يعلن المشير طنطاوى رئيس المجلس الأعلى العسكرى اليوم الخميس 7 يونيو وقف نزيف الوقت المتعمد من قبل القوى والأحزاب السياسية واسدال الستار على المرحلة الانتقالية للبلاد، وأوضح المشير للمجلس الاستشارى وبعدها الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة أنه لن يسمح أن تعيش مصر فى فراغ دستورى لتعمل كل جماعة ما يحلو لها وسيكون هناك أمران لا ثالث لهما الأول تعديل مكمل للمادة (60) من الإعلان الدستوري، بإضافة جملة واحدة توضح إشراك كل أطياف المجتمع بنسب متساوية دون أغلبية لأحد مهما كانت الملابسات وأن هذا هو رأى ثلاثين من الفقهاء والدستوريين الذين قدموا اقتراحاتهم للمجلس العسكرى لكل الاحتمالات فى المرحلة المقبلة. الأمر الثانى الذى سيقره المشير طنطاوى إذا ما تعذر الأول نتيجة اعتراض أو تصعيد سياسى من أى نوع هو استدعاء دستور 71 الذى تم تعطيله بموجب البيان الخامس للمجلس العسكرى يوم 13 فبراير 2011 وأنه سيتم تسليم السلطة للرئيس المنتخب طبقا لدستور 1971.
الفقهاء الثلاثون
وكان المجلس العسكرى قد اجتمع يوم السبت 21 إبريل الماضى مع ثلاثين من فقهاء الدستور والقانون بقاعة الماسة فى دار هيئة الشئون المالية بشكل غير معلن وضع خلالها المجلس العسكرى كل الاحتمالات فى حال إذا ما فشلت الأحزاب والقوى السياسية فى تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور؟ وماذا لو لم يتم انتخاب رئيس كما هو الجدول الأمنى المحدد؟ وما هو تأثير قانون العزل على الانتخابات الرئاسية وما هى دستوريته وشرعيته؟
استمر الاجتماع نحو 6 ساعات وكان الحاضرون هم «د.محمود محمد كوبيش عميد حقوق القاهرة - د.أحمد عوض هندى عميد حقوق الإسكندرية - د.جميل عبدالباقى عميد حقوق عين شمس» علاوة على عمداء حقوق كل من جماعات «أسيوط - بنها - المنصورة -الزقازيق - بنى سويف- طنطا» ومن المستشارين «عبدالله أبوالعز- محمد الشيخ- تيمور فوزى - مجدى العجاتى - هشام بدوى - وائل شلبي- محمد سعيد أمين - أحمد الزند» ومن الفقهاء الدستوريين «د.إبراهيم درويش- د.عمرو حسبو - د.ثروت بدوي- د.يحيى الجمل - د.أحمد كمال أبوالمجد - د.صبرى السنوسى - د.رأفت فودة - د.ثروت عبدالعال - د.محمد نور فرحات - د.عاطف البنا».
وحضر من المجلس العسكرى الفريق سامى عنان وكل من اللواء «ممدوح شاهين - محمود نصر- محمد العصار - أحمد أبوالدهب» وخلص الاجتماع إلى أن الجمعية التأسيسية للدستور والتى لها عوار فى الإعلان الدستورون مما جعل هناك استئثاراً من أحزاب الأغلبية بالجمعية وقال الفقهاء إن المادة (60) من الإعلان الدستورى بها صعوبة فى هذا الخصوص، وتم الاتفاق على أن تكون الجمعية المؤسسة للدستور بها عدد كبير من الفقهاء الدستوريين وتتمثل فيها جميع طوائف الشعب والقوى السياسية والأحزاب بالتساوى دون أغلبية علاوة على عشرين شخصية عامة تتضمن الشباب والمرأة والمسيحيين وهو الاقتراع الذى تبناه د.أحمد كمال أبوالمجد عضو اللجنة الاستشارية، وقالت به هذه اللجنة فى اجتماعها يوم الاثنين الماضى مع المجلس العسكرى والذى ذهب بصدده سامح عاشور مساء نفس اليوم لمقر حزب الوفد واجتمع بالأحزاب هناك وعرض عليهم اقتراح الاستشارية والذى هو فى الأصل رأى لجنة «الفقهاء الثلاثين» وبعد أن عرض عاشور على الأحزاب المقترح وعقدوا مؤتمرا إعلاميا تم بثه مباشرة إلا أنه فى اليوم التالى الثلاثاء وباجتماع الأحزاب مع المجلس العسكرى قالوا رأيا مختلفاً تماماً عن الاستشارية وأعلنوا تمسكهم بقرار يوم 28 إبريل وبنوده الثانية الذى من المفترض أنهم اتفقوا عليه فى هذا التاريخ باجتماعهم مع المجلس العسكرى وبحضور حزب الحرية والعدالة يومها ومع ذلك لم ينفذ هذا الاتفاق.
