عدت بالليل يوم الأحد في نحو العاشرة والنصف من ندوة لتكريم أجمل قارئ في العالم، كما أطلق عليه الادباء، وهو العزيز محمد كامل الذي اجتمعت لتكريمه داران للنشر دار صبح لصاحبها الكاتب زكريا صبح ودار ايزيس لصاحبتها سوزان تميم مع اتيليه القاهرة . هذه أول مرة يجتمع فيها الكتاب والادباء والفنانون علي تكريم قارئ . والحقيقة انه ليس بالقارئ العادي فهو عضو نشط في جميع الندوات المهمة في منطقة وسط البلد وغيرها .عدد كبير من الكتاب حضروا لتكريم هذا الرجل المثقف أكثرهم من الكاتبات مما جعلنا نضاحكه علي حسن حظه . تكلم في الندوة كل من الكاتبتين فاطمة ناعوت وسهير المصادفة وكذلك الدكتور مدحت الجيار وأخيه الدكتور شريف الجيار . كانت هذه هي الكلمات الرئيسية وتكلم بعدهم الكثيرون وعزف الفنان النوبي الجميل كرم مراد وغني . كنت متعبا أعاني من التهاب في الحلق وسخونة بادئة اعرف أنها ستزداد. ولم أكن في أحسن حالاتي لكني ذهبت محبة لهذا القارئ غير العادي، الذي اصبح مرجعا إذا اردنا، فيما صدر من اعمال روائية وقصصية وشعرية عبر السنين .وحين تكلم هو كان بسيطا جميلا شكر كل من ساهم في اقامة هذا التكريم وعلي رأسهم الشاعر سعدني السلاموني الذي كان صاحب الفكرة ومشي وراءها حتي تمت، ولا بأس فالسلاموني الصعلوك يمكن أن يفكر فيما يغيب عن المثقفين المهندمين ! حكي محمد كامل حكايات لو كتبها لصارت سيرة حياته سيرة للحياة المصرية والمجتمع المصري، وأنا أتمني علي أي صحيفة تريد عملا جميلا أن توكل لأحد محرريها مهمة تسجيل حياة هذا الرجل منذ طفولته حتي الآن . ليست مجرد سيرة لكيف صار قارئا ممتازا وصاحب رأي ولكن كيف خالط التيارات الفكرية المختلفة . مما حكاه أنقل لكم حكاية واحدة إذ كان يعمل في صباه عند احد اليهود المصريين الذين لهم علاقة بالحركة اليسارية المصرية، وعهد اليه توصيل مبلغ ما لأحد اليساريين المسجونين في سجن مصر، وفعل ذلك وذهب الي سور السجن من الخارج وكانت حوله في ذلك الوقت تلال من الرمال. ووقف ينادي السجين ليخبره انه اودع له المال في المكان المتفق عليه .شاهده حارس السجن الذي كان يدور حول السور راكبا حصانه فأمره بالانصراف لكنه لم ينصرف منتظرا أن يطل عليه السجين من نافذة السجن، فطارده الحارس . كان كثير من المسجونين السياسيين يطلون من نوافذهم فراحوا ينادونه ليحترس وهو يجري أمام الحصان حتي سقط علي الأرض في حفرة وشد الحارس الذي توقف بالحصان اللجام ليرفع الحصان قدميه الي أعلي وينزل بهما عليه هو الساقط في الحفرة ولكن الارض انشقت عن الكاتبة فتحية العسال التي كانت ايضا تزور السجن من الخارج تحدث زوجها السجين عبد الله الطوخي الكاتب الرائع رحمه الله، وكانت حاملا في شهرها الاخير فاسرعت ووقفت امام الحصان طالبة من الجندي الحارس أن يدوسها أولا، مما جعله يكف عن أذاه ويخجل ويعود بفرسه تاركا محمد كامل . كان التأثر شديدا علي الصديقة فتحية العسال وهو يحكي الحكاية، وكنا ايضا متأثرين مندهشين، واستمر يحكي كيف كان يعمل عند آل السحار وكيف قابل نجيب محفوظ في مقهي قشتمر وماذا أهداه كل من آل السحار من كتب ونجيب محفوظ ايضا . حكايات انسانية جميلة ومثيرة كانت وراء حب هذا الرجل للقراءة تستحق ان تروي لانها حكايات لا تنفصل عن حكايات الوطن فضلا عما فيها من مواقف للكتاب الذين أحبهم وأحبوه .وكان من الجميل مما قاله عتابه علي بعض الكتاب الذين لا يهدونه كتبهم ويفضلون اهداءها لبعض النقاد والصحفيين. يقول بخفة دم مصرية جميلة إنه ينتقم منهم بعد ذلك اذ يجد الكتب المهداة الي الصحفيين او النقاد علي سور الازبكية بربع ثمنها عليها الاهداء للناقد او الصحفي الذي فضّله الكاتب عليه .لقد ذكرنا العزيز محمد كامل تلك الليلة بالكاتب الفلسطيني الراحل احمد عمر شاهين الذي كتب الرواية وترجم الكثير جدا، والذي كان يقيم بحارة درب الجماميز بالسيدة زينب. كان محمد كامل من رواد ندوته في بيته وأنا كنت صديقا لاحمد لكني لم أكن من رواد الندوة . لم اكن أبداً من رواد اي ندوة منتظمة . دائما احضرها مرات واهجرها لا لسبب إلا أن الحياة لا توفر لي حتي الآن وقتا لذلك . كانت هذه الندوة شيئا مهما وبلاشك يعرف محمد كامل الكثير من أسرارها الجميلة .رحمه الله أحمد عمرشاهين كان بيننا حب كبير وكنا نلتقي في منتصف السبعينيات في لقاء كل يوم جمعة في بيت الكاتب رضا الطويل ومعنا الناقد السينمائي الكبير كمال رمزي وثابرنا علي اللقاء سنة واكثر ثم تغيبت انا واستمرا هما ثم اقام أحمد عمر شاهين لقاء في بيته. كانت ليلة بديعة اجتمع فيها الحب فقط مع الحب ! ولا شيء لآخر لتقدير هذا القارئ الجميل الذي اسمه محمد كامل .