أجريت عدة حوارات سابقة مع المستشار عادل زكي أندراوس رئيس محكمة استئناف القاهرة وأول رئيس للجنة العليا للانتخابات التي تم تعديل مسماها خلال هذا العام إلي اللجنة القضائية العليا.. نظرا لخروج جميع الشخصيات العامة من التشكيل السابق لهذه اللجنة، التي تولي أندراوس رئاستها لمدة عامين وفقا لموقعه القانوني بنص القانون الذي أتاح له تولي رئاسة هذه اللجنة كونه رئيسا لاستئناف القاهرة وأقدم قضاة مصر حينها. اللافت خلال حوار أندراوس ل«روزاليوسف» أمران الأول: أنها المرة الأولي التي يتحدث فيها صراحة عن جماعة الاخوان المسلمين باعتبارهم تيارا معتدلا لا يخشاه كقبطي.. مستندا في ذلك الي تاريخ اعتبره طويلا منذ حقبة العشرينيات حتي الآن.. الأمر الذي جعل من السهل وفق نظره أن يتم الحكم عليهم سريعا! والأمر الثاني: اعتباره التيار السلفي تيارا جديدا علي الساحة المصرية ظهر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير.. يجب اختباره حتي يمكن أن يتم الحكم علي التجربة الأولي التي ظهرت من خلال أصوات الناخبين في الجولة الأولي من برلمان 2011 . أندراوس اعتبر أيضا نجاح تجربة المصريين بالخارج بمثابة الأمل الذي تحقق علي أرض الواقع بفضل القضاء المصري الذي أعطاهم هذا الحق، مشيرا في نفس السياق إلي أن المواطن المصري شعر لأول مرة منذ سنوات طويلة بأن صوته له قيمة.. وهو ما أثر فعليا علي ما أطلق عليهم اسم «حزب الكنبة». وأرجع أندراوس نجاح الجولة الأولي للانتخابات إلي الشعب المصري نفسه الذي حمي الانتخابات بجانب قوات الجيش والشرطة، تفاصيل أكثر في سياق الحوار التالي: أبدأ برؤيتكم كأول رئيس للجنة العليا للانتخابات حول المرحلة الأولي من الانتخابات؟ أولا: إن الجميع آمن بعد الثورة بأن صوته أصبح بالفعل محل اعتبار.. وأنه ليس هناك مصلحة لاحد في تزوير صوته.. ثانيا: نسبة التصويت غير المسبوقة والتي ساهم فيها استخدام بطاقة الرقم القومي.. بخلاف السنوات الماضية التي كان يتم فيها استخدام البطاقات الانتخابية التي كانت تعد معوقا أمام مواطنين كثيرين من استخدام حقهم في عملية التصويت.. وبالتالي أري أن هذه الانتخابات مظهر مشرف لمصر هذا الاقبال الكثيف يعكس أن الناس شعرت بأن صوتها أصبح له قيمة.. وأنها ذهبت ليس لتجنب الغرامة المالية التي أعلنت عنها اللجنة القضائية العليا للانتخابات. أيضا يمكنني أن أقول لك إن هناك خطوة سعيت إليها كثيرا وأنت تعلم هذا ونشرته قبل ذلك في «روزاليوسف» أكثر من مرة وعندما وجدتها تحققت علي أرض الواقع «انبسطت كتير» وهي خطوة تمكين المصريين بالخارج من الإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات حرة.. وهذا الموضوع تحديدا أسعدني نظرا لأنني عندما زرت كلا من بولندا واستراليا وإيطاليا والكويت كنت أتمني أن تربط مصريي الخارج بوطنهم الأم داخليا. هل تعتقد أن استخدام بطاقة الرقم القومي قطع الطريق علي زيادة عدد الطعون القضائية التي كنا نشهدها خلال الانتخابات الماضية؟ بالطبع، لأن التصويت أصبح من خلال محل الاقامة.. وهو شيء مبهر حقا. ما الدائرة التي أدليت فيها بصوتك؟ دائرة مصر الجديدة.. ونفس الامر زوجتي وابنتي التي وقفت في «طابور الانتخابات» لمدة سبع ساعات أما كبار السن فكان يتم التعامل معهم بشكل «كويس جدا» بل أقول لك.. أنا زرت أمريكا وما شاهدته يوم الانتخابات المصرية لا يقارن.. حيث نسبة التصويت هناك لا تتجاوز خمساً وعشرين بالمائة! تصويت المصريين بالخارج.. كتجربة طرحتموها ثلاث مرات علي النظام السابق ورفضت.. والآن طبقت علي أرض الواقع.. كيف تراها؟ هذا الحلم تحقق بفضل القضاء.. والدولة طبقته. تقدم التيار الديني في المرحلة الاولي للانتخابات، كيف تقيمه؟ انتخابات.. تعني ارادة شعب.. ونحن لا نرسم صورة الصناديق.. وطالما اتفقنا علي الديمقراطية وليس الديكتاتورية فعلينا أن نقبل بالنتائج بل أقول هنا أيضا إن الثورة الحقيقية التي رأيتها هي ثورة التصويت المكثف من جانب الناخب المصري.. الذي ذهب ليدلي بصوته باعتباره حقا من حقوقه.. والأهم هنا أن الانتخابات مرت بسلام.. أيضا هناك ملاحظة اسجلها هنا وهي أن الذي حمي الانتخابات هو الشعب بجانب الجيش والشرطة.. وبالتالي أصبحنا أمام حقيقة وهي «أن الشعب لا يمكن أن يواجه بالاجرام أو البلطجة». بماذا تقصد هنا أن الشعب هو الذي حمي الانتخابات بجانب الجيش والشرطة؟ معناه أن مصر كلها كانت في الشارع.. ولا يمكن للبلطجية أن يضربوا شعباً بالكامل.. يعني لما الشعب يخرج للشارع «مافيش حد يقدر عليه» ومادامت هناك ديمقراطية تتحقق فعلينا هنا أن نتحمل نتائجها. شباب التحرير يري أن التيار الديني والأحزاب السياسية استغلت دماء الشهداء للوصول للبرلمان؟ الأحزاب نفسها مازالت في طور التكوين والتبلور ولا يوجد حكم للابد.. وهناك شباب غاضب بالفعل ويشكر علي أنه عمل الثورة ولكن عليهم أيضا ألا ينسوا حكمة الشيوخ.. وعشرة أشهر من عمر مصر ولا حاجة.. وإذا لم يتحقق شيء مما كان يطالب به الشباب فما حدث خلال المرحلة الاولي من الانتخابات حقق الكثير.. وأهم نتائج الثورة خروج مصر للتصويت. ولكن هناك هواجس مدعومة بتجارب من سيطرة التيار الديني بكل أطيافه علي البرلمان بشكل يقوض دعائم مستقبل الدولة المدنية؟ أولا: لماذا نخاف من التيار الديني.. ولن تضار مصر من هذا الحكم.. لأن الحكم سياسة وليس كل ما يقال عن التيار الديني في وسائل الاعلام صحيحا. ثانيا: نحن جربنا الحكم العسكري علي مدار نصف قرن وعشنا تجارب كثيرة.. فلماذا لا نجرب هذا الحكم ولو مرة واحدة.. وأقول لك هنا إن الفزاعة التي كان يستخدمها نظام مبارك بأن التيار الديني علي سبيل المثال لا الحصر، مثل تيار الاخوان المسلمين إذا وصل للحكم فسوف تنهار الدولة ليس صحيحا.. لأن هذا النظام كان من ضمن آليات استمراره استخدام هذه الفزاعة.. وماذا يضير عندما يطبق حد السرقة علي السارق بقطع اليد.. أليس هذا نصا قرآنيا؟ عموما.. الناس شعرت بالحرية فعلا.. والشعب أثبت أنه حر.. وليس كما كانوا يدعون عليه بأنه «حزب الكنبة». لكن المواطن العادي يمكن أن ينخدع في الشعارات؟ هذه بداية.. بل دعني اسميها سنة أولي ديمقراطية والشعب لم يحصل بعد علي بكالوريوس الديمقراطية ويكفي أنه عرف طريقه بوضوح نحو البرلمان. ألا يقلقك كقبطي سيطرة «جماعة الاخوان» علي مقاعد البرلمان التي تتيح لهم تشكيل الحكومة فيما بعد؟ أنا هنا لا أتنبأ بالمستقبل.. والاخوان المسلمون من وجهة نظري معتدلون جدا وعلينا ألا نعود الي نظام الفزاعات القديمة والفوضي والاخوان أو النظام.. وجماعة الاخوان معنا منذ عام 1928 وتعرضوا لقمع شديد.. ولكن التيار المطلوب اختباره فعلا هو التيار السلفي الذي لم اسمع عنه قبل ذلك وظهر فجأة عقب ثورة يناير. ماذا عن السلبيات التي رصدتموها خلال الجولة الأولي؟ أبرز السلبيات تأخر القضاة.. وفتح باب الاقتراع متأخرا.. ولكن النتيجة العامة رائعة. ما تقييمكم لآداء اللجنة الحالية؟ اللجنة تدير الامور بحكمة وهدوء.. ورئيسها الحالي المستشار عبدالمعز إبراهيم رجل أعرفه كثيرا وهادئ ومريح الناس كلها.. اضافة إلي استخدام اللجنة وسائل التكنولوجيا الحديثة وهذا جربته بنفسي.. حيث حصلت علي رقم لجنتي من خلال خدمة دليل التليفون التي أتاحتها اللجنة قبل بدء عملية التصويت. وجود مجلس استشاري يعاون الحكومة والمجلس العسكري.. كيف تراه؟ شوف، المجلس العسكري مهمته ثقيلة جدا وتسليم السلطة والدولة في حالة انهيار أمني وشاهدنا جميعا اللجان الشعبية.. وعندما وجدنا الدبابات بالشارع سعدنا بها كثيرا.. المجلس العسكري عايز يرضي الناس رغم كل ما يقال والمجلس فعلا سوف يسلم السلطة إلي سلطة مدنية والدليل اصراره علي إجراء الانتخابات بهذا الشكل رغم كل ما حدث قبلها.. إضافة إلي أن المجلس العسكري يحكم بحكم الضرورة.. وعندما يطالب البعض بضرورة تسليم المجلس السلطة «طيب يسلمها لمين؟».. خاصة أن الدستور القديم كان يقول إنه في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو عزله يتولي الحكم رئيس مجلس الشعب.. أو رئيس الدستورية العليا ويدعو للانتخابات، والمجلس العسكري معه قوة الجيش.. والجيش المصري جيش وطني «بتاعنا احنا كلنا» والدلائل كلها تشير إلي أن المجلس العسكري ليس طامعا في السلطة! لكن هناك آراء تري أن استجابة المجلس العسكري بتشكيل مجلس رئاسي استشاري وكذلك حكومة انقاذ وطني جاءت نتيجة ضغط الشارع.. وفي نفس السياق لم يستجب لمطلب تأجيل الانتخابات؟ الانتخابات كانت محددة قبل الاحداث الأخيرة.. وبالرغم من كون هذه الاحداث مؤشرا فعليا علي تأجيل الانتخابات فإن المجلس العسكري أصر عليها وهذا يحسب له.. وأثبت أن الشعب معه ومع الجيش.. أيضا لماذا يفترض الشارع سوء النية في المجلس.. كل المؤشرات الحالية تدل علي حسن النوايا في تشكيل مؤسسات الدولة.. بل أقول إن المجلس لم يكن عنيدا واستمع للكل وليس هناك داع لجلد الذات. هناك اشكالية قانونية غير مفهومة.. وهي أن البرلمان لا يشكل الحكومة.. فما فائدة هذه الانتخابات؟ لأن الدستور الجديد هو الذي يقول من يشكل الحكومة.. وما مصير مجلس الشوري عقب صياغة الدستور من اللجنة التأسيسية لذلك.. وما الصلاحيات التي ستمنح للرئيس القادم.. يعني ببساطة علينا أن نصبر قليلا.. لأننا نمر بمرحلة مؤقتة «اللي خلانا نصبر عشرة أشهر.. نصبر شوية كمان». كيف يمكن أن تكون هناك صيغة تفاهم بين حقوق المواطن ودور الشرطة كمؤسسة حامية وليس متسلطة؟ أري أن التسامح هو بداية الطريق تجاه هذا الأمر.. وحتي تمر الدولة مما هي فيه لأن مؤسسة الشرطة ملك للمصريين جميعا وعلينا أن نفرق بين هذا وبين التجاوزات التي تحدث من جانب بعض الضباط، ولذلك علي حكومة الجنزوري أن يكون علي رأس أولوياتها إعادة الامن للشارع المصري، بل أقول هنا إن الجنزوري فدائي لأنه قبل بتشكيل الحكومة في هذا التوقيت.. وعلينا أن نرفض سياسة التخوين.. لأنه كما يقولون «اللي علي البر عوام». كيف تري مستقبل المرحلتين الثانية والثالثة من هذه الانتخابات؟ المرحلة الأولي كانت بروفة عظيمة للمرحلتين الثانية والثالثة.. ويكفي أن المرحلة الأولي ضمت القاهرة العاصمة التي تجمع كل شيء بداخلها. سؤالا أختتم به حواري كيف نبني مستقبل الدولة المصرية؟ بجهود أبنائها واستثمار الحرية التي حصلوا عليها.