مع صدور هذا العدد من «أكتوبر».. تبدأ هذه المجلة عامها الأربعين بعد أن أتمت أمس الذى وافق يوم (31) من شهر أكتوبر المنقضى وهو نفس اليوم الذى صدر فيه العدد الأول عامها التاسع والثلاثين. ومتواكبا مع هذا الحدث الصحفى يأتى احتفال المؤسسة الأم «دار المعارف» بعيدها ال 125.. كأقدم وأعرق دار نشر فى مصر والعالم العربى والتى صارت مؤسسة صحفية قومية بعد أن صدرت منها مجلة أكتوبر، فجمعت بين الثقافة والمعرفة وبين الصحافة والإعلام.وإذا كانت دار المعارف بتاريخها الممتد عبر قرن وربع القرن من الزمان قد أضفت على «أكتوبر» بعدًا ثقافيًا خاصًا مستمدًا من عبق التاريخ والتراث المعرفى، فإن «أكتوبر» أضفت على هذه الدار العريقة بعدًا صحفيًا وسياسيًا وإعلاميًا مستمدًا من الزخم السياسى والوطنى الذى شهدته مصر فى ذلك الوقت الذى صدرت فيه المجلة.. شاهدة على هذا الزخم ومعّبرة عن طموحاته وناقلة لأحداثه التحولية. وبصدور «أكتوبر» عن دار المعارف.. ازدادت هذه الدار العريقة تألقًا بهذا التزاوج بين النشر.. نشر المعارف على اختلافها وتنوعها ما بين الأدب والفلسفة والثقافة والعلوم والتاريخ وبين النشر الصحفى ممثلاً فى هذه المجلة، وهو الأمر الذى أضفى خصوصية على الاثنتين معاً.. دار المعارف ومجلة أكتوبر. لقد كان قرار الرئيس السادات بإصدار مجلة أكتوبر عن دار المعارف تأكيدًا لهذا المعنى وإدراكًا ووعيًا بالدور الثقافى والتنويرى لهذه الدار العريقة الذى امتد تأثيره الكبير والقوى خارج الحدود.. إلى أرجاء الوطن العربى.. شرقًا وغربًا عبر عشرات السنين، ومن ثم فقد كان قرارًا له دلالته الواضحة والمهمة التى تعنى وتعكس الهدف الإعلامى والسياسى والوطنى والقومى الذى أراد السادات أن تحققه هذه المجلة. وإذا كان الرئيس السادات أراد أن تكون «أكتوبر» وكما جاء فى خطاب تكليفه للأستاذ أنيس منصور بإصدارها ورئاسة تحريرها أن تكون تخليدًا لنصر السادس من أكتوبر الذى أحرزه الجيش المصرى العظيم كأول انتصار عربى منذ مئات السنين، فإنه أراد أيضًا وبرؤيته السياسية والاستراتيجية وبإدراكه للدور المصرى المحورى العربى أن يكون لمصر بهذه المجلة حضور صحفى إعلامى فى العالم العربى، وحيث كان للصحافة فى ذلك الوقت وقبل عصر الفضائيات الدور المؤثر فى الرأى العام.. وقد كانت أكتوبر صوت مصر القوى والمسموع بوضوح.. عربيًا. إن دار المعارف واحدة من أهم القوى الناعمة لمصر بدورها وحضورها وتأثيرها الفكرى والثقافى والمعرفى الطاغى فى العالم العربى ولا يخفى دورها فى تشكيل الوجدان الثقافى العربى، فهى البوابة الملكية الثقافية التى عبرت من خلالها مؤلفات عمالقة الأدب والفكر والثقافة والعلوم المصريين إلى الشعوب العربية. ويُذكر لدار المعارف أنها قامت أيضًا بتحقيق وإعادة نشر ذخائر التراث المعرفى وأمهات الكتب وعلى النحو الذى أعاد إحياء تراث الحضارة والثقافة والعلوم العربية، بل لقد امتد دورها لنشر مختلف العلوم وحيث كان شعارها التاريخى الأثير ولا يزال «خذ المعارف من دار المعارف». بهذا الدور المعرفى التاريخى لدار المعارف، وبهذه المكانة الثقافية العريقة والرفيعة، ولذلك الهدف الوطنى والقومى لإصدار «أكتوبر» الذى أراده السادات، كان لقرار صدورها عن دار المعارف دلالته المهمة ومغزاه العميق. ??? وفى نفس الوقت فقد تبّدت حكمة السادات باختياره لأنيس منصور رئيسًا لمجلس