حينما رأى ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني تابوت الزعيم الهندى غاندي مكتوبا عليه:- "هنا يرقد الإنسان النبيل والسياسي العظيم" قال ضاحكا:- هذه أول مرة أرى فيها رجلين يدفنان في تابوت واحد. فمن غير الممكن أبداً أن يكون السياسي العظيم إنسانا نبيلاً ففي عالم السياسية ليس هناك إلا حقيقة واحدة فقط هي المصلحة. فالسياسي الذي تتحكم فيها المبادئ والقيم والأخلاق، فهو إما سياسيا أبله أو ليس سياسياً على الإطلاق. لذا قال الشيخ محمد متولي الشعراوى رحمه الله "يجب أن تأتى السياسة إلى الدين.. ولا يذهب الدين إلى السياسة". فالسياسي لا يهمه أبداً أن يكون صادقاً أو كاذباً أمام الناس إنما ما يهمه هو تحقيق مصالحه فقط.. ربما تفسر هذه المقدمة ما نراه فى مصر منذ تنحى الرئيس المخلوع مبارك، فقبل تنحيته كانت كل طوائف الشعب المصري إسلاميين ومسيحيين وعلمانيين وليبراليين متفقين على هدف واحد هو تخليص مصر من هذا النظام الفاسد وساعتها كنا نردد جميعاً " الجيش والشعب ايد واحدة" ولكن بعد التنحي بدأ الجميع يبحث عن مصالحه الشخصية والبداية كانت مع اللجنة التى تم تشكيلها لتعديل الدستور، برئاسة المستشار طارق البشرى المحسوب على التيار الإسلامي والأستاذ صبحي صالح المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. فقد شن الليبراليون والعلمانيون حملة شعواء ضد هذه اللجنة وطالبوا الشعب برفض ما قامت اللجنة بتعديلها.. هو ما أدى إلى وجود استقطاب ديني صوَّت البعض على أساسه في هذا الاستفتاء حتى صور بعض المشايخ الاستفتاء ب"غزوة الصناديق". واعتبروا التصويت ب"نعم" في هذا الاستفتاء انتصارا للتيار الإسلامي ودحراً للعلمانيين.. ومن هنا بدأ الجميع يتبادل الاتهامات بالخيانة والعمالة تارة لدول أجنبية كالولايات المتحدةالأمريكية "التيار العلماني".. وتارة لدول عربية وإسلامية كالسعودية وإيران "التيار الإسلامي". بعد ذلك بدأنا نسمع عن محاولات إلتفاف على إرادة الشعب في استفتاء 19 مارس بالمطالبة "بمبدأ الدستور أولاً" وهو ما رفضه الإسلاميون بشدة وهددوا بالنزول إلى الشارع في حال موافقة المجلس العسكري.. ثم عن "الوثيقة الحاكمة للجنة تشكيل الدستور" وهو ما رفضه الإسلاميون أيضا وهددوا بالنزول إلى الشارع لأجله. وهو ما جعل العلمانيين يشيعون أن هناك انحيازاً وأن هناك صفقة بين المجلس العسكري والتيار الإسلامي "إخوان وسلفيين".. بل وطالبوا بتأجيل الانتخابات وبقاء "العسكر" في السلطة حتى تكون هناك مساحة زمنية لهم للتواجد في الشارع المصري وذلك خوفاً من اكتساح التيار الإسلامي للانتخابات. وعندما استجاب "العسكري" خرج علينا من يتهم "العسكر" باختطاف الثورة ومحاولة البقاء في السلطة أطول مدة زمنية ممكنة.. ثم طالبوا أولا بمجلس مدني مؤقت يتولى السلطة.. وعندما لم يجدوا مردوداً لمطالبهم في الشارع قالوا "إن العسكري لا يختلف عن نظام مبارك".. رغم أنهم استخدموا نفس فزاعة ما قبل 25 يناير وهى "الإسلاميين" ثم طالبوا بجدول زمني لنقل السلطة وعندما أعلن المجلس العسكري الجدول الزمني لم يعجبهم. وهكذا نحن منذ 11 فبراير في تبادل للاتهامات والخيانة والعمالة وتراشقات بين التيارات المختلفة فكل تيار يهدد بمليونية بحثا عن مصالحه فقط ولإعلان قوته وقدرته على حشد الشارع.. وكل فئة عمالية تقوم بإعتصام بحثاً عن مصالحها أيضاً ومجلس عسكري يحاول إرضاء الجميع.. ومن يحاول إرضاء الجميع لن يُرضى أحداً على الاطلاق.. ثم يقول الشعب - الذي لا يهتم بمصالحه أحد - أين الثورة؟! في النهاية أختتم كما بدأت ... فأوجه ما قاله ونستون تشرشل للمجلس العسكري" أن يهابك الناس أفضل من أن يحبوك". وأوجه ما قاله غاندى لمن يظن نفسه ثائراً "الثورة الحقيقية أن تبدأ بنفسك والمحيطين بك".