كان السؤال الذى يطرح نفسه بقوة قبل التوصل إلى الاتفاق الذى وقّعته الولاياتالمتحدة وباقى مجموعة دول (5+1) مع إيران بشأن البرنامج النووى الإيرانى.. كان السؤال هو: هل ينتصر العقل وتنتصر الحكمة ويتجنب الأطراف مواجهة عسكرية ليس من السهل السيطرة على تداعياتها؟.. بعد توقيع الاتفاق لم يعد للسؤال معنى إنما أصبح هناك تساؤلات أخرى.. هل يؤدى هذا الاتفاق إلى بداية حالة من الانفراج فى المنطقة أم تزداد الصراعات تعقيدًا؟.. وهل سيؤدى الاتفاق إلى تغيير سياسة إيران تجاه أمريكا أم ستظل كما هى؟ السؤال الأهم: هل ستحاول إيران بهذا الاتفاق استعادة دور الشرطى فى الخليج لحساب أمريكا.. كما كان الحال أيام شاه إيران؟! الإجابة سهلة جدًا.. ومعقدة جدًا! ونبدأ بالاتفاق نفسه الذى توصلت إليه الدول الغربية الست مع إيران.. ونتساءل: هل سيؤدى الاتفاق فعلا إلى منع إيران من تصنيع القنبلة النووية أم أن إيران وقّعت على الاتفاقية لكى تلتقط الأنفاس وتستأنف بعد ذلك محاولاتها لإنتاج القنبلة النووية؟! أهم بنود هذا الاتفاق هو أن إيران قبلت التوقف عن تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 5%.. كما قبلت تفكيك المعدات اللازمة للتخصيب لأكثر من 5%. فى نفس الوقت وافقت إيران على إتلاف مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى ما يقارب 20% مع وعد بعدم بناء أجهزة طرد مركزى لليورانيوم جديدة.. الاتفاق تضمن أيضا التوقف عن مواصلة بناء مفاعل لإنتاج البلوتونيوم والتوقف عن بناء أى منشأة قادرة على استخراج البلوتونيوم من الوقود المستنفذ.. والأهم من ذلك كله أن إيران ستسمح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى منشآتها بشكل يومى.. هذه هى التزامات إيران كما تنص الاتفاقية، أما الدول الست الغربية التى وقّعت الاتفاق مع إيران فتلتزم بتخفيف عقوبات على إيران فى حدود 7 مليارات دولار وألا تفرض عقوبات جديدة خلال الأشهر الستة المقبلة (لحين التأكد من التزام إيران).. كما تقوم الدول الست بتعليق بعض العقوبات المفروضة على الذهب والمعادن الثمينة وصادرات إيران من السيارات والبتروكيماويات.. كل ذلك بالإضافة إلى رفع التجميد على 4.2 مليار دولار قيمة ودائع إيرانية بالبنوك الغربية.. أما أغلب العقوبات التجارية والمالية الأمريكية فسوف تبقى كما هى لمدة 6 أشهر.. ولا يتم رفعها إلا بعد التأكد من التزام إيران ببنود الاتفاق.. وأغلب الظن أن إيران ستلتزم ببنود الاتفاق لكى تصل إلى مرحلة رفع العقوبات الاقتصادية التى أنهكتها على امتداد السنوات الماضية.. وأغلب الظن أن الاتفاق سيتحول إلى اتفاق نهائى بعد ستة أشهر.. وليس معنى ذلك أن إيران ستتخلى عن مشروع إنتاج القنبلة النووية.. فمن الناحية العملية تستطيع إيران أن تتلاعب وتحايل لكنها لن تفعل ولن تغامر لأنها تسعى لتخفيف القيود المفروضة على اقتصادها، أما القنبلة النووية فيمكن اعتبارها حلما مؤجلا! ثم إن إيران تسعى لتعظيم مكاسبها السياسية من الاتفاق! *** ليس خافيًا أن الاتفاق سيؤدى إلى حدوث انفراجة فى العلاقات بين إيران والغرب.. وبالطبع ستسعى إيران إلى الاستفادة من هذه الانفراجة فى تنفيذ مخططاتها الإقليمية.. وليس مستبعدًا أن تحاول إيران استعادة دور الشرطى الأمريكى فى الخليج كما كانت أيام الشاه.. اقرأ تصريحات المرشد الأعلى آية الله على خامنئى حول الاتفاق مع الغرب.. يقول خامنئى إن الاتفاق لن يؤثر على دعم إيران لأصدقائها فى المنطقة.. ومن بينهم الرئيس السورى بشار الأسد.. كما أن إيران ستدعم الشعب الفلسطينى المظلوم والشعب اليمنى والحكومة والشعب فى سوريا والعراق والشعب البحرينى المظلوم والمجاهدين الصادقين من المقاومة فى لبنان وفلسطين.. على حد تعبيره.. وطالب خامنئى السياسيين الإيرانيين بالتدقيق فى الاتفاق لضمان أن المصالح الوطنية مصانة.. مؤكدًا أن إيران لن تسمح بأى إخلال بمبادئها الثورية أو قدراتها الدفاعية.. كلام المرشد الأعلى ليس له إلا معنى واحد وواضح.. أن إيران لن تتخلى عن مخططاتها فى المنطقة.. فى البحرين واليمن والعراق.. وأنها لن تتخلى عن حلفائها فى سورياولبنان وفلسطين وأنها ستظل ضاغطة على دول الخليج.. وعلى الرغم من أن دول الخليج كانت تتمنى ألا ينفجر الصراع الغربى الإيرانى لكنها فى نفس الوقت كانت تتمنى أن يؤدى الاتفاق إلى إرغام إيران على التخلى نهائيا عن حلم امتلاك قنبلة نووية.. أما الاتفاق بهذه الصيغة فهو يبقى الباب مفتوحا أمام إيران لتحقيق الحلم.. على الأقل فى المستقبل.. وهو ما يعنى أن أمريكا انحازت لإيران على حساب مصالح الدول الخليجية.. ولعل الموقف الإسرائيلى من الاتفاق يؤكد حقيقة الانحياز الأمريكى.. فليس صحيحا أن إسرائيل تخاف من القنبلة الإيرانية لأنها - إسرائيل - تمتلك بالفعل السلاح النووى.. وامتلاك السلاح النووى أكبر ضمان بمنع إيران من تهديد إسرائيل نوويًا.. أما سبب غضب إسرائيل من الاتفاق فلأنها تدرك أن الاتفاق يعنى تقارب إيرانوأمريكا وتقارب إيران والغرب عموما وهو ما يمكن أن يكون من شأنه حصول إيران على دور إقليمى أكبر يسمح لها بالهيمنة! *** المنطقة خاصة دول الخليج دخلت فى متاهة بعد الاتفاق النووى بين إيران والغرب.. وليس هناك إلا طريقة واحدة للخروج من هذه المتاهة.. قوة عربية مشتركة ومساع عربية جماعية قوية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى.. ليس هناك طريق آخر!