بدأت حياتى العملية فى العمل بمؤسسة دار المعارف عام 73 فى أزهى عصور نشر الكتاب فى مصر وأعرق دار فى المنطقة العربية على الإطلاق. وقد كنت سعيد الحظ أن أتعلم على أيادى الجيل الأول لهذه الدار بعد المؤسسين وعلى رأسهم الدكتور سيد أبو النجا المشرف العام.. والدكتور حسين الغمرى المدير العام والدكتور صليب بطرس.. والأستاذ وهبة مرسى.فقد كان هناك كوكبة من العمالقة فى المهنة على رأٍسهم د. أبو النجا وقد شاهدت الأستاذ شفيق مترى وهو يزور مؤسسته بعد التأميم وكانت أمنيته الوحيدة أن يرى المطابع يوميًا. وكانت هذه الفترة خصبة بمعنى الكلمة فهناك عمالقة من الكتاب أمثال العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وبنت الشاطئ وشوقى ضيف.. وغيرهم. وكانت الأسواق جيدة فى مصر وكافة أرجاء الوطن العربى. وكان الكتاب المصرى خير سفير لنا فى أرجاء المعمورة سواء كان تعليميًا أو أدبيًا أو علميًا وكان المعلم المصرى والطبيب والمهندس والعامل منتشرا فى كل مكان فى العالم العربى بل والفن المصرى بكافة روافدة. وبدأت حرب أكتوبر بعد التحاقى بأربعين يومًا تقريبًا وكان النصر بفضل الله وشهامة جنودنا. كانت هناك صحوة وعودة إلى اللُحمة العربية الجميلة وحصاد ثمارها فى النصر الجميل. ثم كان قرار الرئيس الراحل أنور السادات بإنشاء مجلة أكتوبر كإصدار صحفى لأول مرة بعد التأميم للصحافة المصرية يصدر عن مؤسسة صحفية وهى دار المعارف وكلف الأستاذ أنيس منصور بالإعداد لها وإصدارها وصدرت عام 1976 وكانت من أفضل المجلات التى جمعت خبرات الكبار مع جيل من الشباب الذين أصبحوا الأن عمالقة.. يديرون هذه المجلة العريقة الشابة التى بلغت الأربعين من عمرها. وكانت المحطة الثالثة لى فقد تركت دار المعارف أواخر الثمانينيات وذهبت إلى السعودية للمشاركة فى إنشاء سلسلة مكتبات تهامة فى أنحاء المملكة وعدت منها إلى أخبار اليوم لأمضى قرابة ثلاثين عامًا أنشأت خلالها قطاع الثقافة ورأست قطاع التوزع ثم نائبًا للمدير العام.. إلى أن كلفت برئاسة مجلس إدارة دار المعارف فى 1/8 من هذا العام وكانت لحظة فارقة لى فى هذه المرحلة. وكان من الفأل الحسن أن نحتفل هذا العام بمرور 125 عامًا على تأسيس دار المعارف كأول دار نشر عربية ورابع دار نشر على مستوى العالم وكذلك بداية العام الأربعين لمجلة (أكتوبر) التى أشرفت على توزيعها من المنوفية إلى الإسكندرية وكانت رحلات مكوكية لمتابعة الباعة والأسواق ومدى انتظار القارئ لموعد الصدور للعدد الجديد بوجبة صحفية نادرًا ما يجد مثيلها فى أية مجلة أخرى فى هذا الوقت فقد كانت أكتوبر أولى المجلات الأسبوعية السياسية وانفردت بالعديد من التحقيقات والموضوعات منها مذكرات الرئيس السادات. وكانت مهمتنا صعبة جدًا ولكن ليست مستحيلة أنا وزميلى أيمن كمال رئيس التحرير وفريق عمل من صحفيين وإداريين من كافة أنشطة المؤسسة وعمال مطابع يستحقون كل تقدير ومحبة لانتمائهم الشديد لهذه المؤسسة العريقه وتحديهم لكافة الصعاب ومعرفتهم لما تمر به من أزمة مالية طاحنة يمكن بالعمل الخروج منها بأذن الله.. وبدأنا رحلة التطوير فى كافة المجالات والخروج إلى الأسواق المصرية من جديد والتواجد بمعارض الكتاب الدولية ليتواجد كتاب دار المعارف من جديد. وكذلك تنشيط دور المركز العربى للبحوث والإدارة (أراك) أول مركز تدريس فى مصر وتطوير محتوى المجلة. وبدأنا تعاونًا مثمرًا مع وزارة الثقافة بدولة الإمارات كانت ثمرته إعادة إصدار أكثر من 450 كتابًا من كنوز دار المعارف وإصدار 20 كتابًا للأدباء الشباب بالإمارات كل ذلك بدعم من أولاد زايد الخير (الشيخ زايد) رحمة الله عليه وأبناؤه البررة الذين لا يتوانون أبدًا عن التعاون مع مصر وتقديم كل مساعدة وسيتم إنشاء مركز الإمارات للنشر وكان لوزير الثقافة الإماراتى الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان أكبر الفضل فى تفعيل واتمام هذا الاتفاق. وجهد مشكور من السيد أحمد شبيب الظاهرى مدير عام مؤسسة زايد الخيرية. وسيكون هناك احتفالية نستعد لها من الآن برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية وحضور كل من وزير الثقافة المصرى حلمى النمنم ووزير الثقافة فى الإمارات وأيضًا السفير اللبنانى د. خالد زيادة والعديد من الضيوف من كافة الدول العربية فى حفلين الأول بهيلتون رمسيس عبارة عن ندوتين الأولى مستقبل الثقافة... والثانى دور دار المعارف ومجلة أكتوبر فى الثقافة والصحافة والحفل الثانى إحتفالًا فنيًا بدار الأوبرا يتم خلاله تكريم الضيوف ورواد الفكر والثقافة فى مصر والعالم العربى. ونأمل أن تكون بداية لفترات جديدة عامرة لخدمة الثقافة والصحافة فى مصر، تحية لكل ابن من أبناء دار المعارف ساهم فى بنائها على مدار تاريخها وتحية لمؤسسيها نجيب وشفيق مترى.. وإميل زيدان الذى تركها وأسس دار الهلال.