رفعت يعترض والبدوى يتملص
وفى اجتماع الثلاثاء أمس الأول حاول د.السيد البدوى رئيس حزب الوفد التملص من الظهور فى المؤتمر الصحفى الذى تم عقده عقب الانتهاء من الاجتماع ليعلن هو بنفسه وكما هو متبع ما تم التوصل أو الاتفاق عليه ولكنه رفض القيام بهذا محاولا الامساك بالعصا من المنتصف حتى لا يفقد تحالفه مع حزب الحرية والعدالة، وعليه قام بإلقاء البيان للاتفاق الذى تم فى اجتماع الثلاثاء النائب مصطفى بكرى الذى حاول اخفاء ذكر ما لوح به المشير بإنذار منه فى حال عدم استجابة القوى والأحزاب السياسية للاتفاق فإنه سوف يستدعى دستور 71 الذى تم تعطيله حتى لا يترك البلاد فى حالة فراغ دستورى بعد انتخاب رئيس الجمهورية وما أوضح هذا الانذار هو أحمد الفضالى رئيس حزب السلام الديمقراطي- وكان اجتماع الأحزاب يوم الثلاثاء مع المجلس العسكرى مليئاً بالمفاجآت حيث كان د. رفعت السعيد «حزب التجمع» أعلن اعتراضه طوال الاجتماع ولم يقدم حلولا ولم يظهر فى المشهد الإعلامى أثناء المؤتمر الصحفى بوزارة الدفاع كعادته، ومن جانب آخر ظهر للمجلس العسكرى أن حزب «النور» السلفى مازال فى طور «الحبو» أى أنه يحبو فى العملية السياسية حيث عرض رأيه الممثل فيما أملاه عليه حزب الحرية والعدالة الذى لم يحضر بدوره فى الاجتماع وأعلن مقاطعته له ولكن اقتراح حزب النور كان هو حصوله مع الحرية والعدالة على نصف عدد أعضاء الجمعية التأسيسية ولوح كل من يونس مخيون والسيد خليفة الحاضرين عن حزب النور الاجتماع بأنهم سيقيمون بالاتفاق مع الحرية والعدالة فيما يخص نسبة كل منهم فى ال50٪ لعدد الجمعية مع بعضهم البعض.
وامتد النقاش والتفاوض لمدة خمس ساعات طلب خلالها المجتمعون من الأحزاب تناول الغداء فى المجلس العسكرى حتى إن بعض العسكريين تندر عليهم بأنه «ليس المهم الطعام ولكن القرار» ومع هذا تمت تلبية طلبهم واستحضر المجلس العسكرى لهم وجبة غداء وهو ما جعل الاجتماع تصل مدته إلى 6 ساعات حتى تم عقد المؤتمر الصحفى وعلق أيضا بعض من أعضاء المجلس العسكرى بأن المجلس الاستشارى درايته السياسية عالية ويحدد قراراته خلال ساعتين على الأكثر فى اجتماعه معهم ولا يتناولون إلا وجبة الضيافة من المشروبات.