إدارة دار المعارف ومؤسسًا ورئيسًا لتحرير «أكتوبر» وهو الاختيار الذى يعكس الرؤية الثاقبة للسادات.. ثقافيًا وسياسيًا وصحفيًا، إذ من المعلوم أنه لم يكن مجرد ضابط بالجيش بل كان مثقفًا وقارئًا جيدًا ومارس العمل الصحفى بدار الهلال وقت أن كان مفصولًا من الجيش قبل يوليو 1952. ولأن الأستاذ أنيس منصور جمع بين الصحافة بوصفه كاتبًا صحفيًا بالغ التأثير فى الرأى العام، وبين الثقافة والمعرفة الموسوعية بوصفه مفكرًا وفيلسوفًا وأديبًا كبيرًا، فقد كان الرجل المناسب فى المكان المناسب، حيث استأنفت دار المعارف فى عهده دورها الثقافى بقوة، وصارت «أكتوبر» المجلة السياسية الأولى فى العالم العربى. وإذا كان أنيس منصور هو المؤسس لهذه المجلة وصاحب الفضل الأول فى نجاحها الباهر منذ أن ولدت عملاقًا صحفيًا قبل 39 سنة، فإن الرئيس السادات وللأمانة التاريخية كان صاحب الفضل فى إصدارها وقدم لها كل العون والدعم المادى والمعنوى والسياسى وعلى النحو الذى أسهم بالدرجة الأولى فى تسهيل كل الصعاب التى واجهتها خلال الفترة القصيرة التى لم تتجاوز أربعة أشهر بين قرار إصدارها وبين صدور العدد الأول. ما بين صدور العدد الأول عام 1976 وبين هذا العدد الذى يصدر اليوم مع بداية المجلة لعامها الأربعين.. فإن مياها كثيرة جرت تحت الجسور خلال تلك السنوات.. تعرضت خلالها «أكتوبر» ومعها دار المعارف لموجات من المد والجزر، ولكن تبقى ذكريات تلك التجربة الصحفية المبهرة فى عهدها الأول.. مع أنيس منصور وتلك السنوات بأحداثها المهمة والتحولية. وإذا كنت أفتخر بأننى واحد من جيل الشباب المشاركين فى تأسيس هذه المجلة والتى قضيت فيها ثلثى عمرى وحتى صرت بفعل الزمن من جيل الشيوخ وأكبر صحفييها سنًا، فإننى أجدنى مدفوعًا بدواعى الأمانة والوفاء أن أتوجه بالتحية والتقدير لكل أجيال المؤسسين الثلاثة.. الحرس القديم من جيل كبار المؤسسين وجيل الوسط وجيل الصف الثالث.. تحية وتقدير للجميع.. من غيبهم الموت ومن أمد الله فى عمرهم. تحية خاصة أتقدم بها إلى الكاتبة الصحفية الكبيرة الأستاذة مريم روبين أهم صحفية متخصصة فى الشئون العربية فى الصحافة المصرية والعربية.. ابنة أخبار اليوم ونجمتها الساطعة وأم مجلة أكتوبر والتى كرمتها نقابة الصحفيين بهذه الصفة. ??? ان احتفال «أكتوبر» ببداية عامها الأربعين حدث صحفى مهم.. مصريًا وعربيًا لاشك أنه يحظى باهتمام الصحافة المصرية والعربية، إذ إنه احتفال بهذه المجلة التى تحمل اسمًا غاليًا.. تخليدًا لنصر أكتوبر. وفى نفس الوقت فإن احتفال دار المعارف بمرور 125 سنة على تأسيسها حدث ثقافى تاريخى بالغ الأهمية يتعّين أن يكون احتفالاً وطنيًا من جانب الدولة المصرية كلها بل أحسب أنه يتعّين أن يكون احتفالًا عربيًا بمشاركة الهيئات والمؤسسات الثقافية والمثقفين العرب جميعًا. ??? تبقى كلمة أخيرة موجهة للقيادة السياسية الوطنية.. إن تقديم الدعم اللازم والضرورى والعاجل لإقالة دار المعارف من عثراتها المالية الحالية والمتراكمة منذ سنوات.. أمر مهم للأمن القومى المصرى، وهو دعم ضرورى للدور الثقافى والتنويرى الذى تؤديه هذه الدار العريقة، وهو الدور الذى تتزايد أهميته هذه الأيام لمواجهة الأفكار التكفيرية المتطرفة التى تعد أكبر منابع الإرهاب.. الخطر الأول والأكبر الذى يهدد الاستقرار والأمن القومى لمصر والمنطقة العربية كلها..