنها وزارة مرتعشة وأياديها ناعمة، رغم إنجازها المحدود فإن خطواتها كانت بمثابة سرعة السلحفاة التي لا تواكب سرعة الثورات. وضمت حكومة شرف ستة وزراء جدداً من بينهم نبيل العربي وزيراً للخارجية خلفاً لأحمد أبوالغيط، والمستشار محمد عبدالعزيز الجندي النائب العام الأسبق وزيراً للعدل، واللواء منصور العيسوي محافظ المنيا الأسبق ومدير أمن القاهرة الأسبق وزيراً للداخلية خلفاً للواء محمود وجدي. حكومة «شرف» جاءت بتعهدات يمكن من خلال قياس ما تحقق منها الحكم علي مدي نجاحها وإخفاقها، فكان أولوياتها استعادة الأمن وتحجيم عمليات السرقة بالإكراه والانفلات الامني، وإطلاق عجلة الانتاج وتحقيق إصلاحات إقتصادية، وتهيئة المناخ لانتخابات نزيهة والعمل علي ملاحقة قتلة الشهداء ومنحهم حقوقهم ولم يتحقق الامن والمظاهرات الفئوية تواصلت، واختيارات شرف للوزراء جات مرتعشة، وتراجع عن بعضها تحت ضغوط المتظاهرين مثل تراجعه في تعيين وزير للآثار، وانشغل نائبه الدكتور يحيي الجمل بالتصريحات التليفزيونية المثيرة للمشكلات، ولم يتحقق النمو الاقتصادي وظلت عجلة الانتاج متوقفة، وانتهي الامر باختيار الدكتور علي السلمي نائباً لرئيس الوزراء خلفاً للجمل وأعد علي السلمي ما عرف إعلاميا بوثيقة السلمي للمبادئ الفوق دستورية والتي لم يكن له فيها ناقة ولا جمل فهي أكبر من أن يضعها، وحدث جدل واسع ومليونيات من جماعات الاسلام السياسي وخلافات من الثوار حول صلاحيات الجيش التي طرحت لوضعها في الدستور، مما جعل الكثير من المحللين يدركون أن وزارة شرف مجرد ديكور وتتلقي الاملاءات من قيادات المجلس العسكري، كما ارتكبت اخطاء فادحة في اختيارات المحافظين وعدد من قيادات مؤسسات الدولة ثبت أنها فاشلة. ورغم ذلك فإن وزارة «شرف» حققت بعض الانجازات مقارنة بحجم التحديات التي واجهتها، منها الارتقاء بمستوي اجور الاطباء وتحسين علاقات مصر بدول حوض النيل وتشكيل مجلس أعلي لحصر مصابي وشهداء الثورة والعمل علي رعايتهم. ورحلت حكومة شرف بطلب من الميدان بعد ان عجز عن حماية مكتسبات الثورة وتحقيق اهدافها، وبنفس حفاوة استقبال خبر تكليفه بتشكيل الحكومة كانت سعادة الثوار بعد رحيله. ليأتي الدكتور كمال الجنزوري من الماضي ليتولي استكمال قيادة المرحلة الانتقالية، وسط رفض كبير من شباب الثورة وحملات سخرية لكبر سنه وتكليفه بتشكيل وزارة في عهد مبارك الامر الذي دفع د. كمال الجنزوري لرد» أنا جئت للانقاذ وليس لاشيل حديد» في إشارة إلي أن الامر يتطلب خبرة وحنكة أي عقل وليس عضلات، ومع ذلك استمر الاعتصام امام مجلس الوزراء الامر الذي دفع الجنزوري لعقد اجتماعات وزارته في معهد التخطيط، فيما سعي الجنزوري إلي إصدار قرارات تمس مصالح الطبقة العريضة من الجماهير لكسب تأييد القطاع الأكبر في مواجهة معارضية، وأجري مشاورات موسعة مع ممثلي ائتلافات الثورة لإبداء آرائهم في اختيار الوزارات ونجح في اختياراته نسبيا خاصة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم الذي احدث تحسناً ملحوظاً بعودة الأمن للشارع ، رغم اشتعال احداث مجلس الشعب وسقوط المزيد من الشهداء وحرق المجمع العلمي، فإن الجيش والشرطة نجحا في تأمين الانتخابات البرلمانية والجلسة الاولي لمجلس الشعب وللمرة الأولي لا تتدخل الشرطة سلبياً في انتخابات الشعب.