ومن جانب آخر قال مصدر عسكرى إن المشير طنطاوى لن يسمح بأن يدفع الجيش كل يوم ثمنا للغل السياسى الذى تعيشه القوى والتيارات السياسية المختلفة التى دائما ما تضع أطماعها وطموحاتها قبل المصلحة الشعبية وقد فشل بعضها فى التشكيك بأن المجلس العسكرى طامعا فى السلطة ولا يريد أن يتركها وتنتاست البيان الخامس للمجلس العسكرى الذى ذكر فيه «يتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد ستة أشهر أو لحين انتهاء انتخابات مجلسى الشعب والشورى والرئاسة».
وكان هذا بعد أن تضمن البيان تعطيل العمل بأحكام الدستور السابق وهو دستور71 ووضع إعلان دستورى لتسيير أحوال البلاد خاصة بعد حل مجلسى الشعب والشورى ويؤكد المجلس العسكرى بأنه لو كان طامعا فى السلطة ما كان سيناريو المرحلة الانتقالية يتم على هذا النحو الذى صار عليه حتى الآن.. ولو كانت القوى السياسية صادقة ما استمر المجلس العسكرى فى إدارة شئون البلاد 18 شهرا بدلا من 6 شهور.
لا.. لدولة الفصائل
وفى أثناء الاجتماعات السابقة رفض المشير طنطاوى أن يتحدث أحد على أنه معبراً عن فيصل سياسى أو جماعة، وقال لسنا دولة فصائل وأن مصر كاملة السيادة ولديها أحزاب وليس جماعات ورفض أن يذكر أحد الحاضرين فى الاجتماعات السابقة أن «جماعة كذا. أو تيار كذا» وقال ليس لدينا تيارات ولا جماعات ولا فصائل سياسية.. وانسوا أن يسلم المجلس الأعلى العسكرى البلاد وهى مقسمة إلى فصائل أو جماعات متناصرة يكون ضحيتها الشعب المصري، وتغلب المصلحة الخاصة على مصلحة البلاد.
وكانت بعض التيارات تحاول تغليب مسمى «الفيصل السياسى للتيار الإسلامي» لأن هذا يضمن لها دعماً وتمويلاً خارجياً وهو ما يتم رصده أثناء الثورة وبعدها ل«الإخوان المسلمين» الذى جاء لهم التمويل عبر حقائب دبلوماسية لدولة قطر التى تسلمتها من البنك المركزى الأمريكى رأسا وهى تمويلات لأموال نقدية لأن المطلوب هو تقسيم مصر إلى جماعات وفصائل يمكن بواسطتها تفتيت وحدة مصر ووطنيتها.
ومن هذا المنطلق حاول بعض التيارات اليساسية اسقاط مشهد القوى الرئيسية على الساحة المصرية فى المرحلة الانتقالية التى يمثلها فى المقام الأول «الجيش» الذى استبعد على مدار عشرين عاما كاملة من المسرح السياسى لمصر بقصد من النظام السابق والحاشية المحيطة به ذات المصالح وفى هذا الوقت حاول الجيش من خلالها دعم الاحترافية القتالية فقط ومع ذلك لدى الجيش رصيد من الثقة والمحبة فى قلوب المصريين ولكنه لم يفلح فى استغلالها أو تنميتها لأنه لم يجيد التعامل الإعلامى الذى طمس هذه الحقيقة بالعمد والقصد لصالح جماعات وأجندات خارجية.
القوة الثانية على الساحة السياسية «الإخوان المسلمين» وهى جماعة منظمة تسعى للسلطة منذ 85 عاما وقامت بانقلابات كثيرة باءت بالفشل ولديها فى الشارع مؤيدون ومتعاطفون واستغلت هذا فى تأمين مقاعد لها بالبرلمان ولكن ليس لها دراية بشئون إدارة دولة بحجم مصر وأيضا ليس للجماعة رصيد لدى الشعب للاستمرارية ولذلك تحاول تصوير نفسها على أنها كتلة متحكمة فى المشهد السياسى وتضم كل التيارات المتأسلمة لتعلن عن «فصيل سياسى» له نسبة فى كعكة الوطن إن صح التعبير.
