ولعلعت الاثنتان: «الزغرودةُ» و«الرصاصةُ» في ذات المكان نصبوا الفرح والمأتم معاً. في نفس الغرفة جلس المهنئون والندابات يتمتمون بكلماتهم: جملة للتهاني.. وأخري للتعازي. هكذا بدت ثورتنا المصرية.. ليست فرحاً خالصاً.. ولا حزناً خالصاً أيضاً.. كانت أشبه بالبهجة الموجعة.. احتفالات بسقوط النظام.. وأخري بتشييع الشهداء إلي السماوات العُلا. ما الذي خَطَا بأقدامنا إلي هذا الطريق وأدي بنا إلي الجلوس في ذات السرادق؟ نلطم في عز الفرح.. وتصنع الدموع شقوقاً في الخدين المنفرجين من أسباب للسعادة؟ ومنذ أن حوَّم الغرابُ النَّواح فوق رءوس الجميع حتي تحول الفرح إلي ترح.. وظلت «المعددة» تنوح علي أيام كانت فيها الجماعات الإسلامية تشن هجومها علي شوارع الهرم وحاناته ومراقصه ثم راحت تشن هجومها علي الكنائس ودور العبادة القبطية وتركت الحانات في حالها قائلة إن هناك رباً يهدي مرتادها! كانت انتفاضة الأقباط ليلة أمس الأول هي بمثابة ثورتهم علي حكم مبارك.. ثورتهم التي حاولت الجماعات الإسلامية متضامنة مع السلطة الحاكمة في الإطاحة بطلباتهم القديمة والشرعية في حرية عبادة الله مثلما نعبده نحن المسلمين بحرية! صعبة دي؟ حرام؟ لماذا نعاملهم وكأنهم كفار قريش؟ لقد أمر عمر بن الخطاب مرة الناس أن يلقوا بالحب فوق سفوح الجبال حتي لا يجوع طير في عهده. للطير حق في الحياة كما للحيوان والإنسان والنبات.. كلنا خلق الله مسلمين وأقباطاً ويهوداً.. سنة وشيعة.. يميناً ويساراً.. كلنا نعبد الله. فمن ذا الذين يمنع عبداً من التمتمة بالدعاء؟ لقد أخرج الجميع الأقباط من ثورة يناير عنوة وغصباً واضطراراً، فما كان منهم إلا أن قاموا بثورتهم.. أوليسوا مصريين؟ أليس من حقهم الثورة علي الحاكم إن بغي وطغي؟ لقد رفعوا ذات المطالب التي رفعوها في 25 يناير ولم يستجب لهم.. وهم الذين حموا الثوار في ليالي الجمعة المجيدة أثناء الصلاة فقد آن الأوان أن يحميهم الثوار المسلمون وهم يصلون داخل دور عبادتهم.. آن الأوان أن نبني لهم ما تهدم ونُسن لهم قوانين تحميهم من أولئك الذين خرجوا من السجون ليزجوا بنا فيها.