والقوة الثالثة والتى تحاول بعض التيارات السياسية التى ليس لها وزن ما فى الشارع المصرى أن تختبئ فى عباءتها هم «شباب الثورة» الذين كانوا الشعلة الأولى لقيام الثورة ولكن غير منظمين ولا يمثلون كتلة واحدة وهو ما جعل بعض التيارات مثل الاشتراكية والليبرالية والعلمانية وغيرها تحاول السيطرة عليها بل فى بعض الأحيان تكلف بعضهم بتنفيذ أجندتها أمام القوة العسكرية وهى القوات المسلحة ومجلسها الأعلى وأيضا أمام القوة الدينية الممثلة فى الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية والذى جعل هذه القوة الثالثة والتى كان يجب أن تكون فى المرتبة الثانية بعد المجلس الأعلى العسكرى ولكن لخبرتهم القليلة فى التأثير الشعبى انقلب عليهم بالاقصاء من المشهد السياسى وتعلموا كيف يهدمون أنظمة بوليسية ظالمة ولكنهم لم يؤهلوا لإدارة شئون شعب ودولة وبعض الحركات منهم يشوبها تحويلات خارحية تجعلهم يؤمنون بنظريات ينفذونها دون التفكير فى تباعاتها ويفتقدون لقواعد الالتحام الشعبى وتعاطف الشارع مع أفكارهم لأن لديه لغة جافة وقاسية ولا يؤمنون بتواصل الأجيال.
علاقة الجيش بالثورة
ما سبق يفسر لنا المراحل الثلاث التى مرت بها علاقة المجلس الأعلى العسكرى بالثورة.. المرحلة الأولى وتبدأ من 25 يناير وحتى 11 فبراير وفيها تلاحم المثلث الذهبى «الجيش والشعب والثوار»، والثانية من 12 فبراير 2011 وحتى 9 مارس يوم الاستفتاء على الإعلان الدستورى وفى هذه المرحلة كانت بداية الحوار بين المجلس العسكرى والثوار والقوى السياسية الأخرى ومع أن شباب الثورة كان له الأولوية فى هذا إلا أن المجلس العسكرى وجد أن هؤلاء الثوار ينفذون أجندات لبعض القوى السياسية التى استغلتهم ومع ظهور تيار الإسلام السياسى بعناصره الثلاث «السلفيين والإخوان والجماعات الإسلامية» وبعد الإعلان الدستورى وتحديدا 15 مارس وحتى الآن وهى المرحلة الثالثة للعلاقة بين المجلس العسكرى وبعض الثوار أخذت منعطفا حيث حاول بعض شباب الثورة بإيعاز من بعض القوى السياسية الاستئثار بالثورة والعمل على خروج ضلع مهم فى معادلة الثورة وهو «الجيش» مما جعل المجلس العسكرى يستشعر بأن هناك من يريد أن يجنى ثمار الثورة وابعاد أهم قوة رئيسية وهى القوات المسلحة ومحاولة الايعاز بأن بديل الدولة المدنية هى الدولة العسكرية والتى يمثلها ما يطلق عليه «حكم العسكر»، وهذا عكس ما كان يقوم به المجلس العسكرى باشراك كل القوى السياسية فى فعليات المسرح والمشهد السياسى منذ قيام ثورة يناير ونذكر منها يوم 8 مارس 2011 عندما حضر «البشير» رئيس السودان إلى القاهرة فى زيارة عاجلة للأحداث التى كانت على حدود مصر - السودان وبعد مقابلته للمشير طنطاوى وأعضاء المجلس العسكرى طلب المشير كلا من «د.محمد بديع» مرشد الإخوان و«د.أسامة الغزالى حرب» رئيس حزب الجبهة الديمقراطى وقتذاك وقاموا بمقابلة «البشير» فى إدارة الشئون المعنوية وكان اختيارهم لإجراء المقابلة عن طريق المشير - وفى نفس هذا اليوم أحبطت عملية تهريب سلاح عبر الحدود الجنوبية لمصر، كانت وجهة نظر المشير أن يشارك الجميع فى الأحداث التى تتعرض لها مصر دون أن يكون هناك تقسيم لفصائل أو تيارات ولكن قوى سياسية..